في قلب لوس أنجلوس، تشهد شوارع المدينة منذ خمسة أيام مواجهات عنيفة لم تشهدها منذ سنوات. ما بدأ كمداهمات لإنفاذ قوانين الهجرة تحول إلى أزمة سياسية واجتماعية معقدة، تضع أسئلة جوهرية حول حدود السلطة الفيدرالية وحقوق المهاجرين ودور الحكومات المحلية في مواجهة السياسات الفيدرالية منذ فجر السادس من يونيو/حزيران الجاري، والمدينة تعيش على وقع أصوات القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع، بينما تتصاعد المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن. الأحداث التي بدأت بمداهمات “عسكرية الطابع” لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة (ICE) تطورت لتصبح اختباراً حقيقياً لقوة الحكومة الفيدرالية في مواجهة المقاومة المحلية. اليوم، تنتشر في شوارع وسط لوس أنجلوس أكثر من 2400 عنصر من القوات الفيدرالية، بما في ذلك 1700 من الحرس الوطني و700 من مشاة البحرية، في مشهد يذكر بحالات الطوارئ الوطنية أكثر منه بعمليات إنفاذ قوانين الهجرة التقليدية. الشرارة الأولى في ساعات الفجر من يوم الجمعة، بدأت واحدة من أكبر عمليات إنفاذ قوانين الهجرة في تاريخ لوس أنجلوس الحديث. شاركت في العملية أربع وكالات فيدرالية: ICE، ووزارة الأمن الداخلي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وإدارة مكافحة المخدرات. ما ميز هذه العملية كان الطابع العسكري الواضح. وصل العملاء في قوافل من سيارات الدفع الرباعي السوداء والمركبات المدرعة، مرتدين معدات تكتيكية وحاملين أسلحة هجومية. بعضهم كان يرتدي ملابس تمويه عسكرية، في مشهد يذكر بعمليات مكافحة الإرهاب أكثر من إنفاذ قوانين الهجرة المدنية. استهدفت العملية سبعة مواقع في أنحاء مختلفة من لوس أنجلوس، تم اختيارها لتشمل مناطق ذات كثافة عالية من المهاجرين. في منطقة ويستليك، داهم العملاء متجرين من سلسلة هوم ديبوت ومحل دونات ومركزين لعمال اليومية. لكن الهدف الأبرز كان شركة “أمبيانس أباريل” للملابس في منطقة الأزياء، التي توظف مئات العمال المهاجرين. استخدم القوات الأمنية طائرات بدون طيار للمراقبة، وأغلقوا شوارع كاملة، وأقاموا نقاط تفتيش مؤقتة. الأمر الأكثر إثارة للجدل كان تنفيذ الاعتقالات دون أوامر قضائية، وهو ما أكدته منظمة اتحاد الحريات المدنية الأمريكية. وفقاً للأرقام الرسمية، تم “الاعتقال الإداري” لـ44 شخصاً، لكن المدافعين عن حقوق المهاجرين يقدرون العدد بين 70 و80 شخصاً. من بين المعتقلين كان ديفيد هويرتا، رئيس نقابة عمال الخدمات في كاليفورنيا، الذي أصيب أثناء العملية. أصبحت الأحداث رمزاً للانقسام العميق حول الهجرة والسلطة الفيدرالية, استطلاعات الرأي أظهرت انقساماً حاداً: 78% من الجمهوريين يؤيدون الإجراءات، مقابل 82% من الديمقراطيين يعارضونها من السلمية إلى المواجهة لم تمر ساعات قليلة حتى بدأت أخبار المداهمات تنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي. في عصر الجمعة، تجمع مئات الأشخاص خارج مبنى إدوارد ر. رويبال الفيدرالي في احتجاج عفوي سرعان ما تحول إلى مواجهة مفتوحة. الاحتجاج الأولي كان سلمياً، حيث تجمع المتظاهرون يطالبون بالإفراج عن المعتقلين. لكن الوضع تصاعد عندما حاول بعضهم حصار مداخل المبنى لمنع خروج مركبات ICE. التصعيد الحقيقي بدأ عندما قام متظاهرون برش شعارات مناهضة لـ ICE على جدران المبنى الفيدرالي. في حوالي السابعة مساءً، أعلنت شرطة لوس أنجلوس الاحتجاج “تجمعاً غير قانوني”، ونشرت عناصر مكافحة الشغب. تم إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، بينما أطلقت قوات الأمن كرات الفلفل والرصاص المطاطي. الاستجابة من المتظاهرين لم تكن أقل عنفاً، حيث بدأ بعضهم بإلقاء الحجارة وزجاجات المياه والألعاب النارية. تحولت شوارع وسط لوس أنجلوس إلى ساحة معركة حقيقية. السبت والأحد شهدا تصاعداً أكبر. المتظاهرون نجحوا في الوصول إلى الطريق السريع 101 وأغلقوه لساعات. كما قام بعضهم بإحراق سيارات “وايمو” ذاتية القيادة في عمل رمزي يعكس الغضب من النظام. بحلول نهاية عطلة نهاية الأسبوع، اعتقلت السلطات 56 شخصاً على الأقل. منظمة “بن أمريكا” وثقت 27 اعتداءً على صحفيين، أبرزها إصابة الصحفية الأسترالية لورين توماسي برصاصة مطاطية رغم كونها محددة بوضوح كصحفية. عندما تصبح المدينة ساحة معركة بحلول صباح الاثنين، وقع الرئيس ترامب مذكرة رئاسية تأمر بنشر 2000 عنصر إضافي من الحرس الوطني، مضاعفاً القوة العسكرية في المدينة. وزير الدفاع أعلن أيضاً عن تفعيل 700 عنصر من مشاة البحرية. الأمر الأكثر إثارة للجدل كان تهديدات توم هولمان، “قيصر الحدود”، لحاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم وعمدة لوس أنجلوس كارين باس بالاعتقال إذا عرقلوا عمليات نشر القوات. رد نيوسوم كان تحدياً مباشراً: “توم، اعتقلني. هيا بنا”. الحاكم وصف التهديدات بأنها “خطوة نحو الاستبداد”. ترامب دعم تهديدات هولمان، محذراً من أن “أي محاولة لعرقلة العمليات ستواجه بالقوة الكاملة للقانون الفيدرالي”. هذا التصعيد انعكس على الأرض في شوارع لوس أنجلوس، حيث تبنت القوات الفيدرالية تكتيكات أكثر عدوانية. في منطقة “ليتل طوكيو”، شهدت ليلة الاثنين مواجهات عنيفة بين أكثر من ألف متظاهر وقوات الأمن. المشاهد كانت مذهلة: خطوط من الجنود في معدات مكافحة الشغب تتقدم في تشكيلات عسكرية، بينما تحلق فوقهم مروحيات الشرطة. انتشرت الاحتجاجات إلى مدن أخرى: سان فرانسيسكو (150 معتقلاً)، ونيويورك وأتلانتا وسياتل ودالاس. وزارة الأمن الداخلي أعلنت “حالة تأهب قصوى” في عدة مدن، ووضعت قوات إضافية في حالة استنفار. كاليفورنيا تتحدى واشنطن يوم الثلاثاء شهد خطوة قانونية جريئة عندما رفع نيوسوم والمدعي العام للولاية دعوى قضائية فيدرالية ضد ترامب ووزير الدفاع، يطالبان بإعلان عدم دستورية أمر تفعيل الحرس الوطني. الدعوى تستند إلى حجج دستورية تتعلق بحدود السلطة الفيدرالية وحقوق الولايات. المحامون يجادلون بأن قانون “بوس كوميتاتوس” لعام 1878، الذي يحظر استخدام القوات المسلحة لإنفاذ القانون المحلي، قد تم انتهاكه. عمدة لوس أنجلوس وصفت ما يحدث بأنه “تجربة” تقوم بها الحكومة الفيدرالية، و”حالة اختبار” لسلب السلطة من الحكومات المحلية. مجلس المدينة أصدر بياناً مشتركاً يدين المداهمات. شرطة لوس أنجلوس اتخذت موقفاً حذراً من التعاون مع القوات الفيدرالية، مما خلق “حرباً باردة” بين السلطات المحلية والفيدرالية في الشوارع. تقف لوس أنجلوس اليوم كرمز لأمريكا في مفترق طرق. الخيارات القادمة ستحدد مستقبل الديمقراطية الأمريكية أمريكا المنقسمة بعد خمسة أيام من المواجهات، تبرز أحداث لوس أنجلوس كمرآة للانقسامات العميقة في أمريكا. ما بدأ كعملية إنفاذ قوانين تحول إلى صراع وجودي حول طبيعة الهوية الأمريكية وحدود السلطة الحكومية. الأرقام مؤلمة: أكثر من 120 معتقلاً، وعشرات المصابين، و27 اعتداءً على الصحفيين، وخسائر اقتصادية بعشرات الملايين. لكن العمق الحقيقي للأزمة يكمن في الصراع بين رؤيتين متناقضتين لأمريكا: رؤية تؤمن بالتعددية والشمولية، وأخرى تؤكد على الأمن والنظام. الإدارة الفيدرالية تقدم نفسها كحامية للقانون في مواجهة “الفوضى” المحلية. الحكومات المحلية تدافع عن رؤية مختلفة تؤكد على التسامح والتعددية الثقافية. هذا الصراع ليس جديداً، لكن حدته الحالية وطبيعته العسكرية تضعه في سياق تاريخي خاص. ما نشهده اختبار حقيقي لمرونة النظام الديمقراطي الأمريكي. في عالم يشهد صعود الحركات الاستبدادية، تقدم هذه الأحداث نموذجاً لكيفية تحول الخلافات السياسية إلى مواجهات وجودية. لكن المقاومة المؤسسية والشعبية تُظهر أن آليات الدفاع الديمقراطي لا تزال تعمل. المستقبل يحمل تحديات كبيرة. المعركة القضائية قد تستمر لسنوات وتصل للمحكمة العليا. سياسياً، ستصبح الأحداث قضية مركزية في