صَدمَةٌ فِي سُوقِ “المُبْدِعِينَ الرَّقْمِيِّينَ” فِي البَلَدِ. فَجْأَةً، وَمِن دُونِ سَابِقِ إِنْذَارٍ، تَوَقَّفَتْ عَمَلِيَّاتُ تَحوِيلِ أَرْبَاحِ مَنْصَّةِ “تِيك تُوك” إِلَى لُبْنَانَ، فَمَا الَّذِي جَرَى وَلِمَاذَا هَذِهِ الخُطْوَةُ الكَبِيرَةُ الَّتِي سَتَتْرُكُ آثَارًا عَلَى صُنَّاعِ المُحْتَوَى المَحَلِّيِّينَ وَعَلَى الاقْتِصَادِ…؟ في أَوَائِلِ “أَيْلُولَ الأَسْوَدِ” كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الآنَ فِي لُبْنَانَ، وُجِدَ مِئَاتٌ مِنْ صَنَّاعِ المُحْتَوَى اللُّبْنَانِيِّينَ أَنْفُسَهُمْ أَمَامَ صَدْمَةٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعَةٍ. فَالْقَنَوَاتُ الَّتِي كَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهَا لِسَحْبِ أَرْبَاحِهِمْ مِنْ تَطْبِيقِ “تِيك تُوك”، وَلا سِيَّمَا مِنْ مِيزَةِ البَثِّ المُبَاشِرِ وَالهَدَايَا الافْتِرَاضِيَّةِ، تَوَقَّفَتْ فَجْأَةً مِنْ دُونِ سَابِقِ إِنْذَارٍ. هَذَا التَوَقُّفُ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ تَعْطِيلٍ تِقْنِيٍّ عَابِرٍ، بَلْ مَسْأَلَةً مَالِيَّةً بِامْتِيَازٍ، إذْ تُشِيرُ مَصَادِرُ مَالِيَّةٌ مُتَابِعَةٌ إِلَى أَنَّ نَشَاطَ البَثِّ الحَيِّ وَحْدَهُ كَانَ يُدِرُّ مَا يُقَارِبُ مِلْيُونَ دُولَارٍ يَوْمِيًّا فِي المَحَافِظِ الرَّقْمِيَّةِ المُرْتَبِطَةِ بِمُسْتَخْدِمِي لُبْنَانَ. وَبِالنِّسْبَةِ لِلكَثِيرِينَ، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المَبَالِغُ مُجَرَّدَ أَرْقَامٍ عَلَى الشَّاشَةِ، بَلْ دَخْلًا يَوْمِيًّا سَاعَدَهُمْ عَلَى إِعَالَةِ أُسَرِهِمْ وَمُوَاجَهَةِ الأَوْضَاعِ الاقْتِصَادِيَّةِ القَاسِيَةِ. ارْتِيَابٌ وَأَنْشِطَةٌ إِجْرَامِيَّةٌبِحَسَبِ المَعْلُومَاتِ، فَإِنَّ التَّجْمِيدَ لَمْ يَأْتِ عَبْرَ إِعْلَانٍ رَسْمِيٍّ مِنَ الشَّرِكَةِ الأُمِّ، بَلْ كَانَ نَتِيجَةَ سِلْسِلَةِ إِجْرَاءَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ قَامَتْ بِهَا شَرِكَاتُ الوِسَاطَةِ وَمُزَوِّدُو خَدَمَاتِ الدَّفْعِ المَحَلِّيُّونَ، الَّذِينَ آثَرُوا وَقْفَ التَّحْوِيلَاتِ بانتِظَارِ آلاَتِ تَحَقُّقٍ أوْضَحَ مِنْ مَصَادِرِ الأَمْوَالِ. وَلَكِنْ خَلْفَ هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَبَاشِرَةِ، تَتَشَابَكُ أَسْبَابٌ مُتَدَاخِلَةٌ أُخْرَى. مِنْ جِهَةٍ، تَزَايَدَتِ الضُّغُوطُ التَّنْظِيمِيَّةُ الدُّوَلِيَّةُ وَالمَحَلِّيَّةُ بِشَأْنِ مَنْصَّاتٍ رَقْمِيَّةٍ تُتِيحُ تَحْوِيلَ الهَدَايَا الافْتِرَاضِيَّةِ إِلَى أَمْوَالٍ نَقْدِيَّةٍ، فِي وَقْتٍ يُوَاجِهُ فِيهِ لُبْنَانُ أَسَاسًا صُعُوبَاتٍ مُتَرَاكِمَةً تَتَعَلَّقُ بِتَصْنِيفِهِ عَلَى لَوَائِحِ المُرَاقَبَةِ الخَاصَّةِ بِمُكَافَحَةِ غَسْلِ الأَمْوَالِ وَتَمْوِيلِ الإِرْهَابِ. وَمِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ، تَزَامَنَ ذَلِكَ مَعَ كَشْفِ وَثَائِقَ قَضَائِيَّةٍ أَمْرِيكِيَّةٍ فِي العَامِ الجَارِي، تَضَمَّنَتْ إِشَارَاتٍ إِلَى تَحْقِيقَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ أَجْرَتْهَا “تِيك تُوك” نَفْسُهَا حَوْلَ اسْتِغْلَالِ مِيزَةِ البَثِّ المُبَاشِرِ فِي عَمَلِيَّاتِ غَسْلِ أَمْوَالٍ وَأَنْشِطَةٍ إِجْرَامِيَّةٍ مُنَظَّمَةٍ، وَهَذَا مَا عَزَّزَ مُنَاخَ الارْتِيَابِ لَدَى المَصَارِفِ وَمُزَوِّدِي الخَدَمَاتِ المَالِيَّةِ فِي لُبْنَانَ. فِي السِّياقِ نَفْسِهِ، يُعَانِي النِّظَامُ المَالِيُّ اللُّبْنَانِيُّ مِنْ قُصُورٍ وَاضِحٍ فِي التَّحَقُّقِ مِنْ هُوِيَّةِ المُسْتَفِيدِينَ وَمَصْدَرِ الأَمْوَالِ عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِتَدَفُّقَاتٍ رَقْمِيَّةٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. فَالْهَدَايَا الافْتِرَاضِيَّةُ تَتَنَقَّلُ دَاخِلَ المَنْصَّةِ قَبْلَ أَنْ تُطْلَبَ عَمَلِيَّةُ السَّحْبِ النَّقْدِيِّ عَبْرَ وَسَطَاءَ مَحَلِّيِّينَ، مَا يَجْعَلُ الشَّفَافِيَّةَ مَحْدُودَةً وَالِامْتِثَالَ ضَعِيفًا. وَمَعَ اِنْسِحَابِ بَعْضِ هَؤُلاَءِ الوُسَطَاءِ أَو تَجْمِيدِهِمْ نَشَاطَهُمْ، اِنْهَارَتْ سِلْسِلَةُ التَّحْوِيلَاتِ بِشَكْلٍ شِبْهِ كَامِلٍ. تَزَامَنَ التوقف مَعَ كَشْفِ وَثَائِقَ قَضَائِيَّةٍ أَمْرِيكِيَّةٍ تَضَمَّنَتْ إِشَارَاتٍ إِلَى تَحْقِيقَات أَجْرَتْهَا “تِيك تُوك” حَوْلَ اسْتِغْلَالِ مِيزَةِ البَثِّ المُبَاشِرِ فِي عَمَلِيَّاتِ غَسْلِ أَمْوَالٍ وَأَنْشِطَةٍ إِجْرَامِيَّةٍ، مَا عَزَّزَ مُنَاخَ الارْتِيَابِ لَدَى المَصَارِفِ وَمُزَوِّدِي الخَدَمَاتِ المَالِيَّةِ فِي لُبْنَانَ غسيلٌ وَتَبْيِيضُ أَمْوَالٍ؟تَفْتَحُ هَذِهِ التَّطَوُّرَاتُ البَابَ وَاسِعًا أَمَامَ سُؤَالٍ مُهِمٍّ: كَيْفَ تُسْتَخْدَمُ مَنْصَّاتُ البَثِّ المُبَاشِرِ فِي غَسْلِ الأَمْوَالِ؟ الفَيَلاتُ القَضَائِيَّةُ الَّتِي كُشِفَتْ أَخِيرًا تَصِفُ عَمَلِيَّةً تَكَادُ تَكُونُ كِلَاسِيْكِيَّةً. الأَمْوَالُ تَدْخُلُ بِدَايَةً كَرَصِيدٍ صَغِيرٍ عَلَى شَكْلِ هَدَايَا رَقْمِيَّةٍ تُرْسَلُ إِلَى حِسَابَاتٍ مُحَدَّدَةٍ، ثُمَّ تُجَمَّعُ عَبْرَ وَسَطَاءَ يَتَوَلَّوْنَ تَحْوِيلَهَا إِلَى خَارِجِ نِظَامِ التَّطْبِيقِ مُقَابِلَ عُمُولَاتٍ مُغْرِيَةٍ. بَعْدَ ذَلِكَ تُوَزَّعُ هَذِهِ المَبَالِغُ عَلَى حِسَابَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوْ تُسْتَبْدَلُ بِعُمَلَاتٍ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ تَعُودَ إِلَى السُّوقِ عَلَى شَكْلِ سِيُولَةٍ نَقْدِيَّةٍ، فِي عَمَلِيَّةٍ يُصَاحِبُهَا أَحْيَانًا اسْتِخْدَامُ فَوَاتِيرَ أَوْ عُقُودٍ وَهْمِيَّةٍ لِمَنحِهَا غِطَاءً قَانُونِيًّا. بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، يَتَحَوَّلُ تَطْبِيقٌ تَرْفِيهِيٌّ إِلَى وَاجِهَةٍ مُحْتَمَلَةٍ لِشَبَكَاتِ تَبْيِيضِ أَمْوَالٍ عَابِرَةِ الحُدُودِ. الأَثَرُ فِي لُبْنَانَ يَتَجَاوَزُ حُدُودَ المُبْدِعِينَ أَنْفُسِهِمْ. صَحِيحٌ أَنَّ الخَسَارَةَ المُبَاشِرَةَ يَتَحَمَّلُهَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ انْقَطَعَ دَخْلُهُمْ فَجْأَةً، لَكِنَّ التَّبِعَاتِ أَشْمَلُ بِكَثِيرٍ. إِذْ يَدْفَعُ التَّوَقُّفُ إِلَى الاعْتِمَادِ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ عَلَى قَنَوَاتٍ غَيْرِ رَسْمِيَّةٍ، مِثْلَ الوُسَطَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ خَارِجَ الأُطُرِ القَانُونِيَّةِ، وَهَذَا مَا يُفَاقِمُ مَخَاطِرَ الشَّفَافِيَّةِ وَيُعَزِّزُ الاقْتِصَادَ المَوَازِيَّ. كَذَلِكَ، فَمِثْلُ هَذِهِ الحَوَادِثِ تُعَمِّقُ مَخَاوِفَ البُنُوكِ المُرَاسِلَةِ الأَجْنَبِيَّةِ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ المُؤَسَّسَاتِ المَالِيَّةِ اللُّبْنَانِيَّةِ، مَا قَدْ يَزِيدُ مِنْ كُلْفَةِ المُعَامَلَاتِ الدَّوْلِيَّةِ وَيُضَعِّفُ سُمْعَةَ البِلَادِ المَصْرِفِيَّةَ التِي هِيَ بِحَاجَةٍ إِلَى إِنْعَاشٍ فِي أَحْسَنِ الأَوْقَاتِ. مَا العَمَلُ؟وِسْطَ هَذَا المَشْهَدِ، يَبْرُزُ سُؤَالٌ عَنِ الخُطُوَاتِ المُمْكِنَةِ. ثَمَّةَ حَاجَةُ إِلَى إِعْلاَنٍ شَفَّافٍ وَسَرِيعٍ مِنْ “تِيك تُوك” وَمُزَوِّدِي الخِدْمَةِ المَحَلِّيِّينَ وَمَصْرِفِ لُبْنَانَ حَوْلَ حَجْمِ الأَمْوَالِ المُجَمَّدَةِ وَآلِيَّاتِ اسْتِرْدَادِهَا. كَمَا أَنَّ وَضْعَ قَنَوَاتِ تَحْوِيلٍ مُرَخَّصَةٍ وَمُبَسَّطَةٍ تَرْعَى مَعَايِيرَ الامْتِثَالِ بَاتَ ضَرُورَةً لا مَفَرَّ مِنْهَا، وَذَلِكَ عَبْرَ شَرَاكَاتٍ مَعَ بَوَّابَاتِ دَفْعٍ دُوَلِيَّةٍ تَتَبَنَّى مَعَايِيرَ صَرِمَةً فِي التَّحَقُّقِ مِنْ الهُوِيَّةِ وَمَصْدَرِ الأَمْوَالِ. فِي المَدَى القَرِيبِ، تَبْدُو الحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى حِمَايَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ لِصَنَّاعِ المُحْتَوَى الَّذِينَ وُجِدُوا أَنْفُسَهُمْ فَجْأَةً بِلَا دَخْلٍ، وَإِلَى إِجْرَاءَاتٍ قَضَائِيَّةٍ صارِمَةٍ لِمُلاَحَقَةِ الوُسَطَاءِ غَيْرِ الشَّرْعِيِّينَ الَّذِينَ قَدْ يَسْتَغِلُّونَ هَذِهِ الفَجْوَةَ لِتَوْسِيعِ شَبَكَاتِ غَسْلِ الأَمْوَالِ. تَكْشِفُ حَادِثَةُ "تِيك تُوك" فِي لُبْنَانَ ازْدِوَاجِيَّةَ العَالَمِ الرَّقْمِيِّ المُعَاصِرِ. فَمِنْصَةٍ تُسَوِّقُ نَفْسَهَا كَفَضَاءَةٍ لِلِابْدَاعِ وَالتَّرْفِيهِ، قَدْ تَتَحَوَّلُ فِي غِيَابِ الضَّوَابِطِ إِلَى قَنَاةٍ مَالِيَّةٍ مَوَازِيَّةٍ يَصْعُبُ رَصْدُهَا. وَمَا بَيْنَ حَاجَةِ الشَّبَابِ إِلَى مَصْدَرِ دَخْلٍ سَرِيعٍ وَرَغْبَةِ المُجْتَمَعِ الدُّوَلِيِّ فِي إِغْلَاقِ ثُغَرَاتِ غَسْلِ الأَمْوَالِ، يَقِفُ لُبْنَانُ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ مُفْتَرَقِ طُرُقٍ. إِمَّا أَنْ يَسْلُكَ دَرْبَ التَّنْظِيمِ وَالشَّفَافِيَّةِ فَيَفْتَحَ أَمَامَ مَوَاهِبِهِ آفاقًا قَانُونِيَّةً مُسْتَقِرَّةً، وَإِمَّا أَنْ يَبْقَى أَسِيرَ الفَوْضَى حَيْثُ تَتَحَوَّلُ الِابْتِكَارَاتُ إِلَى مَخَاطِرَ، وَتَبْقَى الأَمْوَالُ رَهِينَةَ التَّعْقِيدَاتِ.
لا يمكن لأيّ مُراقبٍ مُنصِفٍ أن يتجاهل الحضورَ الدينيَّ النابضَ في قلب مدينة صيدا. فالشواهدُ تتجلّى في كلِّ زاويةٍ، من حلقاتِ الذِّكر التي تَعمُرُ بها المساجدُ، إلى المهرجاناتِ القرآنيّة وتخريجِ أفواجِ حَفَظةِ كتابِ الله، وصولاً إلى مشهدِ صلاةِ الفجرِ التي تَكتظُّ بها بعضُ مساجدِ المدينةِ حتى أصبحتْ علامةً فارقةً لها. ولا يَغيبُ عن الذاكرةِ وهجُ “الحركةِ الأسيريّة” التي حوّلتْ منطقةَ “عبرا” إلى منارةٍ دعويّةٍ نشطة، قبل أن تنطفئ في أتونِ صراعٍ مأساويٍّ دفع ثمنَه شبابُ أهلِ السُّنّة، بعد اصطدامها بقوى من داخلِ البيتِ السُّنّي وخارجه، أبرزُها حزبُ الله وحركةُ أمل. سؤال الهُويّة الأكبر رغم كلِّ هذه المظاهر، يظلُّ السؤالُ الجوهريُّ قائمًا: هل صيدا مدينةٌ “إسلاميّة” بالمعنى الهُويّاتيّ الشامل؟ وهل نجح الإسلاميون في صبغِها بهذه الصبغة؟الجوابُ، بكلِّ وضوحٍ، هو: لا. صيدا ليست مدينةً إسلاميّة بالتعريفِ الصِّرف للهُويّة. هي مدينةٌ محافظةٌ يَغلُب عليها الطابعُ الدينيُّ السُّنّي، وهو ما يظهرُ جليًّا في الاحتفالاتِ وزينةِ الشوارع، التي لا يَكسِرُها إلا مناسباتٌ استثنائيّة كرأسِ السنة. لكنّ هذا الطابعَ المحافظ لم يُترجَم إلى هُويّةٍ إسلاميّةٍ راسخة. فلماذا هذا الإخفاق؟ يمكنُ إيجازُ الأسبابِ في ثلاثةِ محاورَ رئيسيّة: ضعفُ وغيابُ للرؤية يكمنُ الضعفُ الأبرزُ في غيابِ رؤيةٍ استراتيجيّةٍ موحّدة. فالتحرّكاتُ غالبًا ما تكونُ ردودَ فعلٍ متناثرةً تفتقرُ إلى الحكمةِ والجاذبيّة؛ فهُنا تُغلَقُ شوارعُ اعتراضًا على حفلٍ تحت شعار “صيدا لن ترقص”، وهناك تُستخدَمُ قضايا كبرى مثل غزّة كمتراسٍ دفاعيٍّ بدلًا من أن تكون منطلقًا للعملِ البنّاء. لو امتلك الإسلاميون قوّةَ التأثير الدعويّ، المبنيّ على بصيرةٍ ومحبّةٍ، لأصبحتْ مهرجاناتُ الآخرين مجرّدَ أصداءٍ باهتة. التجربةُ الشخصيّةُ تُثبت أنّ الجمهورَ مُتعطّشٌ للبديلِ الهادف؛ فقد تجاوز الحضورُ في مهرجانٍ رياضيٍّ وإنشاديٍّ أُقيمَ في قلبِ صيدا 2500 شخص، معظمُهم لم يكونوا من الملتزمين بالضرورة. هذا يُثبت أنّ الساحةَ خصبةٌ، لكنّها تحتاجُ إلى زارعٍ ماهر. إنّ ضعفَ التأثيرِ يترجمُ نفسَه بوضوحٍ في صناديقِ الاقتراع، حيث لا يتجاوزُ رصيدُ الإسلاميين في الانتخاباتِ النيابيّة والبلديّة 3500 صوت، وهو رقمٌ ضئيلٌ لا يَعكسُ حجمَهم الحقيقيَّ المُفترَض، ويَكشِفُ عن عجزٍ في تحويلِ التعاطفِ إلى قوّةٍ سياسيّةٍ فاعلة. يترجم ضعفَ التأثيرِ نفسَه بوضوحٍ في صناديقِ الاقتراع، حيث لا يتجاوزُ رصيدُ الإسلاميين في الانتخاباتِ النيابيّة والبلديّة 3500 صوت، رقمٌ ضئيلٌ لا يَعكسُ حجمَهم الحقيقيَّ المُفترَض هيمنة العلمانية المشهدُ السياسيُّ السُّنّي في صيدا يخضعُ، للمفارقة، إلى هيمنةِ تيّاراتٍ علمانيّةٍ بعيدةٍ كلَّ البعد عن الالتزامِ الدينيّ. فالمقعدان النيابيّان المخصّصان للطائفةِ تُسيطرُ عليهما أحزابٌ تتراوحُ بين العلمانيّة الليبراليّة، واليساريّة، والبعثيّة. في أفضلِ الأحوال، قد نجدُ سياسيًّا يُصلّي ويصوم، ولكنّه يتبعُ نهجًا انتقائيًّا يَغلُب عليه الطابعُ الشكليّ، حيث يُنظرُ إلى الدعوةِ للعودةِ إلى الكتابِ والسُّنّة على أنّها “رجعيّة”. هذا التباينُ العميقُ ألقى بظلالِه على الحركاتِ الإسلاميّة نفسها، التي انقسمتْ وتشرذمتْ في خياراتِها السياسيّة، كما ظهرَ جليًّا في الانتخاباتِ البلديّة الأخيرة، ممّا أكّد أنّ النماذجَ الملتزمة ليستْ هي القاطرةَ التي تقودُ المشهد. فراغُ المرجعيّة وتوظيفُ الدين تُعاني صيدا من غيابِ مرجعيّةٍ دينيّةٍ حقيقيّةٍ ومستقلّة. فغالبيةُ المشايخِ موظّفون ضمن “دار الفتوى”، وهي مؤسّسةٌ رسميّة تتبعُ دولةً لا ينصُّ دستورُها على هُويّتِها الإسلاميّة، بل يَعترفُ ويُقنّن مؤسّساتٍ تتناقضُ مع أبسطِ مبادئِ الدين. يُضافُ إلى ذلك، أنّ بعضَ حاملي الرسالةِ الدينيّة يفتقرون إلى العمقِ العلميّ والتأهيلِ الكافي، ممّا يُضعفُ من قدرتِهم على التأثيرِ والإقناع. وفي ظلّ غيابِ المرجعيّاتِ الراسخة التي كانت تُمثّلُها الأجيالُ السابقة، ظهرتْ “أشباهُ مرجعيّات” باتتْ تدورُ في فلكِ رجالِ المالِ والسياسة، وتُصدِرُ فتاوى تُرضي أهواءَهم طمعًا في مكاسبَ دنيويّة، ممّا أفرغَ الخطابَ الدينيَّ من مصداقيّتِه. المواجهةُ تبدأ من الذات قبل أن تُوجّهوا اللومَ إلى الناشطِ العَلمانيّ، أو المناضلِ اليساريّ، أو المستثمرِ في الفنِّ الهابط، أو حتى “المُستشيخ” الذي يطرقُ أبوابَ السلطة، عليكم أن تتوقّفوا وتلوموا أنفسَكم. فالعِلّةُ تكمُنُ في تقصيرِكم عن ترتيبِ البيتِ الداخليّ، وفي استغلالِ الدينِ لمصالحَ شخصيّةٍ ضيّقة. الطريقُ نحو التغيير طويلٌ وشاقّ، ولا يمكن أن يبدأ إلا بخطوتين متلازمتين: الإيمانُ والعمل. الإيمانُ يتجذّرُ بالوعيِ العقائديّ الصحيح، والعملُ يتجسّدُ في تقديمِ نماذجَ قياديّةٍ مُلهِمة وتطبيقٍ عمليٍّ على أرضِ الواقع. لن تتغيّرَ صيدا بين ليلةٍ وضحاها، بل بالصبرِ والعملِ الدؤوبِ وتقوى الله. حينها فقط، قد ترتدي المدينةُ "تاجَ الوقار" الذي تتمنّونه، وتتشكلُ الهُويّةُ التي تسعونَ إليها.
قام أحدُ “الطامحين” للعبِ دورٍ في منصبٍ سياسيٍّ مأمولٍ في مدينة صيدا، بزيارةٍ بعيدًا عن الأضواء لرئيس “التيار العوني” جبران باسيل، في محاولةٍ لجسِّ النبض حول خارطةِ التحالفات التي من المتوقَّع أن تتبلور على نارٍ هادئة في معركةِ الانتخاباتِ النيابيّة في منطقة صيدا–جزين. وعلى الرغم من أنّ “مشروع المرشَّح” هذا لم يحسم أمرَه بعد، لناحية الترشّح من عدمِه، بانتظار قرارِ أحد الأقطابِ السياسيّة الحاضرة في المدينة، إلّا أنّ الزيارةَ تضمّنت العديدَ من الأسئلة الاستيضاحيّة حول موقف “التيار الوطني الحر” من “مرشّحٍ ناشط” بعينه دون سواه، باعتباره يُشكّل تهديدًا مباشرًا للطامحِ السياسي، لأسبابٍ عديدةٍ تتداخلُ فيها الشخصيُّ بالعائلي.