لم تقتصر زيارة وزير الصحّة ركان ناصر الدين، أواسط أيلول الماضي، إلى مدينة صيدا على مراكز الرعاية الصحيّة الأساسيّة الرسميّة في المدينة، والتي يتقاسمها قوى سياسيّة أساسيّة، بل زار أيضًا مستوصف الحسين المحسوب على قوّة سياسيّة محدّدة، لتأكيد المحاصصة السياسيّة التي تلتزم بها السلطة المركزيّة، تلك التي ترفع شعبويًّا شعار بناء “دولة المؤسّسات والقانون”، لا “دولة المحاصصات”. في مستشفى صيدا الحكومي قال ناصر الدين إنّ وزارته “ستحاول الالتزام بتسعيرة وزارة الصحّة في المستشفيات الحكوميّة، كي نطالب المستشفيات الخاصّة الالتزام بذلك”.ويبدو من كلامه أنّه يعلم بالمخالفات التي ترتكبها إدارة المستشفى حول فروقات الوزارة، لكنّ الحلول لا تأتي بالتمنّيات، بل بالمراقبة والمساءلة واستخدام سلطة الوصاية التي تملكها وزارة الصحّة على المستشفيات الحكوميّة. لكنّه، وكحال معظم الوزراء، يأخذ في الاعتبار قوى الأمر الواقع. وهذا لا ينطبق على صيدا فحسب، بل يشمل جميع المستشفيات الحكوميّة التي تخضع للزبائنيّة السياسيّة ومصالح الزعماء. اضطُرّت الإدارة إلى تنظيف الممرّات والغرف والأقسام، والتحضير الجدّي لاستقباله. لكنّها كلّفت البعض وقتًا طويلًا، خصوصًا يوم الجمعة في 19 أيلول الفائت، لتنظيف المعلومات والتدقيق فيها على الحاسوب عَضَّة كلب ومراقبة الأسعار أُصيب أحد المواطنين في صيدا بعضّة كلب، ودفع عند الجرعة الأولى 4,900,000 ل.ل.، وعند الجرعة الثانية دفع فقط 1,900,000 ل.ل. بعد اتّصال من أحد زعماء المدينة المستفيدين من الفساد المستشري في المستشفى.لا بدّ من توجيه الشكر لجهد الوزير في تأمين آلة MRI وCT Scan ومنظار العيون، لكن السؤال: كيف ستتمّ مراقبة الاستخدام والأسعار التي ستحصَّل من المرضى؟أما الوعد بتأمين 300 ألف دولار أميركي، فالسؤال يصبح: كيف ستُصرَف؟ نرجو أن تتحقّق أمنية مدير المستشفى الحكومي أحمد الصمدي بأنّ توفّر التجهيزات قد يدفع عددًا من الأطبّاء للعودة إلى المستشفى. لكن هذا الهدف يتناقض مع سياسة “تلزيم الأقسام والاختصاصات” في المستشفى المذكور. لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى ملاحظة الوزير حول خدمة أهالي مخيّم عين الحلوة، وكأنّه لا يعلم أنّ عددًا كبيرًا من المرضى اللبنانيّين يفضّلون التوجّه إلى مستشفى الهمشري التابع للهلال الأحمر الفلسطيني. وأنّ الخدمة الأساسيّة التي يستفيد منها أهالي عين الحلوة هي توفير مواقف لسيّاراتهم في موقف المستشفى… مع بدلٍ مدفوع طبعًا. رواتب وتباينات العاملون في المستشفى المذكور يقضون وقتًا طويلًا بانتظار نصف الراتب الشهري بحجّة “عدم وجود مال”، فيما أحد الموظّفين المرضيّ عنهم حصل على 270 ساعة إضافيّة وقبض أكثر من 50 مليون ل.ل. بدل عمل إضافي، بينما الكثير من العاملين لم يقبضوا حتى نصف الراتب.ويتقاضى أعضاء في مجلس الإدارة بدل حضور جلسات المجلس… وهم خارج لبنان! نعود ونشكر الوزير على اهتمامه بتأمين معدّات وتجهيزات، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أحد الموظّفين اقترح على الإدارة تأمين آلات الأوكسجين بالتقسيط، فيما فضّلت الإدارة شراء قارورات الأوكسجين من أحد المتعهّدين بكلفة تتراوح بين 1500 – 2000 دولار أسبوعيًّا. في المختبر وقسم الأشعّة هناك مشكلات قانونيّة بحاجة إلى حلول، كان لزيارة ناصر الدين إيجابيّة كبيرة، إذ اضطُرّت الإدارة إلى تنظيف الممرّات والغرف والأقسام، والتحضير الجدّي لاستقباله. لكنّها كلّفت البعض وقتًا طويلًا، خصوصًا يوم الجمعة في 19 أيلول الفائت، لتنظيف المعلومات والتدقيق فيها على الحاسوب… درءًا لأيّ تدقيق قد يحصل، و”حتماً لن يحصل”. من المسؤول؟ إنّ مسؤوليّة ما يحصل لا تتحمّلها إدارة المستشفى وحدها، بل يشاركها جميع المسؤولين الذين على علم بما يجري… وهم صامتون. أكتب هذا التقرير علّ الوزير ناصر الدين يطّلع عليه، مع قناعتي التامّة أنّه لن يتدخّل للتصحيح، شأنه شأن من سبقه من وزراء الصحّة، لأنّ نظام المحاصصة والاستفادة من المؤسّسات العامّة لخدمة الزعماء أقوى من القوانين. ولكن، هل تحصل مفاجأة؟ أستبعد ذلك.
مكالمة واحدة كفيلة بإشعال بلد.صوت مألوف، جملة حاسمة، أمر عاجل… لكن المتحدث ليس وزيرًا ولا قائدًا. إنه الذكاء الاصطناعي، ينسخ الصوت لحظة بلحظة، يخدعك ويقودك حيث يريد. ما كان خيالًا علميًا صار سلاحًا سياسيًا. لم تعد الفتنة تحتاج إلى عميل على الأرض، بل إلى “صوت رقمي” يتقن لهجة الزعيم. في لبنان، حيث الشرارة تكفي، قد تتحول مكالمة وهمية إلى فتنة حقيقية. تخيّل أن يرنّ هاتف أحد الوزراء في بيروت عند منتصف الليل. الرقم الظاهر على الشاشة رسميّ، والصوت على الطرف الآخر مألوف، يحمل نبرة الثقة والسلطة:“نحتاج إلى اتخاذ خطوة عاجلة الليلة… لا تتصل بأحد قبل تنفيذها.” هذا المشهد لم يعد من أفلام الخيال العلمي، بل واقعٌ جديد كشفت عنه تجارب شركة NCC Group البريطانية، المتخصّصة بالأمن السيبراني، بعد نجاحها في تنفيذ هجمات تصيّد صوتي (Vishing) باستخدام تقنيات استنساخ صوتي فوري.ببضع ثوانٍ من التسجيل، أصبح بالإمكان أن يتكلّم أيّ شخص بصوت أيّ شخص آخر، في الزمن الحقيقي، عبر الهاتف أو تطبيقات الاجتماعات مثل Microsoft Teams وGoogle Meet. من التسجيل المزيّف إلى المحادثة الحيّة ما يميّز الجيل الجديد من هذه الهجمات أنّها لم تعد تعتمد على تسجيلات مُعدّة مسبقًا.بل أصبح المهاجم قادرًا على محاكاة الصوت لحظةً بلحظة، والتفاعل مع الضحية في محادثة طبيعية: يجيب، يضحك، يغيّر نبرته، ويقنعك بأنك تتحدّث مع الشخص الحقيقي. والنتيجة؟ انمحاء الحدّ الفاصل بين الواقع والتمثيل.فما كان يُعرف بـ”الخداع الإلكتروني” أصبح اليوم خداعًا سمعيًا إدراكيًا، يضرب مباشرةً في عمق الثقة البشرية، ويجعل من كلّ اتصال هاتفي احتمالًا للاختراق. في بلدٍ لم يتعافَ بعد من أزماته السياسية والاقتصادية، فإنّ زعزعة الثقة بين المكوّنات ليست سوى لعبة خوارزمية سهلة التنفيذ لسان الدولة في بيئات سياسية حساسة مثل لبنان، حيث تتشابك الولاءات وتتداخل الخطوط الحمراء، تكفي مكالمة واحدة مزيفة لتُشعل فتنة.يكفي أن يتلقى ضابط أمني أو مسؤول حزبي اتصالًا “من جهة عليا” تطلب تحركًا ميدانيًا أو توجيهًا إعلاميًا، حتى تتبدّل الموازين في لحظة. وفي بلدٍ لم يتعافَ بعد من أزماته السياسية والاقتصادية، فإنّ زعزعة الثقة بين المكوّنات ليست سوى لعبة خوارزمية سهلة التنفيذ.لم تعد الفتنة تحتاج إلى عميل على الأرض؛ يكفي “صوت رقمي” بلهجة الزعيم ليُحرّك شارعًا بأكمله. وهنا يصبح السؤال الأكبر: كيف يمكن لدولة هشّة أن تواجه هجومًا غير مرئي يبدأ من مكالمة لم يُجرِها أحد؟ من الاحتيال إلى الحرب النفسية في السابق، كان الاحتيال الصوتي يهدف إلى سرقة الأموال أو المعلومات الشخصية.اليوم، تحوّل إلى أداة لتقويض الثقة، والتأثير في الرأي العام، وتوجيه المسارات السياسية. التقنيات التي طُوِّرت لأغراض ترفيهية أو تعليمية، تُستخدم اليوم في عمليات تضليل استراتيجية تموّلها جهات استخباراتية أو شبكات ضغط رقمية.وقد حذّرت تقارير دولية من أنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي سيجعل الأصوات المزيّفة أكثر واقعية من الأصل بحلول عام 2026. وحين يُدمج الصوت بالصورة عبر تقنيات “الفيديو العميق” (Deepfake)، سيواجه العالم جيلًا جديدًا من الحروب المعلوماتية، حيث يصبح الكذب أكثر إقناعًا من الحقيقة نفسها. أزمة الثقة التحدّي لم يعد أمنيًا فقط، بل أخلاقيًا ومؤسساتيًا أيضًا.كيف يمكن للحكومات والإعلام التحقق من هوية المتحدّث في زمنٍ يمكن فيه لأي خوارزمية أن تقلّد أي صوت؟هل تكفي بروتوكولات المصادقة الرقمية؟ أم نحن بحاجة إلى نظام عالمي جديد لإثبات الهوية السمعية والبصرية؟ الواقع أنّ العالم لم يضع بعد قواعد اللعبة الجديدة: القوانين متأخرة، الوعي العام ضعيف، والمؤسسات الإعلامية نفسها قد تقع ضحية لمكالمات مصنوعة ببراعة رقمية.وهكذا يتحوّل الذكاء الاصطناعي من حليفٍ للشفافية إلى أداةٍ لتفكيكها. لبنان كنموذج هشّ لبنان، بتاريخ أزماته وتشابك قواه الداخلية والخارجية، يشكّل بيئة نموذجية لاختبار هذا النوع من الهجمات. بلد يعيش على إيقاع الإشاعة السياسية والاحتقان الطائفي، قد يهتزّ بمكالمة واحدة “موثوقة المظهر” تُنسب إلى جهة رسمية أو قيادة حزبية. إنها ليست مجرد مشكلة تقنية، بل قضية أمن وطني. فكل تسجيل مزيف أو اتصال مزور قادر على إعادة رسم المشهد السياسي أو تفجير أزمة في لحظة. هنا، لا يحتاج العدو إلى صاروخ… بل إلى مكالمة هاتفية دقيقة التصميم. في النهاية، نحن أمام سؤال وجودي جديد: إذا كان الصوت والصورة لم يعودا دليلًا على الحقيقة، فما الذي يبقى من الثقة؟ قد لا تكون المعركة المقبلة بين جيوشٍ أو أنظمة، بل بين العقل البشري وغريزته في التصديق. إنّ ما يحدث ليس مجرد تطوّر تقني، بل ثورة في صناعة الإدراك. وإذا لم تُسرع الحكومات والإعلام والمجتمعات إلى وضع ضوابط واضحة، سنستيقظ ذات يوم على أزمة كبرى بدأت — لا من قرار سياسي، بل من اتصال هاتفي لم يُجرِه أحد. ربما حان الوقت لأن تُدرج الدول بندًا جديدًا في استراتيجياتها الأمنية: "تحقق من الصوت… قبل أن تردّ." ففي عالمٍ باتت فيه الخوارزميات تتحدث بلهجات البشر وتخترق مؤسساتهم، لن تكون المعركة المقبلة على الأرض… بل في الأذن.
مرّةً جديدةً، يُسجَّلُ لإحدى الشخصيات الصيداويّة، التي باتت حاضرةً في المجلات السياسيّة والاجتماعيّة والشعبيّة، واليوم الرياضيّة، منذ فترةٍ ليست طويلة، خطوةٌ تكتيكيّةٌ مهمّةٌ تمثّلت بشرائه نادي “الحرّيّة” لكرةِ قدمِ الصالات، لإطلاقه بحلّةٍ جديدةٍ وقويّة. فقد علمت “البوست” من مصادرَ موثوقةٍ أنّ الناشطَ السياسيَّ “المقلّع بقوة” سيقوم بتجديد النادي على مختلف المستويات، عبر استقدام نخبةٍ من المدربين والمشرفين الرياضيين، وفتح المجال أمام المواهب الشابّة الراغبة في المشاركة بنهضة هذا النادي الصيداوي مجدّدًا، وهو الذي كان قد حقّق في فتراتٍ ماضية نتائجَ مهمّةً لصيدا، تمثّلت بإحرازه المراتبَ الأولى في فئته على صعيد لبنان، لكن مسيرته تراجعت لأسبابٍ وظروفٍ مختلفة.