علمت جريدة “البوست” من مصادر سياسيّة مطّلعة أنّ الرئيس الجديد لبلدية صيدا مصطفى حجازي مثُل منذ أيّام أمام المدّعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو، على خلفيّة قضايا تتعلّق بالفساد المستشري والمخالفات المسجلة في عمل معمل النفايات في صيدا منذ سنين. وبحسب عارفين، فقد حضر حجازي برفقة محامي البلدية ح. ش. (الذي للأمانة لا يتقاضى في عقده السنوي الموقّع مع البلدية إلا دولارًا واحدًا كبدل أتعاب) إلى مكتب شعيتو في قصر العدل في بيروت، حيث جرى الاستماع إليه في الدعوى المقدَّمة من قبل النائب أسامة سعد بحقّ مخالفات معمل النفايات والعمل القائم فيه، والتي نامت في الأدراج منذ سنين طوال، لتستفيق مجددا مع تسلم شعيتو مهامه. خلال اللقاء، جهد حجازي لنفي أن يكون له أيّ علاقة بالموضوع، بحكم موقعه السابق كعضوٍ في المجلس البلدي، وموقعه الحالي كرئيسٍ للبلدية، حيال كلّ ما يُساق من مخالفات مسجَّلة بحقّ المعمل والقائمين عليه. وشدّد على أنّ مسؤوليّة التواقيع التي تثير الكثير من علامات الاستفهام والريبة — لما تختزنه من روائح كريهة — كانت تُوقَّع من قبل رئيس اتحاد بلديات صيدا ـ الزهراني في حينه رئيف يونان. وانتهى اللقاء، الذي لم يكن الأوّل من نوعه، على أن يُستكمَل في جلسات لاحقة. يؤكّد عارفون أنّ القاضي شعيتو ماضٍ في تحقيقاته في هذا الملف الذي يشبه “مغارة علي بابا صيداويّة” إلى الآخر، بعد الكلام الكثير الذي أُثير من أكثر من جهة حول المخالفات الحاصلة في عمل المعمل وأدائه. علمًا أنّ التشعّب في التدقيق بالموضوع بحسب مطلعين سيُظهر أنّ أطرافًا سياسيّة وقوى كثيرة متورّطة في النفايات والأوساخ حتى النخاع، وهو ما ستظهره التحقيقات.
نعم، ليستِ القضيّةُ مجرّد “تلوّثٍ مائيٍّ” قد يَصِحّ، وفي أغلبِ اليقين سيصدرُ غداً الخميس تقريرٌ على الطريقةِ اللبنانيّة “المُلوفكة”، ليقولَ ويُمَجَّ ويَعْلَك في عباراتٍ ومفرداتٍ مُنْتَقاةٍ بشكلٍ دقيقٍ لا تَقتُلُ الدِّيب ولا تُفني الغنم. “مياهُ تنورين” قضيّةٌ سياسيّةٌ بالغةُ الأهميّة. هي قضيّةُ وطنٍ يتمُّ احتلالُهُ وإخضاعُ الأحرارِ فيه ليكونوا إمّا عبيداً أو مهاجرين. هي ببساطةٍ قصّةُ الثورِ الأسودِ الذي أتحفنا بحكمتِه حين قال: “أُكِلتُ حين أُكِلَ الثورُ الأبيض”. الغولُ هو نفسه، وحشٌ قاتلٌ يتغيّرُ اسمُه بتغيّرِ الزمانِ والمكان، لكنّهُ يبقى الشرّيرَ الذي لا يُريدُ الخيرَ لأحدٍ يُعاكِسُ ما يراه. لو عَلِمَ اللبنانيّون يوماً ماذا يشربون، لَضحَّوا قليلاً ولَبكوا كثيراً. لكنّها اليوم حربُ السياسةِ والنفوذِ والمالِ والمصالحِ والماركاتِ الأخرى، وجدتْ في “تنورين” فرصةً للانقضاضِ على مؤسّسةٍ تكبُرُ وتتمددُ في السوق لتأخذَ حصّةً أكبر ممّا يُسمَحُ لها في لعبةِ تنازُعِ المصالحِ والمال. ما أقدمَ عليه وزراءُ الزراعةِ والصحّةِ في حكومةِ العهدِ الجديد شبيهٌ بـ”الحلفِ الرباعي” الذي من الممكن أن يركَبَ في لحظاتٍ حين تتقاطعُ مصالحُ المتناقضين في هذا البلدِ على حسابِ الناس. تخيَّلْ في لحظةِ فِراقٍ سياسيٍّ بين “حزبِ الله” و”الحزبِ التقدّمي الاشتراكي”، يمكنُ لِقِنّينةِ ماءٍ أن تُعيدَهُ إلى التلاقي. لا لشيءٍ، فقط لأنّ المصلحةَ الظرفيّةَ تتقدَّمُ على مصالحِ الناس جميعاً. هنا لا تبحث عن المرأة، إبحث عن قناني مياه في مهرجان حاشد، لتفهم حقيقة ما جرى! إن تركتُم “تنورين” اليوم للمنقَضّينَ عليها، سيَطالُكم السكينُ من بعدها، مهما حاولوا أن يُلبِسوا الموضوعَ لُبوساً غيرَ حقيقتِه. فتنَبَّهوا!
من الواضح أن “الضجة المفتعلة” التي أثيرت منذ يومين حول ما يجري في هيئة “أوجيرو” تبدو للعالمين أنها غير بريئة وجزء من حملة منسقة في الشكل والمضمون والتوقيت، لكنها تفتقد إلى بديهيات “دس السم” الصحيح الذي يهدف للتشويه والتخريب على واحدة من أكثر الإدارات اللبنانية أهمية وحساسية والتساقا بقضايا الناس وحياتهم الخبر الذي تم تداوله على نطاق واسع عن زيارة قام بها المدير العام السابق ل”أوجيرو” عماد كريدية إلى الهيئة، ودخوله مكتبه السابق مع عدد من المدراء والفريق القديم لمسح داتا أو تبديل حقائق أو محاولة طمس أشياء من “الحقبة الماضية” عار عن الصحة جملة وتفصيلا. بل وفيه من الغباء ما يجعله بلا قيمة حقيقية. ولو أراد كريدية القيام بشيء مشابه لما قيل إنه أقدم، عليه لما اعتمد الطريقة الهوليودية التي رويت بها الأحداث. جل ما في الأمر أن كريدية زار إحدى المستشارات في المبنى لأنه صودف أنه كان بالمنطقة، وأنه التقى ببعض زملائه القدماء دون ترتيب مسبق. يكشف مطلعون أن مديرين صيداويين أساسيين قد يكونا في دائرة النار، علما أن أحدهما يحظى بغطاء الحد الأدنى المطلوب للإستمرارية، بينما قد يكون الآخر “كبش المحرقة” التي سيدفع الثمن إذا لماذا هذه “الضوضاء” الآن؟ ومن يقف ورائها ومن يستفيد منها؟ بحسب مصادر اقتصادية وسياسية مطلعة، فإن هناك حربا “لا لزوم لها” اندلعت بين المديرين السابقين لأوجيرو عبد المنعم يوسف وكريدية على خلفية كلام غير دقيق ولا مسؤول قيل في إحدى المناسبات أدت إلى تفاقم الأمور بينهما على هذا النحو. فكانت الفتيل الذي اشعل النار، ودخل على الخط الكثير من المتربصين الذين رؤوا في الأمر فرصة متاحة لضرب مركز حساس محسوب على طائفة بعينها. هذا في الظاهر، أما في بواطن الأمور فإن هناك من استغل “توقيت” اندلاع النزاع بين الغريمين لفتح ملف ممارسات كريدية خلال فترة توليه رئاسة أوجيرو والتي شابها الكثير من “التخبيصات” والمخالفات التي ستطيح بعدد من الرؤوس الحالية في الهيئة في الفترة المقبلة. وفي هذا الإطار يكشف مطلعون أن مديرين صيداويين أساسيين قد يكونا في دائرة النار، علما أن أحدهما يحظى بغطاء الحد الأدنى المطلوب للإستمرارية، بينما قد يكون الآخر “كبش المحرقة” التي سيدفع الثمن. كما يؤكد متابعون إن فتح “الصندوق الأسود” لما قام به كريدية خلال فترة توليه مهامه، سيكشف الكثير من التجاوزات التي تظهر هدراً للمال العام على شكل انفاق سياسي وإعلامي وإعلاني لعدد من الإعلاميين ووسائل إعلام وفاعليات ونشاطات كان يُراعى فيها مصالح كريدية وحساباته السياسية والشخصية. قد يبدو المدير الجديد لأوجيرو أحمد عويدات من "الجيل القديم" المتروي الذي يفضل العمل على الورقة والقلم، على الرغم من ترؤسه واحدة من أعلى وأدق الإدارات الرقمية والتكنولوجية في البلاد، لكن الرجل حتى الآن يظهر بأنه لا يقوم بأي خطوة كيدية أو انفعالية، ولا يضمر أحكاما مسبقة بحق أي من العاملين والمدراء والإدارات، لكنه سيجد نفسه حكما في القادم من الأيام أمام مجموعة من القرارات التي واجب اتخاذها لتصحيح انحرافات كثيرة وطأت أقدامها بقوة على مسار إدارة كان لها أن تكون أفضل بكثير، لو قدر لها غير ما كان في الغابر من الأيام.