يقولُ “الصّحافيُّ” عليّ بَرّو: «أسامةُ سعد، فيصلُ كرامي، والشيخُ حسنُ مرعِب قبضوا من الحزب».وكأنّكَ استحضَرتَ لنا الغيبَ، وأخرجتَ منه العَجَبَ. حتّى أطفالُ الحضانةِ يَعلَمونَ أنّ حزبَ الله مرتبطٌ بحلفائِه الذين أنكَرْتَهم على أساسِ المصلحةِ المادِّيّة. لكنّ المُستَغرَبَ هو تِلكَ العَنَجَهيّةُ التي باتتْ أَكبَرَ ممّا يُسكَتُ عنها، وأصبحتْ واضحةً للجميعِ حتى صَارَتْ تُحرِقُ حلفاءَكم قبلَ أعدائِكم.ليسَ هذا المقالُ شِماتةً بالذين قبضوا أو استفادوا؛ فالكلُّ يعرفُ أنّ الحزبَ في أوجهِه كانَ المصدرَ الأوّلَ للمالِ لكثيرٍ من حلفائِه، بل وحتى للشركاءِ في الوطن (الذين لا يوافقونَه). إنّما هُوَ تنبيهٌ ووقفةُ حقٍّ. أسامةُ سعد: المَعاركُ والمَواقفُأمّا فيما يَخصُّ النائبَ الصيداويّ أسامةَ سعد، فكمْ مرّةً أَحرقْتُموه وكانَ أوْعى من أنْ يَحتَرِق؟ من مَعرَكةِ نَزلَةِ صِيدون إلى مَعرَكةِ أبو ربيع، إلى مَعرَكةِ الأسير، إلى الثّورةِ و”بوسَطَتها”، وغيرِها من المواقفِ. وليسَ آخِرَها رئاسةُ الحكومةِ واستقبالُهُ للمعارضةِ والقوى “المدنيّة” (مع تحفّظي طبعًا)، أو حتّى الوفودِ الأميركيّةِ التي استقبلها. مواقِفُه كانت دائمًا مبنيّةً على العلمانيّةِ في مواجهةِ المذهبيّةِ والدينِ.فما لكم كيفَ تحكُمون؟لقد عملتُ في المركزِ الإعلاميّ والاستشاريّ للدكتورِ أسامةَ أكثرَ من سنتينَ كمقدّمٍ لخدمةِ الإعلامِ والاستشاراتِ والعملِ الاجتماعيّ، وأعلَمُ تلكَ الانقساماتِ التي كانَ الحزبُ يُبثّها في صيدا: «بوابةُ الجنوب»، «عاصمةُ الجنوب»، و«المدينةُ السّنّيّةُ الاستراتيجيّة». وأعلَمُ أيضًا سياسةَ “فَرِّق تَسُدّ”، والدعمَ المادّيّ للأطرافِ المتفرّقةِ التابعةِ للحزبِ أو المقَرَّبَةِ منه والمُناصرَةِ لسياساته، ومنها المكتبُ الإعلاميُّ الذي كان يُموَّلُ مُباشرةً من الحزبِ بإشرافِ بسّامَ القنطارِ. وكم احتدّ النقاشُ بينه وبينَ الراحلِ المناضلِ عصمتِ القواصِ مديرِ المكتبِ الإعلاميّ حولَ سياسةِ النشرِ ورسمِ خطوطٍ حمراء.التّنظيمُ الشّعبيُّ النّاصريُّ وُجِدَ قَبلَ وُجودِ حزبِ الله وأدواتِه وحَركاتِه، وإنْ كانَ “النّصرُ عملٌ”. ورغمَ كلِّ الجِراحِ، ظلَّ التّنظيمُ يبتلعُ الموسَ ويقفُ بجانبِ الحزبِ في مواقفَ وطنية.وأنا لستُ هنا لأشمَتَ، ولا لأدافعَ عن التّنظيم؛ فهو حزبٌ لا يُمثّلُني سياسيًا، لكنّه يُمثّلُ كلَّ صيداويٍّ يَعرِفُ تاريخَ هذه المدينةِ. كرامي والمرعبي: التاريخُ والمَواقفُأمّا عن شراءِ الذّمَمِ، فليسَ كلُّ إنسانٍ من ذلكَ الطّراز. فيصلُ ليسَ عمرَ كرامي من حيثُ السّياسةِ والاستقلاليّة؛ فهذا الإنسانُ ليسْ كذلكَ الأسدُ. وكلُّنا يتذكّرُ موقفَ عمرَ كرامي حينَ فاجأَ الجميعَ، حتى حليفهُ حزبُ الله، عندما استقالَ.دَعَمَ الحزبُ عمرَ كرامي قبلَ فيصل. وإن لم يَكتشفِ الحزبُ أنّ معظمَ حلفائِه مُنتَفِعونَ أو مستفيدونَ، فالمشكلةُ في المُعطِي لا في الآخذِ “المُنتَفِع” كما ذَكَرَ بْرو.وعندَنا مثلٌ صيداويٌّ يقول: «اللي بيفتح زنبيليو كلّ الناس بتعبّيليو».أمّا عن الشيخِ المرعبي، فالقارئُ لتاريخهِ يعلَمُ أنّه لم يُنقِلِ البندقيّةَ من كتفٍ إلى كتفٍ، ولم يُبَدلِ “الشنكاش”. بَل تحدّثَ بوطنيةٍ وقتَ الحربِ وقال: «اليومَ لن أهاجمَ الحزبَ، فكلّنا في مَعرَكةٍ ضدّ العدوّ الصهيونيّ».لكنّكم تَعَوَّدتم أنّ لا يخالفَكم أحدٌ، وأنّي “أُريكم ما أرى”. وفي الوقتِ الذي اعترضَ فيه الجميعُ على “شِبهَ الحربِ” التي أطلَقْتُمُوها (فإمّا حربٌ كاملةٌ أو دعاء)، بدأتم تُوزّعون اتهاماتِ العَمالَةِ على الناسِ. وكانَ أكثرُ مَن قادَ حملاتِكُم هذه عملاءٌ… لكنّكم تَعَوَّدتم أنّ لا يخالفَكم أحدٌ، وأنّي “أُريكم ما أرى”. وفي الوقتِ الذي اعترضَ فيه الجميعُ على “شِبهَ الحربِ” التي أطلَقْتُمُوها، بدأتم تُوزّعون اتهاماتِ العَمالَةِ على الناسِ تَمَهَّلْ… تَمَهَّلْ يا “بَرّو”أسامةُ سعدُ المعروفُ بمواقِفِه الوطنيّةِ أبًا عن جدٍّ، أو من تريدُ أن تَستخدمَهم كأمثلةَ، هم لبنانيّونَ، ليسوا أطفالًا في السّياسةِ. قد أختَلِفُ معهم، وقد تكونُ زواياهم ضيّقةً، لكنَّ لديهمَ الحدَّ الأدنى من القُدرةِ على التّفريقِ بين النارِ والماء، بين ما يُحَرِّقُ البلدَ وما قد يُخدِمُ مصلحتَهُم الشّخصيّةَ أو مصلحةَ الوطن. تَمَهَّلْ… فالحربُ مع العدوّ الصهيونيّ لَم تَنتهِ. بيوتُ أهلِنا في طرابلسَ، الطّريقِ الجديدةِ، الجبلِ، وصيدا ما زالتْ مفتوحةً رغمَ الجِراحِ.وصيدا المَجروحةُ بشبابِها وعائلاتِها من الاستفزازاتِ — أو أقلّها معركتُكم مع الشيخِ أحمدِ الأسير — ستبقى مدينةً تَتعاملُ بأَصلِها، لا بالعَنجهيّةِ والاسْتكبارِ وفرضِ أمرٍ واقِعٍ تَبَيّنَ أنّه مجرّدُ وَهْمٍ. لمشاهدة المقابلة إضغط على الزر أدناه: Click here
في وطن يصارع من أجل البقاء على حافة الانهيار، لم يعد الفن مجرد ترفيه، بل أصبح ضرورة أخلاقية ومرآة للوجدان العام. لكن ما نشهده اليوم في برنامج “مرحبا دولة” يتجاوز حدود النقد الساخر المشروع، ليتحول إلى تلاعب خطير بالرموز الوطنية وتعدٍّ ممنهج على هيبة الدولة ومؤسساته ابتذال الرموز الوطنيةإن تحويل مؤسسات الدولة، من قوى أمن ورموز سيادية، إلى مادة خام لنكات تستهين بالعلم والنشيد والزي الرسمي، ليس إبداعاً فنياً، بل هو ابتذال يفرّغ الرسالة من معناها ويسقط الاحترام عن الشاشة.نعم، الفن الساخر هو ركن أساسي في أي ديمقراطية حية، لكن هناك خيط رفيع يفصل بين نقد الأداء العام البنّاء، وبين التحريض على الازدراء وتقويض الثقة المجتمعية. عندما تُداس الرموز التي توحدنا، تتوقف حرية التعبير لتبدأ مسؤولية التعبير. إن الانتقال من “الكوميديا السياسية” الهادفة إلى “التحقير الاجتماعي” هو انزلاق نحو فوضى لا تخدم إلا خصوم الوطن. من يشارك في تآكل الثقة؟لا يمكن إلقاء اللوم على جهة واحدة، فالمسؤولية هنا مشتركة وتتوزع على أطراف عدة:صنّاع العمل: الكتّاب والمخرجون والممثلون يدركون أكثر من غيرهم أن الموهبة الحقيقية لا تقاس بالجرأة على كسر المحرمات، بل بالقدرة على قول الحقيقة دون سحق الكرامات أو تسطيح الواقع. ما يقدمونه اليوم ليس نقداً للواقع، بل هو تشويه له.القناة المنتجة: الشاشة ليست مجرد مرآة، بل هي منبر يصنع الذوق العام ويوجه الرأي. عندما تتحول إلى مصنع للتهكم على هيبة القانون، فإنها تصبح شريكاً أساسياً في تآكل الثقة التي يحتاجها أي مجتمع للنجاة من أزماته.الجهات الرقابية والقضائية: قد نختلف حول التكييف القانوني لما يُعرَض، لكن هذا لا يلغي الواجب الوطني في رسم حدود واضحة بين النقد والإهانة. إن ترك الأمور تمر تحت حجة “متطلبات السوق” و”رغبة الجمهور” هو تشريع للانحدار وتثبيت له. إن تحويل مؤسسات الدولة، من قوى أمن ورموز سيادية، إلى مادة خام لنكات تستهين بالعلم والنشيد والزي الرسمي، ليس إبداعاً فنياً، بل هو ابتذال شهرة على أنقاض الوحدة الوطنية من المؤسف أن أسرع طريق للشهرة في لبنان أصبح يمر عبر إثارة النعرات الطائفية. ليس صعباً أن تصنع “الترند” حين تتحدث بلغة الطائفية، وتغمد سكين النكتة في خاصرة “الآخر”، فيصفق لك من يبحث عن فتنة سريعة. هذا ليس فناً، بل تجارة صريحة بالشرخ الأهلي. من يعتاش على تأجيج الغرائز، أياً كان موقعه، يلعب بالنار فوق برميل بارود، ومن يوفر له المنصة والتمويل يشارك في تغذية دوامة الانحلال الوطني. كن ناقداً لا مجرد رقمإلى المشاهد الكريم، ارتقِ بوعيك ولا تكن مجرد رقم في عداد المشاهدات. أنت صاحب ذائقة ومسؤولية. لا تضحك على حساب وطنك أو مجتمعك، فسقوط هيبة القانون يعني أنك ستكون أول الخاسرين. كن ناقداً، واسأل دائماً: ما الفكرة؟ ما القيمة؟ ومن المستفيد الحقيقي من تحويل غضبنا المشروع إلى نكات سطحية؟ ابحث عن البديل وادعمه، فهناك فنانون يصنعون نقداً شجاعاً وراقياً دون إهانة أو تسخيف. قد نختلف على تفاصيل القوانين والأحكام، لكننا لا يجب أن نختلف على حقيقة أن الوطن ليس "إيفيهًا" عابرًا في مشهد كوميدي. من أراد أن ينتقد الدولة بصدق، فليوجه سهامه إلى مكمن الخلل: السياسات الفاشلة، القرارات الخاطئة، ومنظومات الفساد. أما من يختار الطريق الأسهل عبر تحطيم ما تبقى من قواسمنا المشتركة، فليعلم أنه لا يبني سوى شهرة زائفة على ركام وطننا.
لم يكد المسؤول الإداري الجديد يتسلّم مهامه في إحدى دوائر المدينة الأساسية حتى بدأ الهمس يتردّد في الكواليس الطبية والاجتماعية عن لجوئه المتزايد إلى الحبوب المهدئة كوسيلة لمواجهة ضغوط المنصب. مصادر طبية صيداوية معنية توقفت عند هذه الظاهرة، معتبرةً أنّها تحمل دلالات مثيرة للقلق لا يمكن التهاون معها. ففي وقتٍ يُفترض أن يمنح المنصب الجديد دفعةً من الثقة والطموح، وجد الرجل نفسه – بحسب مقربين – أمام كمٍّ من التحديات والضغوط الإدارية والسياسية، دفعه إلى البحث عن “ملاذ سريع” في الأدوية المهدئة. ومعلوم أنّ الاستهلاك المفرط لمثل هذه العقاقير لا يمرّ من دون آثار جانبية خطيرة على الصحة الجسدية والنفسية، خصوصاً إذا جرى التعامل معها كبديل عن مواجهة أصل المشكلة أو معالجة جذورها. يؤكد الأطباء أن الإفراط في تناول أدوية الأعصاب يؤدي إلى مضاعفات مباشرة على التركيز، الجهاز العصبي، وحتى القدرات الإنتاجية، وهو ما قد ينعكس سلباً على أداء المسؤول في موقعه. ويزداد الأمر خطورة عندما يتعلّق بشخص لا يزال في منتصف العمر، إذ إنّ هذه المرحلة تتطلب توازناً صحياً ونفسياً لمراكمة الخبرة والإنجاز، لا التورط في عادات دوائية قد تحوّل الضغط المهني إلى أزمة وجودية. في قراءة أوسع، يرى مطلعون في الشأن الطبي أنّ الظاهرة تكشف هشاشة البنية الإدارية في المدينة، حيث يجد بعض المسؤولين أنفسهم محاطين بتوقعات ضخمة وملفات شائكة تفوق قدرتهم على التحمّل. وهنا تتحول المناصب، بدل أن تكون فرصة لخدمة عامة، إلى عبء نفسي يستنزف صاحبها. لكن تبقى الحقيقة واحدة: الصحة هي الثروة الفعلية في الحياة، فيما الكراسي والمناصب ليست سوى أوهام عابرة قد تتبخّر عند أول اختبار.