تؤكد مصادر سياسية مطّلعة لـ”البوست” أنّ إحدى السفارات الإقليمية النافذة في الشأن اللبناني دخلت على خطّ الانتخابات المقبلة من الباب العريض، إذ كلّفت شركة محليّة بارزة في مجال استطلاعات الرأي بإجراء دراسة ميدانية “سرّية” لقياس المزاج الشعبي تجاه ثلاث شخصيات سنيّة حاضرة في الندوة البرلمانية.. المصادر نفسها تشير إلى أنّ إحدى هذه الشخصيات هي شخصية صيداوية معروفة، تتعاطى العمل بالشأن العام والسياسة المحلية، وتشهد منذ فترة حالة من التقارب المتنامي مع هذه الدولة الإقليمية التي تُفضّل الاطمئنان إلى قوّة حلفائها قبل أن تشتعل المعركة الانتخابية. وتوضح المعلومات أنّ هدف الاستطلاع يتخطّى حدود الأرقام الجافة، ليُشكّل بوصلة سياسية لتحديد حجم التأييد الشعبي، واكتشاف مكامن الخلل أو الضعف التي قد تُهدّد حظوظ المرشحين في الاستحقاق النيابي المقبل. وبينما تلتزم الأطراف المعنية صمتًا تامًا حول النتائج الأوّلية، يطرح المتابعون أكثر من علامة استفهام: هل تعكس هذه الخطوة خشية إقليمية من تراجع نفوذ الحلفاء، أم أنها مجرد استباق انتخابي لضمان الإمساك بالمفاتيح السنيّة في مدينة صيدا وغيرها؟ قراءة في المشهد الصيداوي المتابعون للمشهد الانتخابي في صيدا يرون أنّ دخول العامل الإقليمي عبر الاستطلاعات الميدانية يضيف طبقة جديدة من التعقيد على خريطة التحالفات. فالتوازنات المحلية التي تحكمها حساسيات شخصية وطائفية قد تتبدّل بسرعة إذا ما أظهرت النتائج تفاوتًا واضحًا في الشعبية بين المرشحين الثلاثة. بين حسابات الداخل وضغوط الخارج تبدو صيدا مقبلة على معركة انتخابية ليست محصورة في صناديق الاقتراع، بل مرسومة أيضًا في مكاتب السفارات وغرف الاستطلاعات المغلقة. وهو ما يجعل من هذا الاستحقاق المقبل اختبارًا مزدوجًا: إرادة الناخب الصيداوي من جهة، وحسابات العواصم الإقليمية من جهة أخرى.
قبل أيام، وصلت شاحنة محملة بالردميات لطمرها في الأرض التي تستثمرها بلدية صيدا، إلا أن الموظف المعني رفض إدخالها، بناءً على تعليمات من البلدية تقضي بمنع إدخال أي ردميات من خارج المدينة. يأتي هذا المنع بعد فترة كان يُسمح فيها بذلك مقابل دفع رسوم محددة، مما يثير الشبهات حول وجود جهات تستفيد من الفرق بين الرسوم الفعلية وما كان يدفعه ناقلو الردميات بعد هذا المنع، توجهت الشاحنة إلى معمل معالجة النفايات، حيث استُقبلت وأفرغت حمولتها، وفقاً لمصادر مطلعة، لينقل الردم إلى إحدى التلال المحيطة بالمعمل بعد دفع المبلغ المتفق عليه لإدارة المعمل. ولم تكن هذه الشاحنة الوحيدة، فقد سبقتها شاحنات أخرى أفرغت حمولاتها في أرض ملاصقة للمعمل، كانت إدارته قد حصلت على إذن باستخدامها من بلدية صيدا في وقت سابق؛ فيصدق هنا المثل: “ما لا يدخل من الباب، يدخل من الشباك”. لم يصدر أي رد فعل أو موقف من المجلس البلدي لمدينة صيدا حيال هذه التجاوزات، سوى تململ خجول من عضو هنا أو هناك. واللافت في هذا الإطار أن إدارة المعمل تستقبل نفايات من خارج نطاق اتحاد بلديات صيدا-الزهراني، ومن مناطق مختلفة، على الرغم من أن الاتفاق الموقع بين البلدية وإدارة المعمل يشترط لاستقبال نفايات من خارج الاتحاد ألّا تتجاوز كمياتها قدرة المعمل على المعالجة، وألّا تؤثر سلباً على الوضع البيئي في المدينة. اليوم، وباعتراف الجميع، فإن المعمل لا يعمل بصورة منتظمة، بل توقف عن العمل لسنوات، حسب اعتراف إدارته. وحتى هذه اللحظة، تكتفي الإدارة بوضع خطط تطويرية وتحسينية دون تنفيذ، وسط غياب تام للمجلس البلدي. يستقبل المعمل نفايات من خارج نطاق اتحاد بلديات صيدا-الزهراني، ومن مناطق مختلفة، على الرغم من أن الاتفاق الموقع بين البلدية وإدارته يشترط لاستقبال نفايات من خارج الاتحاد ألّا تتجاوز كمياتها قدرته على المعالجة، وألّا تؤثر سلباً على الوضع البيئي في المدينة مضى أكثر من أربعة أشهر على انتخاب المجلس البلدي الجديد، لكنه لم يجتمع لمناقشة مشكلة معمل المعالجة الذي لا يقوم بالمهام المنوطة به، على الرغم من استيفائه رسوماً مقابل معالجة لا تتم. كما تعثر تشكيل لجنة بلدية لمتابعة شؤون المعمل، بعد أن اشترط رئيس البلدية، مصطفى حجازي، أن يرأسها بنفسه وإلا فلا داعي لها، مكتفياً باللجنة الموروثة من المجلس السابق، والتي لم يُعد تشكيلها بعد الانتخابات الأخيرة. وتشهد الفترة الحالية غياباً لهذه اللجنة وأعضائها عن متابعة المعمل وبنود الاتفاق والخطط التطويرية “الفولكلورية”. وللأسف، شُكلت لجنة للبيئة في البلدية، لكنها غير معنية بمتابعة المعمل، وتكتفي بزيارات ونقاشات عامة دون اتخاذ خطوات عملية. كنس ورشوة؟ بدلاً من أن تقوم إدارة المعمل بواجباتها الأساسية، نلاحظ مشاركتها في كنس بعض الشوارع، دون وجود أي اتفاقية مع البلدية. ويُطرح التساؤل عما إذا كانت هذه المبادرة جزءاً من خطة عامة أم “رشوة” لضمان استمرار التوقيع على جداول المعالجة الوهمية، وبالتالي تغطية سياسة نهب المال العام. وتكشف مصادر مطلعة أنه على الرغم من عدم التزام إدارة المعمل بوعودها المتكررة بإصلاحه وإعادة تشغيله بشكل منتظم، فإن السلطة الفعلية المهيمنة على المجلس البلدي تؤجل مناقشة وضع المعمل إلى ما بعد الانتخابات النيابية القادمة. ويشير هذا التأجيل إلى وجود حماية سياسية لعملية نهب المال العام، التي تتم من خلال دفع أموال مقابل معالجة لا تحدث، فضلاً عن تحول المعمل إلى مركز لشراء النفايات القابلة للتدوير من “النكيشة” على مرأى ومسمع من بلدية صيدا. فهل سيبادر أعضاء من المجلس البلدي إلى فرض اجتماع لمناقشة خطوات جادة لمعالجة شؤون المعمل؟ أم سيكتفون بالتذمر والانتقادات دون اتخاذ إجراءات عملية تفرض حلاً جدياً وعلمياً لوضع المعمل، يستند إلى السياسات الواجب اتباعها، لا مجرد ملاحظات تقنية يتستر خلفها البعض؟
ما شهده السوق التجاري لمدينة صيدا عصر اليوم، هو مظهر من مظاهر الهيمنة والاحتلال الناعم، الذي لم يعُد ناعمًا أو مُقنِعًا، بل بات على المكشوف. فليس هناك من يُحسَب له حساب في المدينة اليوم. عشرات الأشخاص يُجاء بهم من كل حدب وصوب ليحتلّوا شوارع المدينة تحت عنوان الفن والرسم والإبداع الفكري، تحت علم فلسطين القضية إحياءً لذكرى اغتيال نصر الله وصفِيّ الدين، تحت عنوان: “إنّا على العهد”. أيُّ عهد؟ صيدا لم تُعطِ أيًّا منكما عهدًا ولا وعدًا.