في المنطقة الفاصلة بين “تاكسي الانطلاق” حتى مستديرة “ساحة القدس”، لا يزال كثيرٌ من الصيداويين يذكرون “دكانة” أحمد زيدان وأخوه محمد للسمانة والمواد الغذائية.
في “البوست” نؤمن بأنّ الاختلاف بين الناس سُنّةُ الوجود. لم يتّفقوا يومًا، ولن يفعلوها حتى نهاية الزمان. ولأنّ التعبير وحرية إبداء الرأي هي من “المقدّسات” في عملنا الصحفي المهني، سواء اختلفنا مع ما هو مطروح أو اتفقنا، فإنّنا ننشر المقالات التي تردنا والأفكار التي يشاركنا بها أصحابها، دون أن يُلزِمنا ذلك تبنّيها أو نفيها. أدناه باكورة “بريد القرّاء” في انطلاق مسيرتنا الإعلامية. نورده كما وصلنا، من دون اسمٍ مذكور. أين هو الشعب؟ “الشعب مصدر السلطات” ليست مجرد عبارة دستورية، بل هي حجر الأساس في الفلسفة السياسية الديمقراطية.هي مبدأ وارد في معظم الدساتير الحديثة، بما فيها الدستور اللبناني. لكن حين ننظر إلى الواقع الانتخابي في لبنان، تتكشّف مفارقة مؤلمة: في انتخابات بلدية حيوية، لم تتجاوز نسبة المشاركة في بيروت 20٪، وفي طرابلس بالكاد لامست 25٪.فما معنى أن يكون الشعب مصدر السلطة، إذا كان معظم هذا الشعب غائبًا عن صناديق الاقتراع؟هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن ضعف إقبال، بل تكشف أزمة أعمق: أزمة ثقة، واغتراب متزايد بين المواطن والدولة، وبين الناس والقرار العام. فالامتناع عن التصويت لم يعُد مجرد لا مبالاة؛ بل بات، في كثير من الحالات، موقفًا سياسيًّا بحدّ ذاته. إنّه تعبير عن فقدان الأمل، واحتجاج على منظومة عاجزة عن التجديد أو عن الاستجابة لتطلّعات المواطنين. نسبة المشاركة في الإنتخابات البلدية في مدينة بيروت (2025) نسبة المشاركة في الإنتخابات البلدية في مدينة طرابلس (2025) بلا روح هنا يكمن الخطر الحقيقي: أن تتحوّل الديمقراطية من آلية تعبير ومحاسبة، إلى مجرّد إجراء شكلي فاقدٍ للروح والمعنى.لا يكفي أن نكرّر شعارات السيادة الشعبية والتمثيل الديمقراطي، بينما يعيش المواطن حالة اغتراب عن الحياة العامة. المطلوب اليوم مراجعة شاملة، تبدأ من فهم هذا الغياب الشعبي: لماذا يعزف الناس عن المشاركة؟وحين يُسأل الممتنع عن التصويت عن السبب، يأتي الجواب غالبًا: “صوتي شو بدّو يغيّر؟”. هذه العبارة تُلخّص اليأس، وتكشف أنّ كثيرًا من اللبنانيين لم يعودوا يرَون في صناديق الاقتراع وسيلةً فعّالة للتأثير أو للمحاسبة. لكن التناقض المؤلم هو التالي: إذا كان الشعب لا يُصوّت، ولا يُراقب، ولا يُحاسب، فهل يبقى حقًّا هو “مصدر السلطة”؟ أم أنّ الامتناع، عن وعي أو عن لا وعي، هو تنازلٌ صامتٌ عن هذا الدور؟ المشكلة ليست فقط في الطبقة السياسية، بل في ثقافة عامة تميل إلى تبرئة الذات، وتحويل المواطن من فاعلٍ إلى ضحيةٍ دائمة ثقافة التبرئة المشكلة ليست فقط في الطبقة السياسية، بل في ثقافة عامة تميل إلى تبرئة الذات، وتحويل المواطن من فاعلٍ إلى ضحيةٍ دائمة. لذا، فإنّ إعادة إحياء مبدأ “الشعب مصدر السلطة” تتطلّب ما هو أكثر من انتخاباتٍ دورية. تتطلّب إعادة بناء الثقة، وتربية مدنية فعّالة، وتجارب ملموسة تُقنع الناس بأنّ صوتهم ليس فقط حقًّا، بل قوةٌ قادرةٌ على التغيير.“الشعب مصدر السلطات” ليست جملةً في كتاب القانون. هي فعلٌ يومي، يُمارَس في صناديق الاقتراع، وفي الأرصفة، وفي الحيّ، وفي الشجرة التي نزرعها ولو وحدنا.التغيير لا يبدأ بـ”نحن” الجماعية… بل بـ”أنا” الواعية. ازرع. تحرّك. صوّت. حاسِب.ومش كلّ الحقّ عَ الطليان.
في مكانٍ ما من هذا العالم الذي لا ينام، حيث تتحدث الخوارزميات بلغة البشر وتفهمهم قبل أن يفتحوا أفواههم، وُلد Agent NEO.. وكيل ذكي. لا يتبع حزباً، ولا يعترف بالمرجعيات، ولا يجلس في لجنة استشارية بطيئة الهضم. إنه ببساطة: يفهمك ليس “يفهمك” بالمزاج الصيداوي السياسي المعتاد (عندما يقول لك أحدهم “فهمتك” وهو في الحقيقة يتمنى أن تسكت)، بل يفهمك حقاً: يلتقط إشاراتك، يعيد تخطيط مهمته أثناء تنفيذها، يستخدم كل أداة ممكنة… ويعمل. وللمفارقة، فإن هذا الذكاء الاصطناعي الذي لم يعش في صيدا، ولم يزر أسواقها ولا تنشق رائحة قهوتها المرة، فهم المدينة. بينما لا تزال فعاليات المدينة – من علية القوم إلى “صانعي التنمية” – تسأل:”شو بدكن لأن صيدا بدها وبتستاهل وسوا بدنا نغييّر؟”بعد سبعين عامًا من السؤال نفسه. تُحب أبناءها ولا تفهمهم في صيدا، المدينة المعلقة بين المجد القديم والذاكرة الانتقائية، لا مشكلة في أن تقيم فعالية بعنوان “نحو مدينة ذكية”، وأن توزع شهادات تقدير على حضورٍ جاء من باب الواجب في احتفال أقيم في قاعة البلدية. لكن الكارثة أن تكون المدينة نفسها عاجزة عن تحديد من يسكنها فعلاً، وماذا يريد هؤلاء السكان. أرقام بلا خيال (المصدر: تقرير الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024) نسبة البطالة بين الشباب تحت سن الثلاثين في المدينة نسبة التسرب المدرسي في الأحياء الشعبية نسبة الشباب الذين يفكرون بالهجرة من أصل 27 مشروعًا تنموياً بين 2015 و2023، 7 فقط نُفذت بالكامل ولا توجد خريطة اجتماعية واحدة توثق الاحتياجات وتبقى نفس الجهات تنظم المؤتمرات، وتصدر التوصيات، ثم تختفي… لتعود بصيغة PowerPoint محدثة قليلاً آلة بلا قلب سُئل NEO:”هل يمكنك مساعدة صيدا؟” فأجاب:”نعم، فقط أعطني بيانات نظيفة ونية حقيقية.” يا له من وقح! كيف يجرؤ على طرح شروط لا تتضمن “غداء عمل” ولا “اتصال بمرجعية القرار”؟لكن الحقيقة المحرجة أن NEO يعمل بينما نحن نحتفل.هو لا يحتاج إذناً من أحد، بل يتحرك وفق منطق المهمة.بينما نحن… نتحرك وفق منطق الصورة:”قص الشريط”،”تصفيق مدوٍّ”،”بيان ختامي”،ثم لا شيء. NEO لا يهتم بمن كتب الفكرة، بل ينفذها إذا كانت مفيدة. أما نحن، فنهدر نصف الجهد في التساؤل:”مين صاحب المشروع؟ من أي تيار؟ تبع مين؟” في صيدا، تتوقف المشاريع عند أول اختلاف على ترتيب الأسماء في البيان. وفي صيدا، ينجو كل شيء… ما عدا الفكرة الجيدة التي لا راعٍ لها.NEO لا يحتفل بنجاحه،بينما هنا، تُقام حفلات ضخمة على أنقاض مشاريع غير مكتملة،وتُلتقط صور “تاريخية” أمام مبادرات لم تعش يومًا واحدًا في الواقع. منذ سنوات، لم تُحدَّث قاعدة بيانات عن أحياء التعمير والنبعة والفيلات والبلد القديمة.لم يُسأل الأطفال هناك: ما الذي تحتاجونه؟ لم تُعرف حاجات المرأة في الأحياء الفقيرة.لم يُناقش الجيل الناشئ الذي يعيش على هامش الجدران الإسمنتية.لكننا نملك أرشيفًا كاملاً… للفعاليات! الناس تهاجر،الطاقات تُستنزف،والمدينة تكرر الخطاب نفسه بلكنة جديدة كل أربع سنوات.تمامًا كبرنامج قديم… بواجهة مستخدم محدثة. غيبوبة “التمثيل الذكي” قد لا يكون الحل في أن تستورد المدينة ذكاءً صناعيا، بل أن تستفيق من غيبوبة “التمثيل الذكي” وتبدأ في ممارسة الذكاء فعلاً.NEO لا يملك قلبًا، لكنه يملك وعيًا بالأولوية. بينما نحن نملك القلوب، لكننا نستخدمها أحيانًا للتصفيق… لا للفهم.المطلوب ليس خطة خمسية جديدة،ولا ورقة استراتيجية تُعرض على شاشة في فندق.المطلوب فقط أن نسمع ما يقوله الواقع،قبل أن يقرر الواقع… مغادرتنا.