تَوَقَّفَت إِحْدى الشَّخصيّاتِ الصَّيداوِيّةِ المُخَضرَمَةِ، الّتي تَمتَلِكُ باعًا طَويلًا في العَمَلِ السّياسيِّ وقَضايا الشَّأنِ العامّ، عندَ ما يَشهَدُهُ المَجلِسُ البَلَديُّ الجديدُ في المدينةِ من مُشكلاتٍ مُتواصِلَةٍ بين أعضائِه، وبينَ المَجلِسِ البَلَديِّ الجديدِ في “حارَةِ صَيْدا”، وهي مُقارَنَةٌ طبيعيّةٌ يقومُ بها الكَثيرُ من الناسِ بحُكمِ القُربِ والتّداخُلِ بينَ البَلَدِيّتَيْنِ. وقالَ: “تَبَيَّنَ بالمَلموسِ أنّ الأمرَ لا يَتَطَلَّبُ أن تَكونَ مُتَحصِّلًا على شَهاداتٍ وتَنويهاتٍ وجَوائزَ ومَقضِيَّها سَفَراتٍ إلى بَرشَلونةَ وكَنَدا، انظُرِ الفارِقَ بينَ مُصْطَفى حِجازي، ورَئيسِ بَلَدِيّةِ (الحارَةِ) مُصْطَفى الزَّيْنِ الّذي تَراهُ بينَ الناسِ وفي الشّوارِعِ والمُناسَباتِ يُشرِفُ على تَحقيقِ الاعمال وتسيير شؤؤن أبناء بلدته. في فَترةٍ بَسيطةٍ نَجَحَ في إحداثِ فَوارِقَ مَلموسةٍ، عِلمًا أنّنا كُلَّنا في صَيْدا نَعرِفُهُ جَيِّدًا، بَينَما حِجازي غارِقٌ كُلَّ يومٍ مِن مُشكِلةٍ إلى مُشكِلةٍ، وصَيْدا هي الّتي تَتَأثَّرُ سَلبًا في كُلِّ ذلك، حتّى صِرنا نَحكي بِبَلَدِيّةِ الحارَةِ باعتِبارِها نموذجاً ناجحاً… للأسَف”.
في اجتماعٍ عُقِدَ بعيدًا عن الأعين أخيراً، طلبَ قُطبٌ سياسي مؤثر في صيدا من رئيسِ إدارةٍ تنفيذيةٍ وأحدِ الأعضاءِ الفاعلين فيها، تأجيلَ المضيِّ في دعوى قضائيةٍ كان يجري التحضيرُ لها بحقِّ مرفقٍ اقتصاديٍّ حيويٍّ وأساسي في صيدا، بعد سلسلةٍ من التجاوزاتِ والمخالفاتِ التي شابت مسيرةَ عملِه لسنواتٍ. هذه الخطوة، فسرتها مصادرٌ سياسيةٌ متابعةٌ أنَّها تندرجُ في إطارِ عدمِ إثارةِ المشاكلِ مع قوة سياسيةٍ أُخرى فاعلةٍ في المدينة، وذلك قبيلَ اتضاحِ خارطةِ التحالفاتِ في الانتخاباتِ النيابيةِ المقبلة، ما يُؤشِّرُ إلى احتمالٍ قائمٍ بخوضِ المعركةِ الانتخابيةِ بتحالفٍ بين هاتين القوّتَين، الأمرُ الذي يتطلّبُ عدمَ افتعالِ مشكلاتٍ بينهما في هذه الفترةِ قد تؤثّرُ على تحالفِهما مستقبلا.
فَجأةً، وبِلا سابِقِ إنذارٍ، ورغم أنَّني حاولتُ ألّا أَنتقِدَ البلديّةَ التي دعَمت سَبعةَ أعضاءٍ ليكونوا ضِمنَ هيكلِها البلديّ، علَّهم يُغيِّرون، ليكونَ صوتُ صيدا مَسموعًا — لكن بَعضَ مَن فيها يُجبِرك أن “تكسِرَ الجرّةَ” وتتكَلَّم!أيُّ بلديّةٍ أنتُم؟ وعلى ماذا ارتكَزتُم؟ ولأنَّني أُريد أن أكونَ ناقدًا بصِدق، فاسمَحوا لي أن أَسأل:هل يمكنُكم أن تُوضِّحوا للنّاس، للصيداويّين، وللمجتمعِ اللبنانيّ كُلِّه، ما هي العناصِرُ التي اعتَمدتُم عليها في قرارِكم رفضَ مشروعِ “حِمى الزّيرة” الذي قدَّمه الاتِّحادُ الأُوروبّي؟ما هي السَّلبيّاتُ؟ وما الإيجابيّات؟ ومَن المُخوَّل أصلًا أن يُصدِرَ قرارًا وبيانًا بهذه الطَّريقةِ الفيسبوكيّةِ التي يُمرَّرُ فيها هروبٌ من الاتِّحادِ الأُوروبّي؟هل لي أن أعرِفَ إلى متى هذا الاستِهتارُ بعقولِ الصَّيداويّين خاصّةً، واللبنانيّين عامّةً؟ عقم مميت تقولون: “ارتأتِ البلديّةُ أنَّ الحفاظَ على الجزيرةِ بوضعِها الحاليِّ هو الخيارُ الأنسب.”ارتأت؟! كيفَ ارتأت؟ ومَن الذي ارتأى أصلًا؟ ما هذا الأسلوبُ المُستفِزّ؟ بلديّةٌ عقيمة، محاوَلاتٌ فرديّةٌ هنا وهناك، وبعضُ رجالِ الأعمال — نُحترِمُهم “بتحفُّظ” — وبعضُ النّاشطينَ يُزفِّتون طريقًا من هنا، أو يُنظِّمون نشاطًا رياضيًّا من هناك، أو يَجمعون كلابًا شاردة! أن ترفُضوا مشروعًا من الاتِّحادِ الأُوروبّي دونَ أن يَعرِفَ النّاسُ ما هو؟ لا دراسات، لا نقاشَ عامّ، لا عَرضَ على المجتمعِ المَدنيّ أو الفضاءِ العامّ، لا شيء كنّا نَنتظرُ مشاريعَ حقيقيّةً: إعادةَ مَعملِ تدويرِ النّفاياتِ إلى سُلطةِ البلديّة، مُراقبةَ مَعملِ تَكريرِ مياهِ المَجاري، فَرضَ رِقابةٍ على مَعملِ تَكريرِ النّفاياتِ الطّبيّة، مشروعَ فُندقٍ على شاطئِ صيدا، أو حتّى حُلمًا بجِسرٍ بسيطٍ يُوصِلُنا إلى الزّيرةِ التي ارتأيتُم أن تترُكوها “كما هي”! أيُّ وضعٍ حاليٍّ هذا؟ جزيرةٌ تُستَخدَمُ شَهرَينِ في السَّنةِ، وباقي السَّنةِ لِبَعضِ الصَّيّادين وأصحابِ المَراكب؟ تقولون “الحفاظُ على إرثٍ طبيعيٍّ وتاريخيٍّ وإنسانيٍّ”؟أن ترفُضوا مشروعًا من الاتِّحادِ الأُوروبّي دونَ أن يَعرِفَ النّاسُ ما هو المشروع؟ لا دراسات، لا نقاشَ عامّ، لا عَرضَ على المجتمعِ المَدنيّ أو الفضاءِ العامّ، لا شيء! أين الناس؟ أقلَّه اطرَحوا الفِكرةَ على النّاس، على الإعلام، على النُّشطاءِ البيئيّين، لنعرفَ على ماذا “ارتأيتُم”!ضَعوا الشّروطَ، ناقِشوا البُنودَ، لا بأس. لكن أن ترفُضوا لأنَّ “الوضعَ الحاليَّ أنسب”؟فهذا كلامٌ مُستفِزٌّ وساخِرٌ من عقولِ النّاس. ثم لِنكُن صادقين: الزّيرةُ اليومَ هي جزيرةٌ “تنفيعيّة” للبعضِ المحسوبينَ على أطرافِكم، لِمَن يَقدِر أن يُرجِّحَ كفّةً انتخابيّةً ساعةَ الصّندوقِ حين يُفتَحُ وتُطلَى الأصابعُ باللّونِ النّيليّ، و”الانتخاباتُ قَرُبت”.والكُلُّ في صيدا يَعلمُ تمامًا كم يُباعُ فيها الرُّبعُ ونِصفُ الرُّبعِ والسّيجارةُ “المَلغومة”.فلا “تَستَهبِلوا” أهلَ صيدا، ولا تُحاوِلوا تَمريرَ هذا الكلامِ على أنَّه “حِفاظٌ بيئيّ”! ظنَّ النّاسُ أنَّ البلديّةَ الجديدةَ ستكونُ مُختلِفة، بلديّةً شبابيّةً شفّافة، فإذا بنا نرى أنَّ النّزولَ إلى القاعِ صار أسرعَ من أيِّ وقتٍ مضى. ثم تتحدَّثون عن رَمزيّةٍ بيئيّةٍ وسياحيّةٍ وثقافيّة؟هل أنهَيتُم ترميمَ القلعةِ البحريّةِ التي نصَحَ أكثرُ من مُهندسٍ صيداويٍّ بعدمِ اللَّعبِ بحِجارتِها وشكلِها العُمرانيّ، وعدمِ استخدامِ الحديدِ الذي سيَصدأ؟هل رمَّمتُم القلعةَ البرّيّة؟هل أصلحتُم بلاطَ الجور في شوارعِ السّوق؟ كُلُّ هذا مُؤجَّل، لكن “الزّيرةَ بوضعِها الحاليّ” هي الأولويّة! الزّيرةُ ليست أرضًا لتُجّارِ الانتخابات، ولا حكايةً للتّصريحاتِ الفيسبوكيّة.الزّيرةُ هي “مالديف صيدا” الحقيقيّة — هكذا يُسمّيها الصَّيّادنةُ — الزّيرةُ الجميلةُ التي تَستحقُّ أن تُوضَعَ على الخريطةِ السّياحيّةِ بمشروعٍ جادٍّ يَحميها من الفوضى ويَصونَ هويّتَها، رغم أنَّها شَهِدَت شيئًا من الإصلاح، ولا نُنكرُ فضلَ جمعيّةِ حمايةِ الزّيرة. ساعِدوا الصَّيداويّين أن يتنفَّسوا حقًّا، لا بياناتٍ تَمريريّة. أن يعيشوا جزيرتَهم وبحرَهم وبرَّهُم، لا "ما ارتأيتُم".