يعودُ الجدلُ حولَ مَصيرِ السوقِ التجاريِّ في مدينةِ صيدا إلى الواجهةِ من جديد، مع اقترابِ فصلِ الشتاءِ وتجدُّدِ المخاوفِ من تحوُّلِ شوارِعِه إلى بُرَكٍ مائيَّةٍ وحُفَر. فبعدَ سنواتٍ من مشروعِ إعادةِ التأهيل الذي أثارَ الكثيرَ من الانتقادات، والذي استبدلَ الزِّفْتَ بالبِلاط، تتصاعدُ الأصواتُ المُطالِبةُ بإيجادِ حلٍّ جذريٍّ لهذه المعضلةِ التي أثَّرت سلبًا على الحركةِ التجاريّةِ وجماليّةِ المدينة لقاءٌ حاسم من المُقرَّر أن يلتقي رئيسُ جمعيّةِ تجّار صيدا، علي الشّريف، برجلِ الأعمالِ والمُقاوِل محمّد دَنش يومَ الجمعةِ المُقبل، لبحثِ سُبُلِ التعاونِ لإجراءِ تصحيحاتٍ وتأهيلِ السوقِ التجاريّ. يُذكَر أنَّ دنش هو المُقاولُ ذاته الذي نفَّذ المشروعَ الأصليَّ قبلَ سنوات، والذي شهِد نزعَ الزِّفْتِ وتبليطَ الشوارع، تحت إشرافِ المهندسِ الاستشاريِّ عبد الواحد شهاب. هذا المشروعُ، الذي وصفته المنشوراتُ البلديّةُ السّابقة بأنَّه “سيَضُخُّ الحياةَ والجَمالَ في قلبِ المدينة”، تحوَّل إلى مصدرِ معاناةٍ حقيقيّة، مُخلِّفًا شوارعَ مليئةً بالحُفَر وبِلاطًا مُتضرِّرًا. تكلفةٌ باهِظة ونتائجُ مُخيِّبة لم تقتصرِ المشكلةُ على سوءِ التنفيذِ فحسب، بل امتدَّت لتشملَ التكلفةَ الباهظةَ للمشروع. فقد تمَّ تلزيمُه في البدايةِ بمبلغ 14 مليون دولار أميركي، لترتفعَ قيمتُه النهائيّةُ إلى 22 مليون دولار عندَ الانتهاءِ من الأعمال. وفي تعليقٍ يكشفُ عن عُمقِ المشكلة، يُشيرُ مهندسٌ فضَّل عدمَ الكشفِ عن اسمِه إلى أنَّ “المشروعَ صُمِّم ليكونَ السوقُ التجاريُّ للمشاةِ فحسب، ولم يتمَّ احتسابُ أنَّ السيّاراتِ والشاحناتِ ستبقى تدخلُ السوق”، ممّا يُفسِّرُ التدهورَ السريعَ للبِلاط. لم تقتصرِ المشكلةُ على سوءِ التنفيذِ فحسب، بل امتدَّت لتشملَ التكلفةَ الباهظةَ للمشروع. فقد تمَّ تلزيمُه في البدايةِ بمبلغ 14 مليون دولار أميركي، لترتفعَ قيمتُه النهائيّةُ إلى 22 مليون دولار انقسامٌ في الآراء يدورُ حاليًّا خلافٌ حادٌّ حولَ الحلِّ الأمثلِ لهذه المشكلة. ففي حين تُؤكِّدُ مصادرُ مُقرَّبة من بلديّةِ صيدا أنَّ وزارةَ الأشغالِ قد وفَّرت كميّاتٍ كافيةً من الزِّفْت لإعادةِ تزفيتِ السوقِ التجاريِّ بدقّة، مع الإبقاءِ على الأرصفةِ الحاليّة، فإنَّ هذا الحلَّ لا يلقى قَبولًا واسعًا. فالعمليّةُ المثاليّةُ لإعادةِ التأهيل تتطلّب نزعَ البِلاطِ الحالي وصَبَّ الأرضيّةِ مُجدَّدًا قبل وضعِ بِلاطٍ بأحجامٍ كبيرة، وهو ما يُعتَبَرُ غيرَ ممكنٍ حاليًّا ويحتاجُ إلى مُراقبةِ اختصاصيّين. من جانبِهم، يُعبِّر معظمُ التجّار عن تفضيلِهم للزِّفْت. يقول التاجرُ محمود قِبلاوي: “إنَّ معظمَ التجّار مع تزفيتِ الشوارع والتخلُّص من كارثةِ التبليط التي تمَّت بطريقةٍ غير دقيقة وبدون رقابةٍ فعليّة”. وتُوافقه الرأيَ سُميحة بيساني، صاحبةُ أحدِ المحالِّ التجاريّة، قائلة: “نُفضِّل تزفيتَ الشوارع، كي لا نقعَ ضحيّةَ الوحولِ والمياهِ الآسنة بعدَ هطولِ المطر، وإذا يُريدون التبليط كشوارعِ إسطنبول يجب أن يكونوا بقدرةِ سلطاتِ إسطنبول”. كما يُؤكِّد مسؤولٌ في مؤسّسةِ مدلل التجاريّة: “من المؤكَّد أنَّنا نُفضِّل التزفيتَ كي لا نعيشَ أيّامًا مُزعجةً كالأيّام الماضية”. على النقيضِ تمامًا، يقف رئيسُ جمعيّةِ التجّار علي الشّريف موقفًا حازمًا ضدَّ العودةِ إلى الزِّفْت، معتبرًا ذلك “عودةً عقودًا طويلةً إلى الخلف”. ويُشدِّد على أنَّ “معظمَ شوارعِ المدنِ التجاريّة قد تمَّ تبليطُها”. ويقترحُ تزفيتَ الشوارعِ المُحيطةِ بالسوق بدلاً من داخله، بل ويذهبُ إلى حدِّ التهديدِ بتركِ منصبِه كرئيسٍ للجمعيّة في حالِ الإصرارِ على التزفيت. قرارُ البلديّة ومستقبلُ السوق أمامَ هذا التبايُنِ في الآراء، يبقى السؤالُ الأهم: ماذا سيحدث؟ أحدُ أعضاءِ المجلسِ البلديِّ في صيدا يُؤكِّد أنَّ “البلديّة ستلتزمُ رأيَ الأكثريّة من التجّار”. ومعظمُ هؤلاء، كما يتَّضح، يرغبونَ في التزفيت قبلَ حلولِ فصلِ الشتاء لتجنُّب تحوُّلِ الشوارع إلى بُرَكٍ مائيّة، وقد وقَّعوا عريضةً بهذا الشأن. القرارُ النهائيُّ يقعُ على عاتقِ السّلطةِ المحليّة، أي المجلسِ البلديّ، ليُقرِّر مصيرَ السوقِ التجاريِّ في الأيّامِ القادمة. فهل ينتصرُ الزِّفْتُ على البِلاط، أم أنَّ الجدلَ سيستمرّ، تاركًا السوقَ التجاريَّ في صيدا يُواجِهُ مَصيرَه مع كلِّ قطرةِ مَطر؟
في خطوة غير مسبوقة، كشفت مبادرة أهلية أطلقتها مؤسسة أبو مرعي الخيرية بالتعاون مع بلدية صيدا، عن تحديات عميقة تواجه السلطات الرسمية في مكافحة ظاهرة التسول المنظم. فبعد أسبوع واحد من تطبيق المبادرة، اختفى المتسولون من ساحة إيليا وتقاطع سبينيس، ما يثير تساؤلات حول قدرة الدولة على فرض القانون في قضايا أقل تعقيداً من حصر السلاح.
لِبُرهةٍ من الوقت، تُحسِّنُ الظنَّ. تُخالُ أنَّ كثرةَ السَّفرِ إلى خارجِ حدودِ “الأولي”، خاصّةً إلى مدنٍ كبرشلونة (ولو حتّى على حساب الـNGOs)، قد تُفيدُ صاحبَها في توسيعِ آفاقِه، والاطّلاعِ على تجاربِ الشّعوبِ والحضاراتِ في ترقّي سُلَّمِ التطوّرِ والنّماء.تأمُلُ أن يكونَ قاصدُها قد أُصيبَ بعدوى الحقوقِ المدنيّة، وشَغْلِ المؤسّساتِ، مبدأ الثوابِ والعقاب. لكن في “لحظةِ تخلٍّ”، و”ولدنة” تسقطُ كلُّ الآمالِ المعقودة بتحسّنٍ مُرتجى، وتجدُ أنّ الطَّبعَ يغلِبُ التطبّع، مهما تجمَّل وتزيَّف، فتكونُ “السَّقطة” المُدوِّية كتلك التي أقدمت عليها بلديّةُ صيدا أمس بتقديمِ بلاغٍ بحقِّ “جريدة” البوست (راجعِ التراخيصَ على الموقعِ الإلكتروني للبوست وتواريخَ الصّدور… نشر مطبوع) إثارةُ النّعراتِ الطائفيّة والمذهبيّة، المادة /317/ عقوبات”، صُلبُ الدّعوى المُقدَّمة من محامي البلديّة بحقّ “البوست”. تحتارُ: أَتضحكُ أم تَحزنُ على مساكينَ لا يفقهون لغةَ الضّاد في زمنِ التِّيك توك؟ تتساءل: هل قرأ رئيسُ البلديّة ومحاميها والأعضاءُ المقالَ، أم سارعَ “كبيرُهم” لتنفيذِ حتّى مجرّد إشارات “لتبييض طناجر” أمام مَن يعلوهم في السُّلَّمِ الوظيفي وقضايا الشأنِ العام؟ لماذا تعمد المدعي اسقاط صفة ، السؤال عن المقال، ارضاء لخفة كائن لا تحتمل، عذرا ميلان كونديرا… جُلُّ المقالِ موضوعِ الدّعوى، تساؤلٌ عن سببِ إقدام المحافظ على إقفالِ مَسلخِ العاصمةِ الثالثة للبلد في توقيتٍ محدَّد، بعد حادثةٍ يتناولها معظمُ أهالي صيدا ربطاً ببيعِ التينِ والصبر. فالمسلخُ مأساةٌ وفضيحةٌ منذ سنين، فلماذا حصلَ الإقفالُ أخيراً؟مَنطقيّاً، قد تتفهَّم أن يُقدِمَ المحافظُ على رفعِ الدّعوى، لكن أن يُقدِمَ رئيسُ البلديّة على رفعِ دعوى بحقِّ مَن يُفترَضُ أنَّه يتحدَّثُ عن وجعِ ومشكلات من انتخبهم، فتلك أمورٌ لا تجدُ لها تفسيراً عقلياً، سوى مزيدٍ من الانبطاح لأجسادٍ لم تَعرِف معنى انتصابِ القامات يوماً. حفلةٌ من المُزايداتِ والتزلّفِ المُصطنع، إرضاءً لتفاهاتٍ لا “تُصرَفُ” في ميدانِ الشأنِ العام، إلّا فتاتَ خدماتٍ وصُوَراً سَمِجةً لدُروعٍ تكريميّة، وقَصَّ شرائط، وابتساماتٍ بلهاء في الصّفوف الأولى لتجمّعاتٍ بشريّة خاوية. قد يكونُ العُذرُ الوحيدُ الذي قد نَلتمسُه لكم، أنَّكم “غِلمانٌ” حديثو عهدٍ بقضايا الناس، التي لا تعنيكم، كما الكرسيّ التي طَرَأتم عليها في غفلة. تربَّيتُم على نمطٍ سخيفٍ من صحافةٍ بليدةٍ فارغة، معروفةِ الثمنِ وشكلِ الكتابة، لا تُجيدُ حتّى صحافةَ “استقبلْ وودِّعْ” بمعناها الخليجي. ولم تعتادوا مواجهةَ المشاكلِ بصدقٍ ومهنيّة، لأنَّ الحلولَ عندكم تكونُ بكَنسِ الوَسَخِ تحت السجّادة، والهروبِ من التخطيطِ الاستراتيجي، والاعتمادِ على الزبائنيّةِ والارتجال. عليكم أن تعتادوا نمطاً مختلفاً، منذ أن انطلقت “البوست” في مسيرتِها المهنيّة المتجدّدة قبل أشهر، سواءٌ أعجبَكم ذلك أم لم يُعجبكم. لا خيارَ لكم في ذلك البتّة.لن تكونَ صيدا، مدينةُ التاريخِ والكفاءات والنّاسِ الطيّبين، “مَمسَخةَ جُوخٍ” على موائدِ الطّارئين. لا يزالُ في المدينة رجالٌ، وإن لم تُصادِفوهم بعد. كم كنّا نتمنّى في “البوست” لو أنّنا سمعنا بأنَّ البلديّة قد قدّمت دعوى بحقّ “الأشباحِ” التي تُشعِلُ أطنانَ النفاياتِ كلّ كم يوم، لتقتلَ أبناءَنا وأهلَنا بالسرطانِ والتلوّث البيئي. كم كنّا سُعِدنا بكم لو أنَّكم حرّكتم النيابةَ العامّة بحقِّ أصحابِ الموتورات، الذين فاضت بحقِّهم شكاوى الناس من التلاعبِ بالأسعار والبلطجة. آه، كم كان قلبُنا ليكبرَ بكم لو أنكم تجرّأتم على عصاباتِ الشوارع والأحياء والتسول والفاليه باركينغ، التي تستبيحُ الأرصفةَ العامّة والأملاكَ البحريّةَ وعقاراتِ البلديّة. قد نعذرُ جهلَكم بالرسالةِ المهنيّة التي نَحمِلُها منذ عقود، ويشهدُ لها تاريخُنا في لبنان والعالم، والتي تهدفُ إلى بناءِ الأوطانِ والانسان بعيداً عن نعرات قوتكم الطائفِي والمذهبي. لكنَّه الجهلُ بمَن هم في مقابلكم، هو ما سيَدفعُكم الثمنَ الأكبر. كم كنّا نتمنّى في “البوست” لو أنّنا سمعنا بأنَّ البلديّة قد قدّمت دعوى بحقّ الأشباحِ التي تُشعِلُ أطنانَ النفاياتِ كلّ فترة، لتقتلَ أبناءَنا وأهلَنا بسرطانِ الرئةِ والتلوّث البيئي أمّا محامي عقدِ الـOne Dollar مع البلديّة (تجنباً لديوان المحاسبة) فتقاطُعاتُنا ستكونُ كثيرةً في القادمِ من الأيّام، ليس أوَّلُها الروائحُ المُنبعثة من الجدولِ المالي للتنفيعات وتوزيعاتِه على القوى والمحظيّين، الصادرة عن مكبِّ النفايات ومعملِ الفرز. ولن تكونَ آخِرَها..صدقاً فسيروا بأمان، ولكن تَلفّتوا خلفَكم جيّداً… سنكونُ هناك. هل يعلمُ رئيسُ البلديّة، الذي يزورُ برشلونة الإسبانيّة تِكراراً، أنّ رئيسةَ بلديّة المدينة أقدمت قبلَ مُدّةٍ على منعِ بناءِ واحدٍ من أكبر وأهمّ الفنادق ذات السلسلة العالميّة المشهورة في المدينة؟ وقد كسرت بذلك قراراً كانت قد اتّخذته الحكومةُ المركزيّة في مدريد، لكنّها عطَّلته معتبرةً أنّ المدينة لا تحتاجُ إلى بناءِ فندقٍ ضخم (قدرت قيمةُ استثمارِه بأكثرَ من مليار دولار)، بحجّة أنّ البناء سيزيدُ من الازدحامِ الذي تُعاني منه برشلونة أصلا، ويرفعُ من مستوياتِ التلوّث فيها. الأكيد أنّه لم يَسمع بالخبر، إن كان معظمُ الوقت يُزهقُ في المقاهي على شارعِ "الرَّمبلا". البوست رئيس التحرير