في خطوةٍ قد تُثير الدهشة والاستغراب، أبلغت الشرطة البلدية في صيدا رئيس تجمّع المؤسسات الأهلية في صيدا، ماجد حمتو، بضرورة إخلاء المكتب الذي يستخدمه التجمّع في مبنى البلدية، وذلك استنادًا إلى قرار اتّخذه رئيس البلدية الجديد، مصطفى حجازي، من دون أي اتصال أو تواصل مع تجمّع المؤسسات الأهلية السبب المُعلن للخطوة، كما يقول حجازي، هو حاجة البلدية إلى غرف إضافية لأجل عمل اللجان البلدية.في متابعةٍ للموضوع، تبيّن أن استخدام التجمّع للمكتب المذكور يستند إلى قرار مجلس بلديٍّ اتُّخذ قبل عام 2010، وبالتالي فإن نقضه يستوجب قرارًا بلديًّا جديدًا، وهذا ما لم يفعله رئيس البلدية الجديد.وما يلفت الانتباه أنّ هناك غرفًا أخرى في مبنى البلدية تستخدمها جمعيات غير موجودة أصلاً. قرار حجازي فتح جدلًا داخل المجلس البلدي حول آلية اتخاذ هذا القرار، وعدم أخذ رأي المجلس به لاتخاذ القرار المناسب. هذا السلوك من الرئيس الجديد دفع تجمّع المؤسسات الأهلية إلى القيام بجولة على الفعاليات السياسية والروحية في المدينة لطرح المشكلة، وصولًا إلى إيجاد الحلّ المناسب. كما يسعى التجمّع إلى تقديم ردٍّ قانوني على قرار حجازي الأخير. تأتي هذه الخطوة من جانب حجازي وسط خطاب “مسرحي” بلدي يتحدث عن التشاركية بين المجتمع المحلي والسلطة المحلية. ويُذكر أن تجمّع المؤسسات الأهلية كان قد ترك الخيار لجميع المؤسسات لاتخاذ الموقف الذي يناسبها خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، مع الإصرار على أهمية التعاون بين البلدية والتجمّع في المرحلة المقبلة. وإذ يتفاجأ التجمّع بخطوة رئيس البلدية الأخيرة، فإنه يؤكّد أن يده ما زالت ممدودة للتعاون مع البلدية، حسب ما أفاد أحد مصادر التجمّع. يقول أحد الناشطين: “المدخل لحلّ هذه المشكلة التي نشأت بسبب قرار رئيس البلدية هو تجميد القرار ونقاشه في المجلس البلدي، ليكون بابًا لتحديد العلاقة بين البلدية كمجلس بلديٍّ والمجتمع الأهلي والمدني، بعيدًا عن الخطابات الشعبوية، واعتماد سياسة التعاون بين مكوّنات المجتمع في المدينة.” فهل يُبادر المجلس البلدي إلى نقاش الموضوع، ووضع آلية جدية لتنظيم العلاقة بين تجمّع المؤسسات الأهلية والمجلس البلدي؟ أم تبقى المدينة أسيرة قراراتٍ فرديّة لا تستند إلى أرضيّة قانونيّة؟
لطالما حاولت تركيا المعاصرة، في خطابها السياسي والإعلامي، أن تُوهم العالم الإسلامي بأنها امتدادٌ طبيعيٌ للدولة العثمانية. لكنّ هذه الصورة، وإن بدت براقةً، تُخفي وراءها قطيعةً جوهريةً وتناقضاتٍ عميقةً بين المشروعين لم تكن الدولة العثمانية مجرد كيانٍ قوميٍ تركيٍ، بل كانت خلافةً إسلاميةً جامعةً، امتدادًا شرعيًا وتاريخيًا للخلافات الراشدة والأموية والعباسية. ضمّت تحت رايتها شعوبًا متنوّعةً من العرب والبربر والأكراد والترك والألبان والبوشناق والسودانيين والصوماليين، وغيرهم من أمم دار الإسلام، ووحّدتهم عقيدةٌ واحدةٌ ورايةٌ واحدةٌ، هي راية الإسلام. خلافةٌ عابرةٌ للقوميات في بنيتها السياسية والعسكرية، كانت الدولة العثمانية دولةً عابرةً للقوميات بامتياز. لم تكن السلطة محصورةً في يد العرق التركي، بل كان منصب “الصدر الأعظم”، وهو أعلى منصبٍ بعد السلطان، يتولاه رجالٌ من شتى الأعراق: من صربيا، واليونان، والألبان، والشام، ومصر. لم يحكم هؤلاء باسم العِرق، بل باسم الإسلام. وقد كانت الخزينة العثمانية تُملأ من أطراف العالم الإسلامي، وجيشها كان يُشكّل من أبناء جميع الأمم التي بايعت الخلافة، لا من عنصرٍ تركيٍ واحدٍ. هذا التنوع والشمولية كانا من أبرز سمات الدولة العثمانية، مما أكسبها شرعيةً واسعةً في العالم الإسلامي. قطيعةٌ مع الماضي على النقيض، تُشكّل الجمهورية التركية الحديثة، التي أعلنها مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924، قطيعةً تامةً مع الدولة العثمانية، لا من حيث الشكل فقط، بل من حيث الجوهر والمبادئ. خلق أتاتورك هذه الدولة من العدم، من بقايا شعوبٍ متناثرةٍ: من الأتراك السلاجقة في الأناضول، ومن شتات مسلمي البلقان الذين طردتهم صربيا واليونان وبلغاريا وفروا إلى الدولة العثمانية، ومن السكان الأصليين من الروم الذين أسلموا أو تتركوا في المدن الكبرى وسواحل بحر إيجة. بل حتى أتاتورك نفسه، مؤسس هذه الدولة، لم يكن من أصولٍ تركيةٍ خالصةٍ، بل يُرجَّح أنه من أصولٍ أرناؤوطيةٍ (ألبانيةٍ) أو يهوديةٍ دنميةٍ من سالونيك، ما يزيد من رمزية انقطاعه الجذري عن التاريخ العثماني والإسلامي. “تركيا الكمالية” كانت مشروعًا علمانيًا متطرّفًا، أُقيم على أنقاض الخلافة، وهدفه الأساسي محو الهوية الإسلامية واستبدالها بهويةٍ قوميةٍ تركيةٍ غربيةٍ. فاستُبدلت الشريعة الإسلامية بالقانون الفرنسي، وحُرّم الحجاب، وغُيّر الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني، ونُبذت اللغة العثمانية الغنية بالمفردات العربية والفارسية لصالح لغةٍ مصطنعةٍ، أُفرغت من مفردات التراث الإسلامي. كانت هذه الإجراءات بمثابة إعلانٍ صريحٍ عن القطيعة مع الماضي الإسلامي للدولة، وتوجهٍ حاسمٍ نحو الغرب. خلق أتاتورك هذه الدولة من العدم، من بقايا شعوبٍ متناثرةٍ: من الأتراك السلاجقة في الأناضول، ومن شتات مسلمي البلقان الذين فروّا إلى الدولة العثمانية، ومن السكان الأصليين من الروم براغماتيةٌ سياسيةٌ لا إيمانٌ مع تحوّلات القرن الحادي والعشرين، وظهور تياراتٍ قوميةٍ محافظةٍ في الداخل التركي، قامت الدولة التركية بإعادة توظيف الإرث العثماني — لا إيمانًا به، بل استغلالًا سياسيًا واقتصاديًا. فتحت عباءة السلطنة، تسعى تركيا اليوم لتحقيق مصالح توسّعيةٍ في آسيا والبلقان والعالم العربي، فتُروّج لصورةٍ عثمانيةٍ مزيفةٍ، لا تستند إلى المضمون الإسلامي الذي قامت عليه الخلافة، بل إلى تمجيد العِرق التركي وماضيه الإمبراطوري. رأينا كيف يُستدعى التاريخ العثماني في الإعلام الرسمي التركي، لا لأجل بعث الخلافة، بل لإضفاء شرعيةٍ على التوسع في ليبيا وسوريا وأذربيجان. هذا التوظيف الانتقائي للتاريخ يكشف عن براغماتيةٍ سياسيةٍ تهدف إلى تحقيق مكاسب جيوسياسية، دون الالتزام بالمبادئ التي قامت عليها الدولة العثمانية. تركيا اليوم تُسوّق نفسها كوارثةٍ للعثمانيين، بينما هي في الحقيقة دولةٌ قوميةٌ براغماتيةٌ، تستعمل الرموز الإسلامية دون أن تعود فعليًا إلى الشريعة الإسلامية. وقد تخلّت عن النموذج الكمالي المتوحّش، الذي حظر الدين تمامًا، وانتقلت إلى العلمانية الغربية الناعمة، التي لا تمنع الصلاة والصوم والحجاب كعباداتٍ، لكنها تقف موقفًا صريحًا مناهضًا لتطبيق الشريعة الإسلامية كنظام حياةٍ، كما هو الحال في إنجلترا وألمانيا وغيرها من دُول الغرب، حيث يُسمح بالدين كطقوسٍ شخصيةٍ، وتُحارَب قوانينه في الاقتصاد والسياسة والمجتمع. كثيرًا ما يُقدَّم فتح مسجد آيا صوفيا مثالًا على عودة تركيا إلى هويتها الإسلامية، لكن هذا الفتح، رغم رمزيته، لا يعني شيئًا في ميزان الحكم الإسلامي. فالإسلام عند الدولة التركية اليوم يُسمح له أن يكون دينًا روحيًا فرديًا، له مكانه في المساجد والطقوس والعمائم — لكنّه ممنوعٌ من أن يكون مشروعًا حاكمًا، أو نظامًا شاملًا يدير شؤون الحياة. الإسلام الذي يصوغ الاقتصاد، ويضبط الإعلام، ويهندس السياسة، ويقاوم التغوّل الرأسمالي — هذا الإسلام هو العدو الذي يُحارب في نظر الدولة الحديثة، لا فرق في ذلك بين تركيا وإنجلترا وألمانيا. لقد انتقلت تركيا من العلمانية الكمالية المتوحّشة، التي كانت ترى في الصلاة جريمةً، إلى العلمانية الغربية الناعمة، التي تتسامح مع العبادات ما دامت محصورةً في الزوايا، لكنها تحارب الإسلام إذا خرج ليحكم أو يدير شؤون المجتمع. لم يأت الإسلام ليكون طقوسًا داخليةً، بل أنزل ليُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جَور القوانين إلى عدل الشريعة، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَة الإسلام. وما تفعله تركيا اليوم، هو تقييد الإسلام في العبادات، وتدجين المسلمين عبر طقوسٍ رمزيةٍ، تُخدّر الوعي وتُسكّن المطالب الكبرى، بينما تبقى المنظومة الحاكمة علمانيةً خالصةً، لا تخضع في قوانينها وتشريعاتها واقتصادها لأي مرجعيةٍ قرآنيةٍ. تناقضٌ مع الخطاب العثماني في المجال العسكري والسياسي، حافظت الجمهورية التركية على انتمائها لحلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ عام 1952، وما تزال إحدى ركائزه الكبرى. فهي الدولة الثانية بعد أمريكا في حجم قواتها العسكرية داخله، والثامنة في تمويله. وشاركت طوال السبعين عامًا الماضية في عمليات الحلف، التي استهدفت العالم الإسلامي، من أفغانستان إلى العراق. بل ويُذكر أن قاعدة إنجرليك الجوية الواقعة جنوب تركيا قد استُخدمت مرارًا لانطلاق الطائرات التي قصفت بغداد وساهمت في زعزعة أمن المشرق العربي. وإن كانت تركيا قد أعلنت دعمها للقضية الفلسطينية إعلاميًا، إلا أن العلاقات الرسمية مع الكيان الصهيوني تسبق ذلك بكثيرٍ، فقد كانت تركبا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل عام 1949، ولم تتأخر في إبرام اتفاقياتٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ معها خلال تسعينيات القرن العشرين. واليوم، تُعدّ من أبرز مشتري السلاح من الكيان، بل وتُجري مناوراتٍ عسكريةٍ بحريةٍ مشتركةٍ مع الأسطولين الإسرائيلي والأمريكي. هذه العلاقات العميقة مع الغرب والكيان الصهيوني تُلقي بظلالٍ من الشك على مدى صدق الخطاب التركي الذي يدّعي استعادة أمجاد الخلافة. أتاتورك وفلسطين…حرب وخيانات تُثير سيرة مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، جدلاً واسعاً، خاصةً فيما يتعلق بدوره في جبهة فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى. فبعد أن أظهر شجاعةً لافتةً في معركة غاليبولي، حيث قاد القطاع الجنوبي وحقق انتصاراً كبيراً على الحلفاء، أُرسل أتاتورك لاحقاً إلى فلسطين كقائد لجيش يلدرم والجيش السابع العثماني، متمركزاً في نابلس. تساؤلات حول سقوط القدس: رغم سقوط القدس المدوي في يد القوات البريطانية، لم يتحرك أتاتورك لإنقاذها أو تحريرها، على الرغم من تواجده في نابلس بجيش عثماني كبير، والمسافة الفاصلة بين المدينتين لا تتجاوز 50 كيلومتراً. اللافت أن القوات البريطانية توقفت عند القدس لحوالي
بينما يستعدُّ لبنانُ لموسمٍ صيفيٍّ جديد، وسطَ التوتراتِ الإقليميةِ وتداعياتِها، مع أملهِ باستقطابِ السُّيّاحِ أو عودةِ المغتربين اللبنانيين لقضاءِ إجازاتِهم، تبرزُ تحدّياتٌ تتعلّق بالتفلّتِ الأمني في كثيرٍ من مناطقه، ومن بينها مدنُ الجنوبِ اللبنانيّ مثل مدينةِ صيدا العريقة في أقلّ من أسبوع، شهدت صيدا، ذات الموقعِ الجيوسياسيّ الحسّاس، جملةً من الحوادثِ وُصفت من قِبَلِ جهاتٍ مستقلّةٍ في المدينة بأنها تشهدُ على “الانفلاتِ الحاصلِ على مختلفِ الأصعدة وغيابِ المعالجةِ والمحاسبة”. مسلسلُ العنفِ والتفلّتِ سجّل تعرُّض أحد الصحافيين الذين يتناولون تحدّياتِ الإهمالِ والفسادِ في المدينة، ويكتبُ مقالاتٍ ذات طابعٍ استقصائيٍّ عن تردّي القطاعاتِ الصحيةِ والمجتمعيةِ فيها وتأثيرِ ذلك على السكان، لاعتداءٍ بالضربِ المُبرِح من قِبَلِ شبّانٍ وصفتهم البياناتُ الاستنكارية لاحقًا بـ”البلطجية”. وفي حيثياتِ ما بات يُعرفُ بقضية #بلطجية_شاطئ_صيدا، أنَّ المعتدين تربّصوا بالصحافي إبراهيم توتونجي، أثناء قيامِه بممارسةِ رياضتِه على الشاطئ، وانهالوا عليهِ بالضربِ والترهيب، ما سبّب له إصاباتٍ جسديةً ونفسيةً بارزة. وخلال اليوم ذاته، أدّى إطلاقُ نارٍ من أحدِ المسلحين على مواطنين يعملون في مجالِ توليدِ الكهرباءِ البديلةِ في الأحياءِ إلى إصابات، وتمّ تداولُ فيديو لهذه الواقعة، يُظهر اقتحامَ المسلّحِ لأحدِ السياراتِ وفتحَهُ أبوابَها بالقوّة، وإطلاقَ الرصاصِ على من فيها، من رشاشٍ حربيّ. وأظهرَ فيديو آخر قيامَ أحدِ الأشخاصِ بالاعتداءِ الجسديّ على سيّدةٍ في مكانٍ عامٍّ لممارسةِ رياضةِ لعبة “البادل”، وظهرت السيدةُ في الفيديو المُتداول وهي تتعرّضُ لصفعاتٍ متتاليةٍ من رجلٍ، وجَّه لها شتائمَ وإهاناتٍ، إضافةً إلى الضرب. وفي فيديو صادمٍ آخر، على مقربةٍ من الجامعِ الرئيسيّ قرب كورنيش المدينة، أظهرت الصورُ هجومًا جماعيًّا من رجالٍ على رجلٍ واحد، مستخدمين أدواتٍ مختلفةً للتعدّي، من كراسٍ وعصيٍّ وأدواتٍ حادّة. وتداول الناس تعليقاتٍ كثيرةً عن شجاعةِ الرجلِ الذي ارتدى زيًّا رسميًّا يوحي بطبيعةِ مهنتِه الخاصةِ بالشأنِ العامّ، وهو يقاومُ بشراسةٍ المعتدين. ويبقى السؤال إن كانت هذه الحادثةُ هي عبارةً عن رسالةٍ للجريدةِ التي صدرت مؤخرًا بشكلٍ مغايرٍ عمّا هو سائدٌ في إعلام المناطقِ والمدن، من أجل “تحسين وتطوير الحياةِ في المدينةِ عبر العملِ الإعلاميّ المهنيّ الحرّ والمسؤول #بلطجية_شاطئ_صيدا وأثارت تلك الأحداث، ومن بينها الحدث الذي بات يُعرف إعلاميًّا بـ**#بلطجية_شاطئ_صيدا**، ردودَ فعلٍ واسعةً تعدّت النطاقَ الجغرافيَّ للمدينةِ ولبنان، لتصلَ الأصداءُ إلى الخارج. وعلّق الرسّام زاهر البزري، ابن المدينة، وأحدُ الفنانين المعروفين عالميًّا والحائزُ على عدّةِ جوائزَ عن لوحاتٍ جسّدت التراثَ الحضاريَّ لصيدا، في بيانٍ صدرَ باسم “الشارع الثقافي”، وهي الجمعية التي أسّسها ويديرها:“إنّ ما نشهده من مخالفاتٍ وفوضى في المدينة ليس إلا انعكاسًا لحالةِ الانحدارِ الأخلاقيِّ والسلوكيِّ، التي لا تمثّل القيمَ الحقيقيةَ لأُسَرِ مدينةِ صيدا، ولا تعكسُ صورةَ التربيةِ الأصيلةِ التي نشأت عليها العائلاتُ الصيداوية.” من جهتها، أشار تجمُّع “مهندسون من صيدا والجوار” إلى الأعطالِ التي تواجهُ آلياتِ التبليغِ عن الاعتداء، مستشهدًا بحادثةِ التعدّي على الصحافي توتونجي، بكونِه حاولَ طلبَ النجدةِ من رقمِ الطوارئ 112 أكثرَ من مرةٍ دون أيّ ردّ.وتساءل البيان:“هل أصبحت صيدا محكومةً بشريعةِ الغاب؟ وهل بات العنفُ والسلاحُ والاعتداءُ العلنيُّ جزءًا من الحياةِ اليوميةِ في المدينة؟” وأضاف “المهندسون”: “أين القوى الأمنية؟ أين شرطةُ البلدية؟ ومن يحمي ويُحاسب؟” في السياق ذاته، برز ربطٌ بين أثرِ هذه الأحداثِ المتكرّرة على الدورةِ الاقتصاديةِ للمدينة، التي تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على الزياراتِ الداخليةِ والخارجيةِ لإرثِها وآثارِها ومرافقِها السياحية، وأشار بيانٌ صدر عن “المركز الوطني للعيون”، وهو مؤسّسةٌ غير تجاريةٍ تساعد على معالجةِ فاقدي البصر، وتتخذُ من المدينة مركزًا لها، إلى إساءةِ هذه الأحداثِ للحركةِ التجاريةِ في المدينة، الأمرُ الذي يزيدُ من قسوةِ الأزمةِ الاقتصاديةِ الخانقةِ التي تمرُّ بها، كما كاملُ لبنان.وذكر بيانُ المركز أنَّ الصحافي الذي تعرّضَ للضرب هو أحدُ الشخصياتِ “المعروف عنه حبُّه وتعلُّقه بمدينتِه وإثارتُه لقضاياها التنمويةِ والبيئيةِ عبر مقالاتِه وإطلالاتِه الإعلاميةِ المحليةِ والعربية”. وتساءل الصحافيُّ الاستقصائيُّ وفيق هواري، الذي ينتمي للمدينةِ ويكشفُ قضايا المخالفاتِ والفسادِ فيها، في خبرِه عن حادثةِ الاعتداء على زميلِه توتونجي، والذي نُشرَ في موقع جريدة “البوست” Al-Post بعنوان: “صيدا لم تعد آمنةً لأهلها”، إن كانت هذه الحادثةُ هي عبارةً عن رسالةٍ للجريدةِ التي صدرت مؤخرًا بشكلٍ مغايرٍ عمّا هو سائدٌ في إعلام المناطقِ والمدن، من أجل “تحسين وتطوير الحياةِ في المدينةِ عبر العملِ الإعلاميّ المهنيّ الحرّ والمسؤول”، أم أنها “حادثةٌ فرديةٌ تُظهر هشاشةَ الوضعِ الأمنيِّ والإنسانيِّ في مدينةٍ تحاول نفضَ الغبارِ عن تراكماتِ الرجعيةِ والغبنِ واللامبالاة التي أوصلت مستوى الحياة فيها إلى ما وصلت إليه اليوم؟” الاعلام المسؤول وقال الصحافيُّ إبراهيم توتونجي، الذي تعرّضَ لحادثةِ الاعتداء، في منشورٍ على صفحتِه على “فيسبوك”:“شعرتُ بألمٍ كبيرٍ على المستويين الشخصيّ والمهنيّ، إذ تعرّضتُ في مدينتي إلى اعتداءاتٍ متتاليةٍ على مرأى من جموع الناس، ثمّ على مرأى من عناصرِ شرطةِ البلدية، من دون أن يتدخل أحدٌ لنجدتي”.وأضاف: “لطالما دافعتُ عن حقوقِ الناس بالسلامةِ الجسديةِ والنفسيةِ في الأماكنِ العامة، وكتبتُ الكثيرَ عن ذلك، لأجدَ نفسي اليومَ ضحيةَ ممارساتِ البلطجة، وجهًا لوجه”.وأكّد على مُضيّه في اتخاذِ كافةِ المسالكِ القانونيةِ والحقوقيةِ للوصولِ إلى العدالةِ ومعاقبةِ المعتدين. وكَرِسالةٍ منه بالتمسكِ بحريةِ التعبيرِ عن الآراءِ والأفكار، وكذلك نمطِ الحياة، أعاد توتونجي بعد الحادثة نشر مقتطفاتٍ من مقالاتِه التي نشرتها “البوست” خلال شهر يونيو، كتأكيدٍ على عدمِ تراجعه، رغمَ الترهيب، عن القيامِ بدورِه المهني. ويرِد في مقالةٍ تحمل اسم “كاوبوي على سُلّمِ المستوصف”:“تمسكُ المستوصفاتُ الناسَ من أياديها وأعناقها وكراماتِها، لأنّ البديلَ بالطبع: عياداتٌ خاصّة، للأطبّاء ذاتهم، يُدفَع لقاء التحدّثِ معهم لدقائق، بدلًا يبدأ من خمسين دولارًا، في بلدٍ لا يتنطّح الحدّ الأدنى للأجور فيه فوق 350 دولارًا.” وفي مقالةٍ أخرى حملت اسم “قرقعة على رأس الهلالية”، يسلّط توتونجي الضوء على مساراتِ السياسةِ المدمّرةِ في صيدا مثل: السيطرة على أراضي أهل المدينة عبر التلاعبِ بسلطات المجلس البلدي، التواطؤ بين الإقطاعيين السياسيين وأصحاب الأعمال، تسويق مشاريعَ إلى حكومات الدولِ المانحة والصناديقِ الداعمة بهدف الحفاظِ على الإرث الحضاري للمدينة التي تُعدّ من أقدمِ مدن البشرية الحية، نهب الجزء الأكبر من أموال المانحين باستخدام النفوذ السياسي وألاعيب الكذب والفساد، انتهاك الأمان الصحي والنفسي لسكان المدينة وقتل روح المحاججة والمحاسبة عبر إغراقها حرفيًّا بالنفايات. ويرِد في المقالة:“حين يخرج صيداوي من بيته صباح أحد الأيام، ولا يعود إلّا جثةً لحضن أهله: إما لأنّ مشافي المدينة تعجُّ بالفيروساتِ المتغلغلةِ في أجهزة التنفّس، والتي تنخر أيضًا “مهارات” الطاقم التمريضي، قليلِ الخبرة والتعاطف، بينما يتنعم أصحابها بالثرواتِ تُضَخُّ لحساباتهم “الفريش” ليلَ نهار، من دون أدنى تأكّدٍ من مواءمةِ منشآتهم للاحتياجات الصحية والإنسانية، أو بالموتِ على الطرقات لأنّ قوانينَ البلديةِ ووظائفَها المتعلقةَ بالإنارة العامة، وحفرِ الطرقات، وأدبياتِ طرق المشاة، والفتحاتِ غير القانونية بين الشوارع، ومافيا بيعِ الموتوسيكلات ونشرِها وتطبيعِ حماقاتِها… هي قوانينُ تنام في سرير الأدراج العتيقة. أو لأنّ نسائمَ الصيفِ محمّلةٌ بكلِّ أنواعِ الروائحِ الغريبة، رَوائحُ نجحت في العيشِ والتمدُّد في الأثيرِ الصيداوي، منها فُوحُ جبلِ النفاياتِ