مرّةً جديدة، الحرائقُ تلتهمُ النفاياتِ المُلقاةِ في الأرضِ المردومةِ بجانبِ جبلِ النفاياتِ قربَ حديقةِ السعودي، وكأنّ الموضوعَ باتَ حلقةً من سلسلةٍ تتكرّر، حتى إنّ الإطفائيّةَ لم تتحرّكْ بسرعةٍ على الرغمِ من تبليغِها بالحدث. أمّا الفاعلُ، فيبقى “شبحًا”، وإنْ كانَ يسكنُ المحلّة، ويعرفه كثيرون. والسؤال لماذا السكوت والخنوع؟ أليس في المدينة من هو قادر على تلقين المعتدين على أرواح العجزة والأطفال درسا في المسؤولية والإنسانية؟
بعد مرور شهر على الانتخابات البلدية الأخيرة، تمّ انتخاب رئيس بلدية صيدا، مصطفى حجازي، رئيسًا لاتحاد بلديات صيدا–الزهراني، ورئيس بلدية مغدوشة، رئيف يونان، نائبًا له، وذلك في اجتماعٍ عُقد اليوم في سراي صيدا الحكومي بإشراف محافظ الجنوب منصور ضو. وقد نشرت بعض وسائل الإعلام خبر نتائج الانتخاب، مشيرةً إلى أنّ ما جرى من “توافق” خلال الانتخابات كان ثمرةً للجهد الكبير الذي بذله رجل الأعمال مرعي أبو مرعي، الذي عمل على تذليل العقبات التي وقفت في وجه هذا “التوافق” المهم، والذي أُعلن عنه قبل يومين في دارة أبو مرعي، بحضور رئيسة مؤسسة الحريري للتنمية المستدامة، بهيّة الحريري، ومنسّق حزب القوات اللبنانية في صيدا–الزهراني، عماد روكز، الذي بادر إلى سحب مرشّح “القوات” لمنصب نائب رئيس الاتحاد. قد يظنّ المرء أنّ “التوافق” حصل بين رؤساء البلديات بعد تباينٍ في أساليب مراقبة جمع النفايات ونقلها من بلدات الاتحاد. وقد يظنّ آخر أنّ “التوافق” جاء بعد الاتفاق على آليّة معالجة مشكلة معمل معالجة النفايات المتوقّف عن العمل منذ أعوام، بينما لا يزال اتحاد البلديات يوقّع فواتيره عن “معالجة” نفايات لا تُعالَج أصلاً، أي إنّ الاتحاد يُغطّي سياسة نهب المال العام. وقد يظنّ البعض أنّ “التوافق” توصل إليه المجتمعون لتشغيل محطة تجميع المياه المبتذلة كبديلٍ عن رميها في البحر، الذي بات مياهه ملوّثة، أو أنّهم توافقوا على خطةٍ لتأمين المياه لبلدات الاتحاد التي تشهد انقطاعًا منذ نحو شهر. لكن المؤكّد أنّهم توافقوا على الحصص والمواقع السياسية: فرئيس الاتحاد محسوبٌ على تيّار “المستقبل”، ونائبه محسوبٌ على الرئيس نبيه برّي، أما “القوات اللبنانية” فقد اكتفت بلعب دورٍ سيتزايد يومًا بعد يوم. والأكّيد أنّ الغائب عن كل ذلك هو مصلحة المواطنين المقيمين في مدينة صيدا وبلدات الاتحاد. وعندما يُذكَر “الاتحاد”، فإنّ الحديث يدور عن ستّ عشرة بلدية، أكبرها ذات أكثرية سنيّة بحسب السجلات الرسمية، وثلاث بلديات ذات أكثرية شيعية، واثنتين وعشرين بلدية ذات أكثرية مسيحية. لكن ما يغيب عن البال هو أنّهم جميعًا لبنانيون، لهم نفس الحقوق التي ينتهكها أصحاب “التوافق” المعلَن. فـ”التوافق” الحقيقي يكون على خطّة عملٍ تنموية، لا على محاصصة بين قوى مسؤولة عمّا آلت إليه أوضاع صيدا وبلدات الاتحاد.
باتت “سيروب”، التي يرقد فيها أمواتُ عائلات صيدا، إحدى المناطق الأكثر اكتظاظًا بالحياة وصراعاتها. مظهرُها يعكسُ صورةً مُصغّرةً عن تنوّع الوطن، أي عن لعنة الوطن التي لم ينجح في تحويلها إلى مكسب: أهل لبنان وفلسطين، دين الإسلام والمسيحية، طوائف السنّة والشيعة والموارنة، أحزاب “التنظيم” و”المستقبل” و”حزب الله”، زواريب “منير المقدح” وأقاربه