تحيّةُ إكبارٍ إلى الصحافيِّ الفلسطينيِّ حسان مسعود، ابنِ مدينةِ صيدا الذي ولد وترعرع فيها، والذي أُوقف من قِبَلِ بحريّةِ جيشِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ لتواجُدِه على متنِ السفينةِ “شيرين” ضمنَ أسطولِ الصمودِ لكسرِ الحصارِ عن غزّة. هذا الشابُّ الطموحُ المفعمُ بالحيويّةِ والعطاء، والذي تدرّجَ في سُلَّمِ “مهنةِ المتاعب” من “إذاعةِ الإسراء” في صيدا إلى كبرياتِ الفضائيّاتِ العالميّة، حاملًا فلسطينَ في قلبِه ووِجدانِه، قرّر ألّا يكتفي بعباراتِ الإدانةِ والاستنكار، ليُقدِمَ على ما يستطيعُ إليه سبيلًا من أجلِ فلسطينَ وجرحِها النازفِ في غزّةَ والضفّةِ وسائرِ بقاعِ الأرض. قد تكون حاملا اليوم للجنسية البرازيلية…لكن صيدا تُحيّيك وتكبرُ فيك… وبأمثالِك. أسطول الصمود العالمي: الاحتلال الإسرائيلي اعترض سفن القافلة السلمية بالمياه الدولية واختطف مئات المتطوعين. أكثر من 443 متطوعا من 47 دولة محتجزون بشكل غير قانوني بعد اعتراض إسرائيل للأسطول. المشاركون تعرضوا للهجوم بمدافع المياه ورشهم بمياه عادمة والتشويش على اتصالاتهم. اعتراض قافلة الصمود في المياه الدولية جريمة حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي. نطالب بالتدخل الدولي الفوري وضمان سلامة المتطوعين في الأسطول وإطلاق سراحهم فورا.
في تطوّر مفاجئ قد يعيد تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، كشفت صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية عن مخطّط دولي طموح لإدارة قطاع غزة، يضع توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في موقع المسؤول الأوّل عن هذا الملف الشائك. “السلطة الانتقالية الدولية” وفقاً للتقرير المثير للجدل، يتضمن المخطّط تشكيل هيئة تحمل اسم “السلطة الانتقالية الدولية في غزة”، على أن يترأسها بلير لمدّة خمس سنوات كاملة. هذه الهيئة، التي يُفترض أن تحصل على تفويض رسمي من الأمم المتحدة، ستعمل جنباً إلى جنب مع قوّة متعددة الجنسيات لضمان تنفيذ مهامها على الأرض. أما التمويل، فبحسب التقرير، ستتكفّل به دول الخليج العربية، في خطوة تهدف إلى تسليم إدارة القطاع تدريجياً إلى السلطة الفلسطينية، بمباركة من عدد من الزعماء العرب. ويضيف التقرير بعداً آخر من خلال الإشارة إلى مشاركة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في هذا المخطّط، ما يثير تساؤلات حول الأبعاد الجيوسياسية للمشروع وعلاقته بالسياسات الأمريكية في المنطقة. سياسي بتاريخ حافل يُعدّ أنطوني تشارلز لينتون “توني” بلير، المولود عام 1953، من أبرز الشخصيات السياسية البريطانية في العقود الأخيرة. تولّى رئاسة الوزراء بين عامي 1997 و2007، وقاد حزب العمال إلى ثلاثة انتصارات انتخابية متتالية. تميّزت فترة حكمه بعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، إذ طوّر شراكة استراتيجية مع الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش الابن، قادته إلى قرارات مصيرية غيّرت وجه المنطقة والعالم: المشاركة في غزو أفغانستان (2001) بعد أحداث 11 سبتمبر.دعم ومشاركة القوات البريطانية في غزو العراق (2003)، وهو القرار الأكثر إثارة للجدل في مسيرته السياسية. القرار الأخير استند إلى مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ثبت لاحقاً عدم صحتها، ما عرّض بلير لانتقادات شديدة وتحقيقات برلمانية مطوّلة لا تزال تلاحقه. من داوننغ ستريت إلى الخليج العربي بعد استقالته عام 2007، انتقل بلير إلى عالم الاستشارات السياسية والاقتصادية، وبنى شبكة علاقات واسعة، خاصة مع حكومات الخليج. تطوّرت علاقته مع الإمارات إلى شراكة استراتيجية عميقة، حيث عمل مستشاراً شخصياً لمحمد بن زايد آل نهيان في ملفات أمنية وسياسية حساسة. ومن أبرز المشاريع المثيرة للجدل التي ارتبط اسمه بها ما يُعرف بـ**”البيت الإبراهيمي”**، وهي مبادرة تُقدَّم كمسعى للحوار بين الأديان، لكن مراقبين اعتبروها غطاءً سياسياً لمشروع التطبيع العربي–الإسرائيلي. دور خفي في إعادة تشكيل المنطقة ينسب كثير من المحللين إلى بلير دوراً محورياً في الدفع نحو موجة التطبيع بين دول عربية وإسرائيل. مكتبه الاستشاري، المموَّل إماراتياً، يُنظر إليه كأحد العقول المدبّرة للسياسات الإقليمية في أبوظبي، بما في ذلك: وضع استراتيجيات لمواجهة الحركات الإسلامية.الترويج لشخصيات سياسية فلسطينية بديلة.تصميم سياسات اقتصادية وأمنية إقليمية.في هذا السياق، لعب بلير دوراً بارزاً في الترويج لمحمد دحلان، القيادي الفلسطيني المقرّب من الإمارات، كخليفة محتمل لمحمود عباس، ما يكشف عمق تدخّله في الشأن الفلسطيني الداخلي. بول بريمر غزة المقارنة بين الدور المحتمل لبلير في غزة ودور بول بريمر في العراق عام 2003 ليست اعتباطية. بريمر، الذي تولّى منصب الحاكم المدني للعراق تحت الاحتلال الأمريكي، أصدر قرارات كارثية مثل حلّ الجيش العراقي وحزب البعث، غيّرت وجه العراق إلى الأبد. التشبيه يثير تساؤلات حول: طبيعة السلطات التي قد تُمنح لبلير. مدى استقلالية “السلطة الانتقالية”. الأثر البعيد على مستقبل القضية الفلسطينية. ردود فعل متباينة المخطّط يثير انقساماً حاداً، المؤيدون يرون فيه فرصة لإعادة إعمار غزة وتحقيق استقرار طويل المدى عبر آلية لتسليم السلطة تدريجياً للفلسطينيين.المعارضون يحذرون من تكرار مأساة العراق، وتهميش الإرادة الفلسطينية، وتحويل غزة إلى “محمية دولية” تحت السيطرة الخارجية. من يراقب المشروع بتفاصيله، يجد أن الخيط الناظم له لا ينفصل عن مسار التطبيع العربي–الإسرائيلي. بلير، الذي نسج علاقاته في المنطقة عبر البوابة الإماراتية، ليس مجرد “وسيط دولي”، بل أحد أبرز مهندسي هذا المسار، حيث يجري تقديم غزة كـ”ملف اختبار” لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يتوافق مع خريطة التطبيع الجديدة. سؤال معلّق مع تزايد التسريبات، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لرجل شارك في تدمير العراق أن يكون جزءاً من حلّ أزمة غزة؟ الإجابة ستتوقف على المواقف الفلسطينية أولاً، وعلى طبيعة الصفقة الدولية ثانياً. لكن المؤكد أن اسم توني بلير، كما في كل محطة من تاريخه، سيظل مثقلاً بالجدل، وأقرب إلى صورة “الشيطان” الذي لا يكمن في التفاصيل، بل في كامل المشهد.
بينَ مُتداوِلٍ يابانيٍّ وحاكمِ مصرفٍ لبنانيّ: معادلاتٌ تصنعُ الثروة… أو الانهيار. في الاقتصادِ كما في الفيزياء، الأرقامُ لا تكذب. لكنّها أحيانًا تروي قصّتَين متناقضتَين تمامًا: قصّةُ نجاحٍ فرديٍّ مبنيٍّ على الانضباط، وقصّةُ انهيارٍ وطنيٍّ مبنيٍّ على سياساتٍ قصيرةِ النظر لمثالان اليابانيّ واللبنانيّ يكشفان هذه الهوّة بشكلٍ صارخ: شابٌّ بدأ من غرفةِ نومه في طوكيو برأسمالٍ متواضع، وحاكمُ مصرفٍ مركزيّ جلسَ في مكتبٍ يُطلّ على البحر لعقود. النتيجة؟ الأوّل صنع ثروةً شخصيّة تجاوزت 153 مليون دولار، والثاني تركَ اقتصادًا يترنّح بخسائرَ تفوق 70 مليار دولار. صبرٌ في غرفةِ النوم في أواخرِ التسعينيّات، بدأ تاكاشي كوتيغاوا، المعروف بلقب BNF، التداولَ بمبلغٍ لم يتجاوز 13,600 دولار. لم يرثْ ثروةً، ولم يدخلْ إلى السوق بخطّةٍ سريّة. ما امتلكه كان مزيجًا من الانضباط والجرأة. اعتمد على التداولِ اليوميّ في الأسهم عالية السيولة، مع إدارةٍ صارمةٍ للمخاطر. ذروةُ نجاحه جاءت عام 2005 في صفقة J-Com الشهيرة: خطأ إداريّ من بنك ميزوهو أدّى إلى عرض 610,000 سهمٍ بسعر ينٍّ واحدٍ للسهم. في ساعاتٍ قليلة، حوّل كوتيغاوا هذا الخطأ إلى ربحٍ قَدْرُه 17 مليون دولار. لكن ما يميّز قصّتَه أنّ الأرباح لم تكن وليدة صفقةٍ واحدة، بل ثمرةً تراكميّة لثمانيةِ أعوامٍ من الانضباط. تدريجيًّا، تضاعف رأسمالُه حتى بلغ نحو 153 مليون دولار، ليُصبح من أبرز المتداولين الأفراد في اليابان. مدينة تستحق أن تكون مركزًا معرفيًا متطورًا.. تحوّلت إلى حي فقير رقميًا هندساتٌ ماليّة في غرفةِ الأزمات رياض سلامة، حاكمُ مصرف لبنان منذ عام 1993 حتى 2023، كان وجهًا آخر للقصة. بدأ ولايتَه في بلدٍ يصفه الاقتصاديّون آنذاك بـ”سويسرا الشرق”، باحتياطاتٍ وقطاعٍ مصرفيّ قويّ. لكنّه على مدى العقود التالية ابتكر سياسة “الهندسات الماليّة” التي اعتمدت على اجتذاب الودائع بالدولار بفوائد مرتفعة، لتمويلِ العجزِ الماليّ المتزايد. النتيجةُ كانت أشبهَ بهرمٍ ماليّ ضخم: استدامة قصيرة الأجل، وانهيار حتميّ على المدى الطويل. بحلول 2019، ومع انسداد تدفّق الرساميل وتراجع الثقة، انهار النموذجُ بكامله. الرياضيات بلا مشاعر الليرة اللبنانيّة فقدت 98% من قيمتها. الناتجُ المحليّ تقلّص من 55 مليار دولار عام 2018 إلى نحو 20 مليارًا فقط. نسبةُ الفقر ارتفعت إلى ما يفوق 80% من السكّان. احتياطاتُ مصرف لبنان تبخّرت من أكثر من 40 مليار دولار إلى أقلّ من 10 مليارات. الياباني: +153 مليون دولار في 8 أعوام. اللبناني: –70 مليار دولار ودائع في أقلّ من عقد. الياباني: بنى ثروةً في غرفةِ نومه، تحت ضوء شاشة الكمبيوتر. اللبناني: فكّك اقتصادَ بلدٍ من مكتبٍ رسميّ، وتحت غطاء “السياسات العامّة”. المفارقة التاريخيّة ما بين قصّتَي كوتيغاوا وسلامة، يظهر بوضوح أنّ النجاحَ الاقتصاديّ لا يحتاج بالضرورة إلى مؤسّساتٍ عملاقة، بل إلى قواعد بسيطة: الانضباط، الشفافيّة، والمخاطرة المحسوبة. على النقيض، السياساتُ التي تغيب عنها الشفافيّة وتفتقد الرؤية طويلة المدى قادرة على تقويض مؤسّساتٍ ودُوَل. المفارقةُ الأشدّ سخريةً، أنّ كوتيغاوا خرج من غرفة نومه إلى الحرّيّة الماليّة، بينما خرج رياض سلامة مؤخرًا من السجن بكفالةٍ ماليّة. الأولى تُدرَّس في كتب الاستثمار، والثانية تُسجَّل في أرشيف الأزمات الماليّة الكبرى في القرن الحادي والعشرين. السؤالُ الذي يفرض نفسه: لو كان لدى لبنان "BNF" واحد بعقليّةٍ منضبطةٍ في مصرفه المركزيّ، هل كنّا اليوم نتحدّث عن قصّة نهوضٍ اقتصاديّ بدلاً من انهيارٍ تاريخيّ؟