الأكيدُ أنَّ في صيدا مَن هو أغنى من مرعي أبو مرعي. والأكيد أنَّ فيها حُكماً مَن هو بمثل ثروته، وأقلّ ثراءً منه طبعاً. بعيداً عن كلِّ خيارات الرجل وحُرِّيَّته المطلقة التي يمارسها في السياسة والمال والأعمال والمجتمع والعلاقات، فإنَّ الخطوة التي اتَّخذها منذ أيّام، بمبادرةٍ شخصيّة، جديرةٌ بالتوقّف عندها والتفكّر في حيثيّاتها.
أكتب هذا النص بصفتي مواطناً لبنانياً مقيماً في مدينة صيدا، ومتابعاً من موقعي المهني للشأن العام فيها.جلُّ ما يهمّني أن تستقيمَ المؤسّسات فيها، وأن تقوم بالمهامّ المنوطة بها، لما فيه مصلحة المدينة والمقيمين فيها. أمس فوجئتُ بالدعوى القضائية التي تقدّمت بها بلدية صيدا ضدّ أحد المواقع، بحجّة نشره مقالاً يُثير النعرات الطائفية وفق ما قرأت. لكنّي، وبعد قراءة النص، وجدتُ أنّ الخطوة متسرّعة، وقد تكون “دعسة ناقصة” بادر إليها رئيس البلدية. وأنا كمواطن لبناني، لي الحق أن أسأل: ما هو رأي اللجنة القانونية في المجلس البلدي؟ وهل قرّر المجلس البلدي تقديم الدعوى القضائية؟لقد كان الرد سريعاً من نقيب المحررين بأنّ طلب تقديم الدعوى يجب أن يكون أمام محكمة المطبوعات، وبانتظار الأحكام التي ستأتي لاحقاً. ألم يكن من الأفضل للمجلس البلدي أن يهتمّ بمتابعة الملفات الكثيرة المطروحة على طاولته، والاهتمام بقضايا المدينة وأهلها، ومتابعة القضايا الأكثر أهمية لحياة المواطنين؟ أليس حلّ مشكلة نهب المال العام في ملفّ معالجة النفايات أكثر أهمية من مقال نقدي في موقع صحافي؟أليس العمل لإيجاد حلّ لمياه الشرب أهمّ من ذلك؟ أليست إعادة تنظيم المدينة وأسواقها وشوارعها أهمّ من ذلك؟ وهذه نماذج من ملفات عديدة. أليس عقد اجتماعات للمجلس البلدي واتخاذ قرارات في مواضيع كثيرة أهمّ من دعوى تحمل أكثر من مضمون ومنحى؟ إنّ هذا السلوك في متابعة ملفات المدينة سيفتح الباب أمام تقارير وتحقيقات صحفية عديدة، لذلك من الأفضل متابعة الملفات، بديلاً من الدخول في دعوى لا تُسمن ولا تُغني من جوع. إنّ أقصر الطرق لمنع انتشار تقارير صحفية متنوّعة، هو أن يقوم المجلس البلدي بواجباته، ويتحوّل إلى مؤسسة فعلية لها سلطة القرار، ويمارس رئيسه السلطة التنفيذية المنوطة به. إنها نصيحة من مواطن لبناني، لمؤسسة يُنظر إليها بصفتها المسؤولة عن الخدمات المقدَّمة للمقيمين في نطاقها الجغرافي، وليست مؤسسة تقتصر مهامّها على المباركات والتهاني.
القَصيفي في تصريحٍ عنيف: لَنْ نَقْبَلَ تَجاوُزَ قانونِ المَطْبوعاتِ واسْتِخْدامَ سَيْفِ قانونِ العُقوباتِ لإرْعابِ الصَّحافِيِّين حذَّرَ نقيبُ مُحرِّري الصَّحافةِ اللُّبنانيَّة جوزف القَصيفي كُلَّ مَنْ يُريدُ مُقاضاةَ أيِّ صَحافيٍّ أو إعلاميٍّ لِمُخالَفَةِ نَشْرٍ مِن مُخالَفَةِ القانون، خُصوصًا قانونَ المَطْبوعات، ولا سيَّما المادَّة ٢٨ منه الَّتي تُعطي صَلاحيَّةً مُطْلَقَةً لِمَحكمةِ المَطْبوعات للنَّظَر في جَميعِ القَضايا المُتعلِّقَة بالمَطْبوعات. وقد جاء فيها ما حَرْفِيَّتُه:“تنظر محكمةُ الاسْتِئنافِ بالدرجةِ الأولى في جميعِ القَضايا المُتعلِّقَة بالمَطْبوعات وتُخضَعُ أحكامُها للمراجعة أمام محكمةِ التمييز بِصِفَتِها مَرْجعًا اسْتِئنافيًّا.” وبالتالي، لا تَجوزُ مُلاحَقَةُ الصَّحافيِّ في قَضيَّةِ نَشْرٍ وإخضاعُه لِقانونِ العُقوبات. فاللُّجوءُ إلى قانونِ العُقوباتِ يَهْدِفُ إلى إلحاقِ الأذى العَمْديِّ بالأسْرَةِ الصَّحافِيَّة والإعلاميَّة، ومُحاوَلَةِ زَجِّ أفرادِها في السُّجون أو توقيفِهِم احتياطيًّا بِغَرَضِ إذلالِهِم وإرعابِهِم. عَلْمًا أنَّ قانونَ المَطْبوعات ألغى صراحةً التَّوقيفَ الاحْتياطيَّ في جميعِ قَضايا المَطْبوعات. مِن هنا نُحذِّرُ مِن اللُّجوءِ إلى هذا الأسلوبِ الخَطير الَّذي سَيَلْقى منَّا الرَّدَّ المُناسِب، أيًّا تَكُنْ تَكْلِفَتُه. إنَّ الصَّحافةَ لَيْسَتْ ضدَّ القَضاء، وهي تَحْتَرِمُه، وتَرْفُضُ كُلَّ المُحاوَلاتِ الَّتي تَضَعُه وتَضَعُها في مُواجَهَةٍ بَعْضُهُما مع بَعْض. وفي الوَقْتِ نَفْسِه نُهَيبُ بالزَّميلاتِ والزُّملاءِ التَّكاتُفِ والتَّضامُنِ مَعًا، أنَّى تَكُنْ انْتِماءاتُهُم، ولْيَعلَموا أنَّ أيَّ إجراءٍ يُطاوِلُ أحَدَهُم سَيُطاوِلُ الآخَرين في مَرحلةٍ لاحِقة. كَذلك نَدْعو هَؤلاءِ إلى تَقديرِ الوَضْعِ البالِغِ الدِّقَّةِ والحَساسيَّةِ الَّذي يَمُرُّ فيه لُبنان، وأن يَتَحَلَّوا بِقَدْرٍ عالٍ مِن المَسؤوليَّةِ والوَعْيِ وهُم يُؤدُّونَ مَهامَّهُم، لأنَّهُم قَبْلَ أيِّ شيءٍ مُواطِنون أوفياءُ لِوَطَنِهِم، ولا يُريدونَ له إلّا الخَيْرَ والاستِقْرار. أخيرًا، نَتَمَنّى على بَلَدِيَّةِ صَيدا الَّتي ادَّعَت على الزَّميل نادِر صَبّاغ بِمُوجبِ قانونِ العُقوبات، العَوْدَةَ إلى قانونِ المَطْبوعات وأحكامِه إذا قَرَّرَتِ المُضيَّ في ادِّعائِها، وعَدَمَ اللُّجوءِ إلى أصولِ المُحاكَماتِ الجَزائيَّةِ اسْتِنادًا إلى قانونِ العُقوبات وطَلَبِ تَوقيفِه.