لم يَعُدِ الأمرُ سرًّا، ولا محلَّ تأويلٍ أو تحليل. فالانتخاباتُ النيابيةُ المقبلةُ في صيدا، بغضِّ النظرِ عن تاريخِ إجرائِها، تنتظرُ قرارَ بَهِيّةَ الحَريري “الرَّسمي والعَلَني” بالمشاركةِ فيها أو عدمِه. مِن بعدِ هذا الإقرار لن يكونَ حكماً كما قبلَه؛ فعلى أساسِه سيتحدَّدُ الفائزُ أو الفائزون، وعليه ستُنسَجُ خريطةُ التحالفاتِ التي سيراعي أصحابُها خفايا القانونِ الحالي، لناحيةِ الرَّوافعِ والكسورِ والصوتِ التفضيلي وغيرها. وحدَها “إم نادر” دونَ غيرِها من المرشَّحينَ إنْ قرَّرت… ضَمِنَت، بغضِّ النظرِ عن الخصومِ والتحالفاتِ التي ستُركَّب. أمّا عزوفُها، تحت أيِّ مُسمّى، فسيفتحُ البابَ أمام صراعٍ معروفٍ بين القوى السياسيةِ التقليدية، أو حتى دخولِ لاعبينَ جُدُد من خلالِ تحالفاتٍ قد تُرسَمُ على صعيدِ المدينة، أو حتى القضاء “بامتدادِه الجزيني”. #### الأسئلةُ في صيدا اليوم كثيرة، مُباحة ومنطقية. هل ستُخالِف بَهِيّةُ قرارَ تجميدِ “تيار المستقبل” مشاركتَه في الحياة السياسيةِ اللبنانية؟ وإنْ قرَّرتِ الترشُّح بعيداً عن قرار التيار تحت تبريرِ “أخت الشهيد” والخصوصيةِ الصيداوية ومرشَّحةٍ منفردةٍ نزولاً عند طلبِ العائلاتِ والمُؤيّدين… هل سيقبلُ سعدٌ بذلك؟ وهل سيتحمّل الجميعُ فكرةَ “تحدّي” السعوديةِ بكسرِ مبتغاها في تشكيلِ النوابِ السُّنّة في برلمان 2026؟ وكيف سينعكسُ ذلك على مدينةٍ قد يكونُ نائباها السُّنّيان مُقاطَعَين من قبل “الحقبة السعودية” المقبلة على لبنان؟ ثم تبرز أسئلةٌ أخرى من النوعِ المحلي، هل سيُترجِم جوُّ التقاربِ الملموس على أكثر من صعيد بين الغريمين التقليديين “الحريري” و”سعد” تحالفاً انتخابياً؟ وما الذي سيعنيه ذلك بالنسبةِ للمدينة؟ هل هو أمرٌ محمود أم تكريسٌ لزعاماتٍ اختبرها الصيداويون على مدى سنوات، وأوصلت المدينةَ إلى الحالِ التعيسةِ التي بلغتها حالياً؟ الكلُّ ينتظرُ، لكن صيدا التي لا تُشبِهُ إلّا نفسها، تنتظرُ قرارَ بَهِيّة قبل غيره من الأشياء المنتظرة، حتى تبدأ محركاتُ الماكيناتِ بالدورانِ بسرعةٍ أكبر. حتى ذلك الحين، الكلُّ يترقّب ويخشى “دعسةً ناقصة” يصعبُ لملمتُها لاحقاً. إنه بالفعل زمن “الفوارغ”… #### وماذا بالنسبةِ للنائب عبد الرحمن البزري، الذي صار خيارَ السعوديةِ الأول في صيدا خلال فترةٍ قصيرة، دونَ أن يُترجَم ذلك “زخماً” كبيراً وملموساً على أرضِ الواقع من قبل الراعي الخارجي؟ ماذا عن الَّذي يُضْمِرُه «الثُّنائيُّ الشِّيعي» للمدينةِ في قابلِ الأيّام؟ مَن سيكونُ المرشَّحُ الَّذي سيُؤدّي المهامَّ المطلوبةَ منهُ ثَمَنًا لـ 9000 صوتٍ فُرِضَ على نائبِ صيدا أن يَتملَّقَها ليُصبِحَ مُمثِّلًا عن مدينته؟وأيُّ دورٍ سيكون لِـ «الجماعةِ الإسلاميّة» في المدينة؟ هل سيُقَرِّرُ مسؤولُها الترشُّحَ مع عِلمهم بالحُرْمِ الخليجيِّ المفروضِ على جماعةِ «الإخوان المسلمين»؟ أم سيكونونَ رافعةً لغيرِهم من المرشَّحين؟ أم سَيَنْكَفِئُونَ عن خوض هذهِ الانتخاباتِ كُلّيًّا؟ ومن الأسئلةِ التي تبرزُ بقوةٍ في مداولاتِ المجتمعِ الصيداوي اليوم: ماذا عن اللاعبينَ الجُدُد الذين سيدخلون في حساباتِ المعركة الانتخابية المرتقبة؟ ما هو واقعُ حيثيّتِهم، ومَن يقفُ وراءَ حركتِهم، لاسيما الماليةُ منها والسياسية؟ وهل تتمكّنُ الأغلبيةُ الصامتةُ التي لم يُغرِها النزولُ إلى صندوقةِ الاقتراع في الدورتينِ الماضيتين من قلبِ المعادلةِ التقليدية التي بات التعاملُ معها كجزءٍ من قدرٍ محتومٍ فُرِض على الناس لا يمكن تغييرُه؟ #### حتى اليوم لا تبدو الأجواءُ الدوليةُ والإقليمية “متهيّبة” وكأنَّ الانتخاباتِ حاصلةٌ في موعدِها في أيار المقبل. وعلى الرغم من ذلك، تنقلُ مصادرُ مُطَّلِعة لـ”البوست” أنَّ “الجو” الأميركي والسعودي متمسّكٌ بفكرةِ إجراءِ الانتخاباتِ في موعدِها، وأنَّ التأجيلَ ولو ساعةً واحدةً أمرٌ غيرُ مطروح، حتى من قوى مؤثرة محلية، إلّا في حالِ دخولِ متغيّرٍ خارجيٍّ قوي، كعدوانٍ إسرائيليٍّ مُوسَّع يشلُّ مجردَ فكرةِ إجراءِ الانتخاباتِ لوجستياً وسياسياً. الكلُّ ينتظرُ ويترقب، لكن صيدا التي لا تُشبِهُ إلّا نفسها، تنتظرُ قرارَ بَهِيّة قبل غيره من الأشياء المنتظرة، حتى تبدأ محركاتُ الماكيناتِ بالدورانِ بسرعةٍ أكبر. حتى ذلك الحين، الكلُّ يترقّب ويخشى “دعسةً ناقصة” يصعبُ لملمتُها لاحقاً. إنه بالفعل زمن “الفوارغ”…
نقل زوار التقوا بالسفير السعودي في لبنان منذ أيام كلاما “ضبابيا” يُستشف منه أنه “غير محسوم” عن أن وليد البخاري ألمح إلى أن “الفيتو” السعودي على عودة “تيار المستقبل” للعمل السياسي في لبنان ومشاركته في الانتخابات النيابية المقبلة لا يزال قائما، لكنه قد لا يكون ساري المفعول على ترشح بهية الحريري في صيدا تحديدا. وعلى الرغم من هذا المؤشر الانتخابي، تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن السعودية حسمت موضوع دعمها الكامل “لرجلها الأول في صيدا” النائب عبد الرحمن البزري الذي تتعدى علاقته السعودية قناة السفارة في اليرزة لتصله مباشرة بمسؤول الملف اللبناني الأساسي، الأمير يزيد بن فرحان بحكم علاقة طبية وإنسانية تربط الرجلان منذ أكثر من ١٥ عاما. وعليه، فسّر متابعون “الجو” السعودي تجاه بهية باعتباره نزولا عند “الأمر الواقع” الذي ستحققه أرقام بهية في صيدا باعتبارها المرشح الأقوى بين المتنافسين (إن حصلت الانتخابات في موعدها)، دون أن يعني ذلك البتة عدم اتجاه السعودية لخوض معركة “كسر عظم” معها من خلال البزري الذي ستنطلق ماكيناته الفعلية خلال فترة وجيزة “بعدة شغل” مختلفة عن سابقاتها.
يشهدُ اتفاقُ وقفِ إطلاقِ النار في غزّة، الذي يستندُ إلى مبادرةٍ أمريكيةٍ، حالةً من الغموضِ والتعقيدِ، في ظلِّ تبايُنِ وجهاتِ النظر بين الأطرافِ المعنيّةِ حول آليّاتِ التنفيذِ ومستقبلِ القطاع، وتزايدِ القلقِ الأمريكي من أنَّ رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يعملُ على تقويضِ الجهودِ الراميةِ إلى إنهاءِ الصراع وتتجلّى هذه التعقيداتُ في الزياراتِ المكوكيّة التي يقومُ بها كبارُ المسؤولين الأمريكيين إلى تل أبيب، في محاولةٍ للحفاظ على مسارِ الاتفاقِ الهشّ والدفعِ نحو تطبيقِ الخطةِ المقترحة. وفي هذا السياق، نقلت صحيفةُ “نيويورك تايمز” عن مصادرَ أمريكيةٍ وجودَ قلقٍ حقيقي داخل الإدارة الأمريكية من احتمالِ انسحابِ نتنياهو من الاتفاق، مشيرةً إلى أنَّ الاستراتيجيةَ الحاليةَ ترتكزُ على منعهِ من استئنافِ العملياتِ العسكرية واسعةِ النطاق. ورغم أنَّ المرحلةَ الأولى من الخطةِ، المتعلّقة بتبادلِ الأسرى، تسيرُ ببطءٍ وحذرٍ، إلّا أنها لم تكن بمنأى عن الانتهاكاتِ الإسرائيلية، فيما تبرزُ عقباتٌ جديدةٌ تعترضُ الانتقالَ إلى المراحلِ التالية، خاصةً في ظلِّ غيابِ رؤيةٍ موحّدةٍ لـ “اليوم التالي” للحرب؛ ليس فقط بين حماس وإسرائيل، بل أيضاً بين الشركاءِ الدوليين والعرب الذين يُنتظرُ منهم تولّي ملفِّ إعادةِ الإعمار. تقفُ الخطةُ أمام تحدّي إقناعِ الدولِ المانحة بتمويلِ مشاريعِ بناءٍ في منطقةٍ خاضعةٍ للسيطرةِ العسكرية الإسرائيلية، وسطَ مخاوفَ من تحوّلِ هذا الوضعِ “المؤقت” إلى وضعٍ “دائم” مَن يحكم؟ ومَن يمول؟ تلقي صحيفةُ “هآرتس” الضوء على ما تصفُه بـ “تقاعس” واشنطن عن وضعِ تصوّرٍ عمليٍّ لمستقبلِ غزّة، حيث بدأت الإدارةُ الأمريكية الآن فقط في محاولةِ تشكيلِ رؤيةٍ واضحة، وسطَ يقينٍ بأنَّ القطاعَ سيظلُّ بلا أفقٍ سياسي في المدى المنظور. وتضيفُ الصحيفةُ أنَّ الهدفَ الأمريكيَّ الأوحدَ حتى الآن كان محصوراً في إنهاءِ القتالِ وإعادةِ الأسرى الإسرائيليين، مع تأجيلِ مناقشةِ الملفاتِ الشائكةِ الأخرى.وعلى الرغم من تسارعِ المحادثات، فإنها لا تزالُ بعيدةً كلَّ البعد عن بلورةِ خطةِ عملٍ متكاملة تُجيب عن التساؤلاتِ الأساسية:“من سيتولّى الإدارة؟ ومن سيموّل إعادة الإعمار؟ ومن سيؤمّن الأمن؟” وتزيدُ الشروطُ الإسرائيليةُ من تعقيدِ المشهد، حيث نشرت صحيفةُ “معاريف”، نقلاً عن مصدرٍ دبلوماسي، أنَّ إسرائيلَ أبلغت واشنطن بإصرارِها على نزعِ سلاحِ حركةِ حماس كشرطٍ لا غنى عنه لبدءِ أي عمليةِ إعمارٍ في القطاع. كما تشترطُ تل أبيب أن تُنفَّذَ مشاريعُ إعادةِ البناء عبرَ جهاتٍ “غيرِ معاديةٍ” لها. في المقابل، يتمسّكُ الشركاءُ العرب بمواقفِهم. فقد نقلت القناةُ 12 العبرية عن مصادرٍ قولها إنَّ الولاياتِ المتحدة حاولت إقناعَ السعوديةِ والإمارات بالمشاركةِ في إعادةِ إعمارِ غزّة والإشرافِ على إدارتها، لكنّ الدولتين رفضتا العرض ما لم تكن السلطةُ الفلسطينية جزءاً أساسياً من الترتيباتِ المستقبلية.وأكد المصدرُ أنَّه “من دونِ السلطة الفلسطينية، لن تتدخّل السعودية لا بشكلٍ مباشرٍ ولا غير مباشر”. تقسيم غزة في ظلِّ هذه التجاذبات، كشفت صحيفةُ “وول ستريت جورنال” عن خطةٍ بديلةٍ تبحثُها الولاياتُ المتحدةُ مع إسرائيل، تقومُ على تقسيمِ قطاعِ غزّة إلى منطقتين منفصلتين.تقضي الخطةُ، التي يدفع بها جاريد كوشنر، صهرُ الرئيسِ الأمريكي السابق ترامب، بأن تخضعَ المنطقةُ الأولى لسيطرةِ الجيش الإسرائيلي وتستفيدَ من مشاريع الإعمار والدعم الدولي، بينما تبقى المنطقةُ الثانية تحت حكمِ حركةِ حماس معزولةً اقتصاديّاً، حتى “نزعِ سلاحها”. وينسجمُ هذا المخططُ مع دعواتٍ سابقةٍ داخل المؤسسةِ الأمنيةِ الإسرائيلية لتحويلِ أجزاءٍ من غزّة إلى ما يشبه “المنطقة ب” في الضفةِ الغربية؛ أي مناطقَ خاضعةٍ لسيطرةٍ مدنيةٍ فلسطينيةٍ شكلية، ولكن تحت إدارةٍ عسكريّةٍ إسرائيليةٍ كاملة.إلا أنَّ هذه الخطة تصطدمُ بعقباتٍ كبرى: القبول الدولي والعربي تواجهُ الخطةُ معضلةً حقيقيةً في الحصولِ على تأييدٍ عربيٍّ ودوليٍّ لفكرةِ ترسيخِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ لأكثر من نصفِ مساحةِ القطاع. المخاوف الأمنية الإسرائيلية:بحسب “هآرتس”، يخشى الجيشُ الإسرائيليُّ من الاحتكاكِ المباشر مع السكّان الفلسطينيين، وقد أوصى بعدمِ السماحِ بعودتِهم إلى المناطق الخاضعةِ لسيطرته. كما يعتقدُ الجيشُ أنَّ أيَّ قوةٍ دوليةٍ لن تكونَ قادرةً على تدميرِ شبكةِ الأنفاق المتبقية، مما يشكّلُ تهديداً عملياتياً مستقبلياً. تمويل الإعمار:تقفُ الخطةُ أمام تحدّي إقناعِ الدولِ المانحة بتمويلِ مشاريعِ بناءٍ في منطقةٍ خاضعةٍ للسيطرةِ العسكرية الإسرائيلية، وسطَ مخاوفَ من تحوّلِ هذا الوضعِ “المؤقت” إلى وضعٍ “دائم”. سيناريو إسرائيليٌّ… وانتظارٌ لا ينتهي من جهته، يرى تقريرٌ لمعهدِ دراساتِ الأمنِ القوميِّ الإسرائيلي أن على إسرائيل التعاملَ مع الخطةِ الإطاريةِ بمرونة، مع ضمانِ الحفاظِ على نفوذِها الأمني وحريةِ عملِها العسكري، والسيطرةِ على مسارِ إعادةِ الإعمار.ويقترحُ التقريرُ أن تعملَ إسرائيل على تهيئةِ الظروف لتشكيلِ حكومةِ تكنوقراطٍ وقوةِ استقرارٍ دولية، على أن يقتصرَ عملُها على المناطقِ التي لا وجودَ لحماسَ فيها، معتبراً أن نجاحَ هذا الطرح يعتمدُ على استعدادِ تل أبيب للتواصلِ مع السلطةِ الفلسطينية والمشاركةِ في تهيئةِ الظروفِ لإقامةِ دولةٍ فلسطينية. في نهايةِ المطاف، يسودُ التشاؤمُ أوساطَ المحللين. فالقناةُ 12 العبريةُ تتوقعُ أن يدركَ العالمُ سريعاً أنَّ الحكومةَ الإسرائيليةَ الحالية “متطرفةٌ وغيرُ عقلانية، ولا تسعى إلا للحرب وضمِّ الأراضي وتدميرِ السلطة الفلسطينية”. وهكذا، بينما تتحدثُ واشنطن عن "غزّة الجديدة"، يواصلُ الواقعُ إنتاجَ "غزّة القديمة"، ولكن — كما تصفها "هآرتس" — "مع قدرٍ أقلّ من الأملِ ومزيدٍ من التعب"، في ظلِّ روتينٍ جديدٍ من المساعداتِ الإنسانية التي تُبقي القطاعَ على قيدِ الحياة، ولكن بلا أفقٍ سياسيٍّ أو سيادةٍ حقيقية.