كُلِّف الذكاء الاصطناعي بإدارة السلطة التنفيذيّة في لبنان؟ واستقال وزراء الحكومة لصالح حكومة من خوارزميّات؛ لا طائفة، لا حزب، ولا زعيم يوزِّع المناصب. وزير الأشغال برنامجٌ دقيق يوزِّع الحُفَر بالتساوي على الطرقات، ووزير التربية تطبيقٌ يُرسِل إشعارًا عند تحديث المناهج، أمّا وزير المالية فهو آلة لا تعرف المحسوبيّة، بل أرقامٌ صُلبة لا تُجامل أحدًا معيار النزاهة والحوكمة وفق مؤشّر مدركات الفساد (Transparency International)، يحتل لبنان المرتبة 154 من أصل 180 دولة عام 2024. وبينما السياسيّون يتبادلون الاتهامات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يطبِّق الحياد التام ويضمن الشفافية المطلقة، حيث تصبح كلّ القرارات قابلة للتدقيق الرقمي، بلا محاصصة أو ولاء طائفي. المفارقة هنا أنّ آلة قد تكون أكثر نزاهة وإنسانيّة من حكومة بشريّة “تُراعي مصالح الطائفة قبل الوطن”. الكفاءة الاقتصاديّة: نموذج وزارة الماليّة لو أُسنِدت حقيبة الماليّة إلى وزير اصطناعي، فإنّه سيواجه دينًا عامًّا يقارب 97 مليار دولار (2025)، أي أكثر من 190% من الناتج المحلّي. في حين أنّ وزراء لبنان السابقين اشتهروا بدوران العجز كألعاب بهلوانيّة، سيعتمد الوزير الرقمي معايير صندوق النقد الدولي لإعادة الهيكلة، مع خطة لتقليص العجز إلى أقل من 3% خلال خمس سنوات. التهرّب الضريبي، الذي يُكلِّف الدولة نحو 5 مليارات دولار سنويًّا، لن يُحَلّ بالخطابات، بل بتقنيات تتبّع رقميّة مثل Blockchain. سعر الصرف، حيث تتعدّد الأسعار الرسميّة وغير الرسميّة، سيخضع لمنصّة موحّدة متوافقة مع بازل III للرقابة المصرفيّة. كما ستُدار السندات والأسواق الماليّة عبر تحليلات تنبؤية تقلّل خطر الانهيارات المفاجئة، بما يُذكِّر بفقاعات 2019. التحدّيات الواقعيّة لكن لبنان يحتل المرتبة 118 من أصل 140 دولة في مؤشر الجاهزيّة التكنولوجيّة (WEF)، ما يجعل استمرار حكومة إلكترونيّة في بلد يعاني من انقطاع الكهرباء والإنترنت يوميًّا، تحدّيًا كبيرًا. كما أنّ السيادة الوطنيّة تُطرَح هنا: هل يقبل اللبنانيّون إدارة ماليّة دولتهم بخوارزميّات مُطوّرة خارجيًّا؟ أمّا الطبقة السياسيّة التقليديّة فلن تسمح بتسليم السلطة لآلة تُحرِّر القرار من زعماء الطوائف. فجدار المقاومة ضدّ التغيير لن يكون تقنيًّا، بل سياسيًّا واجتماعيًّا. البعد القانوني والدستوري الدستور اللبناني (مادة 17) ينص على أنّ السلطة التنفيذيّة موكولة إلى مجلس الوزراء. إذا استُبدل الوزراء ببرمجيّات، يُطرَح السؤال: هل للذكاء الاصطناعي أهليّة دستوريّة؟ بعض الدول منحت الروبوتات جنسيّة رمزيّة، لكن الاعتراف بوزير إلكتروني لم يحدث بعد. الحكومة هنا تصبح مسرحيّة عبثيّة: لا تُستدعى للاستجواب، ولا تحتاج حصانة، ولا تغيب عن اجتماعات مجلس الوزراء بسبب عطلة طائفيّة. التوقّعات والتغييرات الإيجابيّات: قرارات خالية من الفساد والمحسوبيّة، سياسات اقتصاديّة شفافة، إدارة رشيدة للبيانات الضخمة، وقدرة على تخفيف الفقر الذي يطال أكثر من 80% من اللبنانيّين. السلبيّات: غياب الحسّ الإنساني، مخاطر القرصنة، وإقصاء القوى السياسيّة ممّا قد يولِّد صدامًا جديدًا، هذه المرّة بين البشر والآلة، لا بين الطوائف. لبنان بين وهم الآلة وحقيقة الإنسان قد تبدو حكومة الذكاء الاصطناعي في لبنان يوتوبيا رقميّة تُسقِط أوهام الفساد والمحاصصة، لكنها في النهاية مرآة للمجتمع. إذا ظلّ الإنسان أسيرًا ولاءاته الطائفية، فإن حتى الآلة قد تُستَغل لتكرار النمط القديم نفسه. قد تنجح في إدارة الماليّة والأرقام، لكنها ستقف عاجزة أمام السياسة الحقيقيّة، حيث لا خوارزمية قادرة على برمجة نزعة الزعامة أو تعطّش السلطة. في لبنان، تبدو الآلة أذكى من بعض البشر، لكنها لن تكون أعظم منهم إلا إذا غيَّر المجتمع قواعد اللعبة نفسها.