من المفترض أن تحتضن إحدى قاعات بلدية صيدا فعالية جامعة عن غزة. حدثٌ يفترض أنه يوحّد لا يفرّق، ويجمع ولا يشتّت، إذ كيف يختلف الناس على دماء الأطفال المهدورة تحت الركام؟ لكن في صيدا، يبدو أن الشعارات (اللوغوهات) صارت عند البعض أهم من القضية نفسها. فقد انشغل الرعاة المفترضون للحدث، لا بمضمون اللقاء ولا برسالته، بل بمقاسات شعاراتهم على المطبوعات. شعارك أكبر من شعاري. خلاف وصل حدْ تدخل رئيس البلدية شخصيا بالموضوع، وأدى إلي انسحاب بعض الرعاة بعد أن كانوا قد دفعوا المال، وكأن القضية مجرد لوحة إعلانية على جدار البلدية. المفارقة الأشد مرارة أن القوى السياسية الأساسية في المدينة أعلنت عدم مشاركتها بالحدث، لا اعتراضاً على العدوان ولا تضامناً مع غزة، بل لأن الرعاية الأساسية تعود إلى مجموعة “استجدت” على المشهد المحلي، وباتت تشكّل معضلة في التعاطي مع ظاهرتها. هكذا، تتحول الفعالية من منصة لدعم فلسطين ومواجهة إسرائيل إلى ساحة مصغّرة لحروب الكيديات المحلية التافهة. غزة تذبح… فيما البعض في صيدا يقيس الشعارات بالمسطرة.
“السؤالُ الكبير” الذي طُرِحَ في السالفِ من الأيّام حولَ تفسيرِ عودةِ بهاء الحريري إلى لعبِ دورٍ سياسيٍّ في لبنان، وتداعياتِ ذلك على “خصوصية” صيدا، لاسيّما في موضوعِ الانتخاباتِ النيابيّة المقبلة، يبدو أنّه لم يتعدَّ، كعادةِ الرجل، كونه “فورةً في فنجان”. فقد أكّدت مصادرُ سياسيّةٌ مُطَّلِعةٌ في المدينة أنّ بهاء، بعد زياراتِه “الإشكاليّة” الأخيرة إلى صيدا، لم يكن سعيداً بما وجد، ولم تكن حصيلةُ هذه الحركةِ بحسب توقّعات الحدِّ الأدنى. وأشار العارفون إلى أنّ بهاء أبدى انزعاجاً من “طريقةِ الشُّغل” التي جرت في الانتخابات البلديّة الأخيرة، وأنّه ينوي ألا يكررها. فبحسب هؤلاء، لم يكن الحريري سعيداً أبداً بفكرةِ دفعِه مبلغ 100 ألف دولار أميركي لدعمِ لائحةِ حجازي خلال المعركة البلديّة، في حين أنّ المبلغَ الذي وصلَ إلى الماكينة لم يكن إلا 90 ألفاً فقط لا غير، بحيث “طار” عشرةُ آلافٍ على الطريق (علماً أنّه لم يكن طويلاً)، وانقسمَ على شكل “خمستين” لتحطَّ في جيوبِ شخصين معروفين صيداويّاً. ومع ذلك يبقى السؤالُ يتردد: هل يُعيدُها بهاء دعماً لمرشّحينَ محتملينَ في المعركةِ النيابيّة المقبلة؟ هذا إنْ حصلتْ في موعدِها…
ظاهرةٌ “شاذّة” جديدة تُضافُ إلى ظواهرَ كثيرةٍ مِثلَها تُعاني منها مدينةُ صيدا على أكثرَ من صعيدٍ، وباتت مُكرَّسةً بحُكمِ قوّةِ الأمرِ الواقع، دونَ حسيبٍ ولا رقيبٍ. المكان: الكورنيش البحري الجديد في صيدا، مقابل مدرسة “المقاصد”. إنّه الشارعُ الفرعيّ العريضُ الموازي لأوتوستراد الجنوب الداخليّ، الذي حوَّله عددٌ من أصحاب المقاهي المخالفين أصلاً بطاولاتهم وكراسيهم وخيمهم، إلى موقفٍ خاصٍّ لروّادِهم دون أحد سواهم. فقد شكا عددٌ من أهالي المدينة من منعِ أصحابِ هذه البسطات غيرِ القانونيّة السيّارات من الرَّكن في هذا الشارع، إن لم يكن أصحابُها يريدون الجلوس أو الشراء من البسطات هناك. كما شكا الأهالي لـ”البوست” من تحوُّل المنطقة إلى مرآبٍ كبيرٍ للشاحنات، التي يتعامل سائقوها مع المكان والشارع باعتبارِه بيتَهم الثاني، في الليل والنهار…. من الطبيعيّ أن تتزايد هكذا ظواهرُ مع شعور المواطنين بتراخي البلديّة عن أداء دورها وتطبيق القوانين. وإذا كان الأعضاء يتقاتلون فيما بينهم على تنظيف الشوارع ، فهذا شارعٌ برسمِ جهودِكم الطيبة للتنظيف، ليس من الأوساخ فحسب!