عقدَ المجلسُ البلديُّ الجديد في مدينة صيدا اجتماعَهُ الأوّل بعد ظهر يوم الثلاثاء الواقع في 17 حزيران الجاري، في مبنى البلدية لتشكيل لجانه الاختصاصية، حيث ناقشَ المجتمعون اللجانَ البلديةَ المنوي إنشاؤها، لتشكّل الأطرَ المناسبةَ لبحث المشكلات التي تواجه المدينة، من خلال اختصاص كل لجنة، واقتراح الحلول المناسبة لاتخاذ القرار بشأنها في المجلس البلدي. توزّع أعضاءُ المجلسِ على اللجان، التي بلغ عددها 21 لجنة، وتمّ الاتفاقُ على رئيسٍ لكلّ لجنة، باستثناء اللجنة الرياضية التي تجري مشاوراتٌ للاتفاق على رئاستها. كما لم يُجرِ تشكيلُ لجنةٍ لمتابعة المولّدات الكهربائية الخاصة في المدينة. لوحِظ أن عددًا من أعضاء المجلس سيشارك في أكثر من خمس لجان، وهذا الأمر يُشبه ما جرى في المجلس البلدي السابق، حيث لم تكن اللجان فاعلة، وبعضها لم يجتمعْ إلا مراتٍ قليلة خلال فترة تسعة أعوام. أتت نتائجُ الانتخابات البلدية الأخيرة لتُخالفَ تاريخَ المجالسِ البلدية السابقة منذ عام 1998، إذ للمرة الأولى يأتي مجلسٌ بلديٌّ يضمّ ممثلين عن قوى سياسية تقليدية، كانت تتحاصص المجلس في المراحل السابقة، إلى جانب أعضاء بلديةٍ مستقلّين لا يرتبطون بقوى سياسية مسؤولة في المجالس السابقة عن إشاعة الفوضى في المدينة وعن الانتهاكات التي تعرّضت لها، لذلك، كان لا بدّ عند بعض الجهات من إيجاد مخارجَ لاستعادة السيطرة على المجلس الجديد. اقتراح مريب من هنا، جرت محاولةُ تمريرِ اقتراحٍ بأن تضمّ اللجانُ البلدية، إلى جانب أعضاء المجلس البلدي، مرشحين من اللوائح المتنافسة، والذين لم يُحالفهم الحظ بالوصول إلى المجلس، من دون إشراكِ آخرين من المجتمع المحلي والمدني. خطورةُ هذا الاقتراح تكمن في أنّه يحاول إعادة الإمساك بقرارات المجلس البلدي لمصلحة القوى التي كانت ممسكةً به خلال العهدين السابقين. كما يحاول البعضُ اقتراحَ أسماءٍ ليكونوا أعضاء في اللجان، تفوح منها رائحةُ الفساد خلال الفترة السابقة. لذا، من المهمّ تحديدُ مواصفاتِ أعضاء اللجان، وألّا تكون عليهم شبهةُ فساد. من المهمّ جدًّا أن تبادرَ اللجان، وبأسرع وقت ممكن، إلى وضع خططٍ تنفيذية للمهامّ المنوطة بها، وخصوصًا أن الوضع في المدينة يزداد تسارعًا في التدهور.
إيران وإسرائيل مسؤولتان عن التضحية بازدهار بلادنا وأعمارنا ونماء عائلاتنا وفرص أبنائنا بتعليم وصحّة وعمل، على مدى عقود طويلة، وهما تتقاتلان اليوم، فيما أتقاتل أنا من أجل “حقوق المريض” في المستوصف الذي كان مُدرجًا منذ سنوات على لوائح العقوبات الأميركيّة
أحبُّ كتاباتِ الروائيةِ المصريةِ والأستاذةِ الجامعيةِ الراحلةِ رضوى عاشور. وأتلهَّفُ، في كلِّ مرةٍ تقعُ يدي فيها على كتابٍ يحملُ اسمها، لأوقاتٍ مليئةٍ بالمتعةِ وتغذيةِ الفكرِ والروحِ.عدتُ من مكتبةٍ في “حي المعادي” في القاهرة إلى “حي الهلالية” في صيدا بكتابٍ لها يضمُّ شذراتٍ من سيرتها الذاتية اسمه “أثقل من رضوى”، لا يزالُ يُصاحبني منذ عشرةِ أيّامٍ، وأُخصِّصُ جزءًا يوميًّا من وقتي له صلة الرحم بالسلطةيطلُّ بيتي في صيدا على شارعٍ تمرُّ منه السياراتُ باستمرار، مقرقعة، فوق سكةِ تصريفِ مياهٍ لم يُستَوْ تركيبُها على الطريقةِ المطلوبة، ممّا يحدث جلبةً لا تنقطع، وكأنّها رادار تعداد، مهمتُه أن يقيسَ حيويّةَ هذا الشارع الفرعي، المتمدد رأسياً مع صعودِ الهضبة، باتجاه “طريق عبرا العام”.رغمَ أنَّ بيتنا يقع بين مقرِّ رئاسةِ بلديةِ المنطقة وبيتِ المختار، إلا أنَّ وضعَ القرعقعةِ التي تدبُّ على قرعاتِ الرؤوسِ ليلًا ونهارًا لا يبدو أنه قابلٌ للتحسّن بحكم “صلةِ الرحمِ الجغرافية” مع “السلطة”.علّمنا أساتذتنا في “كلية الإعلام” في “الجامعة اللبنانية”، قبل ربعِ قرنٍ، قاعدتين رئيسيتين: أولهما مستلهمةٌ من فلسفة “الأقربون أولى بالمعروف”، وهي أنَّ الخبرَ الأكثر تأثيرًا عليك هو ما يحدث في حيك، قبل حيِّ جارك، ومن ثم داخل كامل المدينة، وبعدها تفكّر في المدينة المجاورة، والوطن الشامل، ومن ثم الأوطان المجاورة!وكان ذلك غالبًا، قبل أن يفطن الأساتذة (وبعضهم لم يكن يتمتع بأي حسٍّ رؤيوي أو عقلٍ نافذ) إلى مقاييس العولمة التي جعلت التأثيرات التي تحصل في العالم أشدّ وقعًا على أمننا الاقتصادي والاجتماعي والنفسي من “أحداث الحي”، طالما نحن نعيش في بؤرةٍ متفجرةٍ من العالم الثالث. أمي وإيلون ماسكعلى سبيل المثال، تلك الترهّات التي تحصل بين مخبولٍ يحكم العالم مثل دونالد ترامب، و”ساكيوبات” ملياردير مثل إيلون ماسك، بوسعها لا أن تؤثر فقط على أسهمِ البورصاتِ العالمية، بل على طريقةِ مشيةِ أمي في أصغر ممرٍّ لدينا داخل بيت الهضبة الصيداوية المطلّ على غطاء المجرور.. قارع الطبول.يندرج هذا الأمر، أيضًا، في سياق نظرية أثر الفراشة، وحيث رفةُ جناحٍ، “الشهوة” تحديدا، لدى أيّ مسؤولٍ في مدينتنا بوسعه أن يؤثر على مصائر أجيالٍ كاملةٍ من سكانها.حالة الهياج الشهواني في مدينة الحلويات اللذيذة، لا تنقطع لدى أصحاب السلطة والنفوذ فيها، في المواسم كافة! يطلُّ بيتي في صيدا على شارعٍ تمرُّ منه السياراتُ باستمرار، مقرقعة، فوق سكةِ تصريفِ مياهٍ لم يُستَوْ تركيبُها على الطريقةِ المطلوبة، ممّا يحدث جلبةً لا تنقطع، وكأنّها رادار تعداد، مهمتُه أن يقيسَ حيويّةَ هذا الشارع الفرعي قوانين الضمّ والفرز التي قضت على أملاك الفقراء في البساتين الزاهرة، وتواطأ على طبخها وزراء ونواب ورؤساء بلديات ومخاتير الروح الصيداوية الباقيةمن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، “فيتيشات” يشتركون فيها مع كافة المسؤولين اللبنانيين، من دهاة الفساد والفهلوة الفينيقية التي تعني أن كلّ شيءٍ قابل لأن يُباع ويُشاع بدءًا من أدوية السرطان المغشوشة وصولًا إلى آثار الحضارات الغابرة.. ولكن من بينها ما هو خاصٌّ بالروح الصيداوية العتيدة.على اللائحة: قوانين الضمّ والفرز التي قضت على أملاك الفقراء في البساتين الزاهرة، وتواطأ على طبخها وزراء ونواب ورؤساء بلديات ومخاتير. مافيا جبال النفايات التي استفادت من أموال ضفتين نقيضتين، فقبضت من محبي البيئة وقبضت من كارهي البيئة، لتقبض في النهاية على صدور أهالي المدينة، وترسلهم إلى مراكز علاج سرطانات الغدد والرئة والبروستات والثدي، بفعل التلوّث الذي يستنشقونه أو يسبحون معه، لتتسلمهم بعد ذلك مافيا الأدوية وتمنحهم صحّة وفاةٍ سريعة. أموال المانحين الدوليين، فصيدا تحولت إلى بيضة ذهبٍ، تشعّ في مرايا صناديق الدول المانحة التي ترفع أسماءها في أزقّة المدينة العتيقة وعلى واجهاتها البحرية مع تفاصيل عن مشاريع وهمية لا ترى النور أو يُرمى من مكتسباتها الفتات لفقراء المدينة الذين ترفع صورهم في “بريزنتيشن” التنمية المستدامة، ويُصنع من معاناتهم فيديوهات “الريلز”. يتاجر بهم، وبكونهم “المثال الحيّ”، الذي يثبت حيويّة المدينة التاريخية التي لا تزال على قيد الحياة بعد 6000 سنة. هل هي كذلك فعلاً؟ وضعية البدائيحين تنفلت الشهوات المريضة، نعيش على وضعية “البدائية”: أن نأكل ونشرب، إن تأمّن الكفاف. وأن نمارس الحب، إن تأمّن المزاج، وأن نندب حظنا، باستمرار، ثمّ.. نموت!لا شيء إضافي سوى كمّ الأخبار التعيسة التي تحاصرنا، في يوميّات المدينة، لتؤكّد لنا أننا طالما على “وضعية البدائي”، فنحن بألف خير.هذا يندرج ضمن القاعدة الثانية التي تعلّمناها في الكليّة، وهي أن “الخبر هو أن يعضّ الرجلُ الكلبَ وليس أن يعضّ الكلبُ الرجلَ”!وحين يخرج صيداوي من بيته صباح أحد الأيام، ولا يعود إلّا جثةً لحضن أهله:• إما لأنّ مشافي المدينة تعجّ بالفيروسات المتغلغلة في أجهزة التنفّس، والتي تنخر أيضًا “مهارات” الطاقم التمريضي، قليل الخبرة والتعاطف، بينما يتنعم أصحابها بالثروات تضخّ لحساباتهم “الفريش” ليل نهار من دون أدنى تأكّد من مواءمة منشآتهم للاحتياجات الصحّية والإنسانية.• أو بالموت على الطرقات لأن قوانين البلدية ووظائفها المتعلقة بالإنارة العامة، وحفر الطرقات، وأدبيات طرق المشاة، والفتحات غير القانونية بين الشوارع، ومافيا بيع الموتوسيكلات ونشرها وتطبيع حماقاتها.. هي قوانين تنام في سرير الأدراج العتيقة.• أو لأن نسائم الصيف محمّلة بكل أنواع الروائح الغريبة، حتى أنها استعصت على أن يفكّكها مبدع أهم رواية عن الروائح كتبت في العصر الحديث وهي “العطر” لباتريك زوسكيند. رواحٌ نجحت في العيش والتمدد في الأثير الصيداوي، منها فوح جبل النفايات وأريج شبكات الصرف العشوائية وأيضًا نكهات خلطة تلك الأوساخ المتخمّرة المتروكة على الشاطئ.حين يحدث كلّ ذلك، يكون الأمر، أشبه بأننا لم نعد، لكثرة الأخبار السيئة، نعضّ على شفاهنا فقط، بل فعلاً على “الكلب”.لقد عضّ الرجل الكلب منذ زمن بعيد، لكن يبدو أنّ لا أحد يكترث فعلاً، لحالة الاستذئاب الشاذة التي تعيشها المدينة! لا حدود للجشع حين تمكّنه السلطة. لا حدود للقهر حين تموت إرادة الناس ويعتادوا على ما يُرمى لهم من فتات. لا حدود لـ"ضمّ" أرواح الناس في "المكبَس" الذي يذكرنا بمكبَس "سجون صيدنايا" آثمةِ الذكر. ولا لـ"فرز" الأصوات، بين "بطل" و"عميل". بين طبّال ومقرقع، يشبه حركة ذلك المجرور المزعج في حيّنا، وبين صوت صاحب ضمير وشريف ونبيل. وكل صوتٍ مغايرٍ وغير منتفعٍ هو بالضرورة صوت "خائن" و"عميل". وعن هذا مقامٌ آخر أكتبه لاحقًا عما جرى معي منذ أكثر من عشرين عامًا حين نشرت سلسلة مقالات أدين فيها، ما استمر إلى اليوم بإدانته في صيدا وعن صيدا. لكنني أختم بفقرةٍ من كتاب عاشور الذي بين يدي الآن، يدلّ على "التصور الأمني" الذي يقتضي بأن لكلّ فرد حيّزًا مقرّرًا لا يحقّ له مغادرته ويعتبر الخروج منه تعدّيًا أو تجاوزًا فيغدو من الغرباء المندسين لأنّه جاء من خارج هذا الحيّز.. يتحول المجتمع، بذلك، إلى سجون صغيرة.. ولا أجد مرادفًا لتعبير رضوى عاشور، في مدينتنا، عن "الحيّز" إلّا بمفردة.. الخضوع! فهل من جريء يقوى على مغادرة هذا الخضوع والصراخ بصوتٍ عالٍ! مدونة في سلسلة (2) عن صيدا وأشياء أخرى…