مات أبو حنيفة أسيرًا مسمومًا.ومات الشافعي بسبب الضرب المبرح بالهراوات.ومات سعيد بن جبير مقطوع الرأس.ومات البخاري مهجورًا.ومات سفيان الثوري فارًّا.ومات الطبري محاصَرًا.ومات النسائي مقتولًا.ومات ابن حزم مطارَدًا.ومات شيخ الإسلام ابن تيمية مسجونًا.ومات الإمام أبو بكر النابلسي مسلوخًا وهو حيّ.ومات الفقيه عياض مقتولًا، قُطِّع أشلاء، وجُمِع ودُفن بجوار كنيسة، من دون جنازة ولا غسل.ومات نعيم بن حماد مقيَّدًا، جُرَّ في قيوده، وأُلقي في حفرة، ولم يُغسَّل ولم يُصلَّ عليه. هؤلاء هم علماؤنا.بعضٌ من “مشايخ” الإسلام، وبعضٌ ممّا بذلوه في سبيل الدين والعقيدة وكلمة الحق، ونصرة المظلوم، وتحدّي الظالم، حتى ولو كان “مؤسّسة” وشكلَ حكمٍ قويًّا، طاغيًا، متجذّرًا، وفتّاكًا. الطريق شاقٌّ لأصحاب الحق، والجنة سلعةٌ غالية.هكذا كان علماء الأمس، وهكذا هم عراميط اليوم. كما تعرفونهم جيّدًا، لكنكم تصمتون. ضجّ البلد، ولا يزال، بفضيحة الاحتيال السياسي والمالي لأبو عمر و“مشغّله” الشيخ خلدون عريمط، كما يُقال..ومع أنّ أكثر اللبنانيين فرحون، في الداخل، بما يكون قد حصل لهؤلاء السياسيين الطامحين للتزحلق نحو المناصب والكراسي بشتّى الأثمان، إلّا أنّه من المريب، حتى الآن، ألّا يصدر توضيح من قبل أكبر مؤسّسة دينية سنّية لتبيان حقيقة ما جرى، أي دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية. فعريمط شيخٌ من هذه المؤسّسة، وواجهةٌ بارزة لها لسنواتٍ طوال على الشاشات والموائد والمناسبات.أيُعقل أن يُترك اليوم وحيدًا، يدافع عن نفسه من مكتبٍ خاص، بروايةٍ إن صحّت، فهي اتهامٌ صريح بوجود منظومة فساد، معروفة الجهة والدوافع، تصول وتجول في البلد بلا حسيبٍ ولا رقيب وصلت حتى رجال الدين أنفسهم. فإن كان بريئًا كما يقول، فواجب دار الفتوى أن تدافع عنه، لأن الضرر الذي يتشظّى اليوم أكبر من عريمط كشخص، إذ يطال كل ما ترمز إليه المشيخة السنّية، والتي – للأمانة – “مش ناقصها” في زمن الإمّعة. أمّا إن كان الشيخ خلدون مذنبًا بما نُسب إليه، فالقصاص واجبٌ بحقّه، لأن الإسلام قام على فكرة أنّ “العدل أساس الملك”، وهو لا يعرف “ذقنًا ممشّطة”، مهما طالت أو قصرت. أمّا أن يسود هذا الصمت المريب من قبل المؤسّسة الدينية الإسلامية الأم حيال موضوع بهذا الحجم، وبهذا التأثير وبهذه التداعيات، فذلك ضررٌ يتعاظم ليطال كل “جبّة” بيضاء، والدين بحدّ ذاته، وهو أمرٌ لا يجوز السكوت عليه. إن النهج الذي تنتهجه دار الفتوى اليوم يُشبه طريقة تعامل دوائر الفاتيكان مع فضائح الاعتداء على الأطفال من قبل بعض رجال الدين، التي تتفجّر بين الحين والآخر، لتترك ندوبًا في النظرة إلى المسيحية، أدّت، بالتراكم، إلى “موت الإله” في الغرب تدريجيًّا. تُغلق عينيك، وتتأمّل، بلحظة صدقٍ وتجَلٍّ: يا الله، ما أعظمك وما أحكمك، وما أضعف عقولنا عن إدراك حقائق الأمور بكليتّها.نعجز عن الفهم، لكن لله تقديره، فهو يعلم ونحن الجاهلون.تستذكر كوكبة الأسماء التي مرّت في البداية، لتتأكّد أنّ لكلّ زمانٍ رجاله… وعراميطه.