لم يعد ما يعيشه أهالي الشرحبيل في ضواحي صيدا مجرد أزمة خدماتية عابرة، بل بات إنذارًا حقيقيًا يهدد حق الناس في أبسط مقومات حياتهم: الماء. منطقة تعاني أصلًا من طريق ضيقة من مكسر العبد حتى “مثلث الخنقة”، فإذا بها تستيقظ على مشكلة أكبر وأخطر، مع إعلان توقف الشركة التي تزوّد مضخات المياه بالتيار الكهربائي، ما يضع آلاف العائلات أمام ساعات معدودة قبل أن يجفّ آخر ما يصل إلى خزاناتها. وكأنّ العطش بات يزحف ببطء نحو البيوت، بلا رادع، وبلا مسؤول يتحمل تبعات هذا الانهيار المتكرر. وكان أهالي الشرحبيل قد ارتضوا دفع مبلغ 8 دولارات لصاحب شركة المولد الخاص لتشغيل المضخات خارج فاتورة الاشتراك الشهرية للبيوت، إلا أن البلدية — بناء لشكاوى يقال إنها وردت إلى مصلحة مياه صيدا والجنوب — طلبت من صاحب المولد عدم تحصيل هذا المبلغ، ما اضطره للتوقف عن تزويد مولدات المضخات بمادة المازوت، ما يعني حكمًا قطع المياه والاكتفاء بالساعات التي ستؤمنها المصلحة التي أخذت على عاتقها توفير المازوت للمضخات. كلام لا ثقة فيه، فتعاطي المصلحة لا يعول عليه، والتجارب خير دليل. ليس الموضوع هنا موضوع إبراهيم مزهر ولا موضوع سامر العربي، ولا مبادرات فادي الكيلاني وغيره من حلول فردية تسجل بين فترة وأخرى لمعالجة مشكلة أكثر من 20 ألف صيداوي يسكنون المنطقة. الموضوع مسؤولية مصلحة مياه صيدا والجنوب وتأمين خط الخدمات لهذه المنطقة وتزويده بالتيار الدائم، ونقطة على السطر. موضوع لا يجب السكوت عنه بعد الآن، ولا يجب التراخي مع المتحكمين بمصلحة المياه للتعامل باستخفاف مع الأمن المائي للناس كما درجت العادة مرارًا وتكرارًا مع الزيارات والوعود والكلام الفارغ. وعلى نواب المدينة وفعالياتها وقواها كافة التحرك الفوري، لأن الموضوع بات ممجوجًا، ويحتاج لحلول جذرية.
عَلِمَت صحيفةُ “البوست” من مصادرٍ قضائيّةٍ مُطَّلِعةٍ أنّ النائبَ أسامةَ سعد حضر منذ أيّامٍ إلى مبنى وزارةِ العدل في بيروت، حيث التقى بالمدّعي العامِّ الماليِّ القاضي ماهر شعيْتو لأكثرَ من نصفِ ساعة. وبحسبِ المعلومات، فإنّ زيارةَ “أبو معروف” إلى شعيْتو تأتي على خلفيّةِ الإخبار الذي كان قدّمه سعد بحقّ معملِ النفايات في صيدا، وما شابَهُ من مخالفاتٍ وتجاوزات، وهدر أموال. وقد تمّ تسجيلُ نيّةٍ واضحةٍ من قِبَل شعيْتو بالمضيِّ في هذا الملفّ حتّى النهاية لمعرفة كيف ستنتهي فصولُ “مغارةِ علي بابا الصيداويّة”، وأنّه لهذه الغاية بصددِ تشكيلِ لجنةِ مُدقِّقين تضمّ خبراءَ ماليّين وبيئيّين للكشف على كلّ ما له علاقةٌ بالمعملِ وأدائه منذ سنواتٍ حتّى اليوم. فعلى الرغم من الكلام الذي أُثير مؤخرًا عن نيّاتٍ لـ”تَنييم” ملفّ معملِ النفايات من قِبَل القوى السياسيّة في المدينة إلى ما بعدَ الانتخاباتِ النيابيّة المقبلة، يبدو أنّ الموضوع سيكون حلبةَ صراعٍ بين المتنافسين في الأيّامِ القادمة، لتحقيقِ نقاطِ الفوز، كما جلاءِ الحقيقة.
أفكَهُ ما يمكنُ أن يسمعَه العارفونَ بحقيقةِ الموضوع، هو ما صرّح به رئيسُ بلديّةِ الهلاليّة ميشال أبو زيد مؤخرًا، بأنّ قرارَ تخفيضِ نسبةِ العمارة “زون البناء” في ما أسماه “شارع القصور” الممتدّ من فيلّا الحريري حتّى حدودِ بلدةِ البراميّة، “لم يكن وليدَ اللحظة، بل جاء نتيجةَ دراسةٍ شاملةٍ أعدّها (هو) منذ تولّيه رئاسةَ البلديّة، تناولت أهميّة الحفاظ على هويّة شارع القصور ومنع تحوّله إلى منطقةٍ مكتظّةٍ بالمباني السكنيّة”، مؤكّدًا “أنّ الهدف هو صونُ طابعِه التاريخيّ والتراثيّ والجماليّ، فضلًا عن حمايته أمنيًّا..” “الكلامُ الكبيرُ” الذي قاله أبو زيد في تصريحاته العلنيّة لا يتعدّى كونَه استعراضَ لفظي؛ أمّا الحقيقةُ – بحسبِ ما علمت صحيفة “البوست” – فتكمنُ في مكانٍ آخرَ كليًّا. إذ إنّ قرارَ تخفيضِ “زون البناء” من 30/90 إلى 25/50 جاء من محافظِ الجنوب منصور ضو، الذي أبلغه بشكلٍ صارمٍ لأبو زيد للتنفيذ. أمّا الأسبابُ الحقيقيّةُ الكامنةُ وراءَ الموضوعِ، فهي حمايةُ عقاراتِ آلِ جنبلاط في تلكَ المنطقة، بعدما تمّ بيعُ قطعتي أرضٍ على مدخلِ قصرِ نسيبِ جنبلاط التاريخيّ من قِبَلِ آلِ العلّايلي لمتموِّلٍ من آلِ الجمل وتاجرِ عقاراتٍ من صيدا، كانا ينوِيَانِ تشييدَ عمارتينِ سكنيّتَينِ عندَ مدخلِ القصر، ما كان سيُلحقُ حُكمًا ضررًا بقيمتِه التاريخيّةِ والرمزيّة. أمرٌ قد تتفهّمه من الناحيةِ الجماليّةِ والفنيّة، لكن كان من الأَولى تصنيفُ الموقعِ منذُ البدايةِ كإرثٍ ثقافيٍّ لا يَجبُ أن يَتَّخذَ بُعدًا تجاريًّا واستهلاكيًّا، ليكونَ المستثمرونَ المُهتمّون على دِرايةٍ بخصوصيّتِه، ولمنعِ حصولِ تَغابُن. وللعِلمِ فحسب، فإن قصّةُ هاتينِ العقارين تعودُ لأكثرَ من 12 سنة مضت، حين تدخّلت مرجعيّةٌ سياسيّةٌ كبرى وعرضت على مالكِهما استبدالَهما بقطعتي أرضٍ في مكانٍ آخر، للحفاظِ على رمزيّةِ القصرِ الجنبلاطيّ، إلّا أنّ المالكَ رفض العرض آنذاك، لكنه لم يُقدِم على تشييدِ أيّ إنشاءاتٍ عليهما، إلى أن باعَهما قبل فترةٍ قصيرةٍ للمالكِ الجديد. ويبدو أنّ الموضوعَ لم ينتهِ بعد. فبحسبِ متابعين، تعملُ أطرافٌ متضرّرةٌ على السعي لتجميدِ القرارِ وفقًا للأصولِ القانونيّة، بعدما أثار تصريحُ أبو زيد سلسلةً من ردودِ الفعلِ المستنكِرةِ والمعترِضةِ في الأوساطِ الصيداويّة، على اعتبارِ أنّ عددًا من أصحابِ الأراضي اشتروها على أساسِ النسبةِ السابقة، وسيتضرّرون من التخفيضِ الذي حصل، لكن الظاهر أن ما قد كُتب قد كُتب…