لم تقتله إسرائيلُ هذه المرّة، بل قتله مَن باعوا أنفسَهم لها.في غزّة، سقط الصحفيّ الفلسطينيّ صالح الجعفراوي برصاصاتٍ غادرةٍ خرجت من بنادقَ فلسطينيّة، لكن رائحتها كانت إسرائيليّة. رصاصةٌ فلسطينيّة بيدِ عميلة، أطلقتها جماعاتٌ مأجورةٌ تحتمي بشعاراتِ “الوطنية” و“المقاومة”، فيما ولاؤها الحقيقيّ معلَّقٌ عند بوّابات ضبّاط الاحتلال أداةٌ في يد المحتلّ لم يحتج الاحتلالُ إلى الطائراتِ هذه المرّة، ولا إلى قنّاصٍ على الحدود؛ فقد وجد “بيننا” من يقوم بالمهمّة نيابةً عنه. العملاءُ الذين يتزيّنون بعباراتِ “الوطنية” و“المقاومة”، بينما يقتاتون على فتات استخباراتِ العدو، صاروا اليوم الخطرَ الأكبرَ على الشعبِ الفلسطينيّ.إنّهم لا يُطلقونَ النارَ فقط على الأجساد، بل على الوعي ذاته، على روحِ المجتمع، على كلِّ ما تبقّى من معنى الشرف والانتماء. صالحُ الجعفراوي، رجلٌ واجه الاحتلالَ بالكلمة، فواجهته الخيانةُ بالرصاص. مَن يعرفه يُدرك أنّ الرجل لم يكن محايدًا أمام الحقيقة، ولم يكتبْ إلّا بما يليق بضميرِ الصحافةِ الحرّة.نجا من قصف الاحتلال، وواجه آلةَ الحرب بعدستِه وقلمِه، فصار هدفًا لمَن أرادوا إسكات كلِّ مَن لا يسير في الركب. لم يستطع الاحتلال الوصولَ إليه في الميدان، فسلّم المهمّةَ إلى أذرعِه الخفيّة في الداخل.والنتيجة: دمٌ فلسطينيّ يُسفَك بأيدٍ فلسطينيّةٍ باعت أرواحَها في المزاد. تغيّرت الخيانةُ. لم تعد تلك الصورةَ النمطيةَ لعميلٍ يُهرّب وثائق أو يزرع جهازًا في سيارةِ مقاوم. اليوم، الخائنُ قد يكون مسؤولًا، أو ناشطًا اغتيالُ الجعفراويi جريمةً لجيلٍ من الصحفيّين ما زالوا يؤمنون أنّ الكلمةَ مقاومة.هي من الخنادق إلى المكاتب تغيّرت الخيانةُ. لم تعد تلك الصورةَ النمطيةَ لعميلٍ يُهرّب وثائق أو يزرع جهازًا في سيارةِ مقاوم. اليوم، الخائنُ قد يكون مسؤولًا، أو ناشطًا، أو حتى مَن يُصرّ على الصمتِ حين يرى الظلم.لا يحتاج الاحتلالُ إلى جواسيسَ فحسب، بل إلى بيئةٍ تتسامح مع الخيانة وتغضّ الطرف عنها. وهذا هو الخطرُ الأكبر: أن تتحوّل الخيانةُ إلى “تفصيلٍ سياسيّ”، أو إلى “خلافٍ داخليّ”. ليس اغتيالُ الجعفراوي جريمةً شخصيّة، بل جريمةٌ ضدّ فلسطينَ نفسِها. هو استهدافٌ لضميرِها الجمعيّ، لكلمةِ الحقّ التي لم ترضخ، ولجيلٍ من الصحفيّين ما زالوا يؤمنون أنّ الكلمةَ مقاومة.إنّ الذين نفّذوا الجريمةَ لم يقتلوا شخصًا، بل حاولوا اغتيالَ المعنى — المعنى الذي يقول إنّ فلسطين لا تُختصر بفصيل، ولا تُختزل بشعار، وإنّ الولاء للوطن لا يُقاس بالهتاف، بل بالفعل. قال أحد القنّاصة في قصّة رمزية شهيرة: “لا أريد أن أقتل قنّاصَ العدو، فهو فاشل. أخشى أن يستبدلوه بآخر أكثر دقّة فيقتلني.”تلك المفارقةُ تختصر ما يجري اليوم: نحن مَن نُبقي العدوَّ مرتاحًا في موقعه، حين يتكفّل بعضُنا بمهمّة تصفية بعضِنا. هكذا يربح الاحتلالُ دون أن يُطلق النار، فقط لأنّه يملك مَن يخدمه من الداخل. العدالةُ الغائبة من حقِّ الفلسطينيين أن يسألوا اليوم: مَن أمر؟ مَن موّل؟ مَن ضغط لإسكات صالح الجعفراوي؟ هل سنكتفي ببياناتِ النعي المكرَّرة، أم سنفتحُ الملفاتَ ونُسمّي الأشياءَ بأسمائها؟إنّ التستّر على القَتَلة جريمةٌ لا تقلّ بشاعةً عن القتل نفسِه، والصمتُ شراكةٌ في الجريمة.الواجبُ الوطنيّ الآن هو تحقيقٌ مستقلٌّ وعلنيّ، لا يخضع لحساباتِ الفصائل، ولا يُرضي مَن يقف خلف الستار. العملاءُ ليسوا “بيننا” فحسب… بل نحن مَن سمحنا لهم بالبقاء. هؤلاء الذين يُلوّنون وجوهَهم بالوطنية، وهم يبيعون دمَ إخوتهم للاحتلال، ليسوا أبناءَ فلسطينَ الحقيقيين. لكنَّ الخطأَ ليس في وجودهم فقط، بل في أنّنا سمحنا لهم أن يعيشوا بيننا، وأن يخترقوا مؤسّساتِنا، وأن يتحدّثوا باسمنا. ليس اغتيالُ صالح الجعفراوي نهايةَ قصّة، بل بدايةَ مرحلةٍ يجب أن نُواجهها بشجاعة. الاحتلالُ لم يعُد يحتاج إلى دباباتِه ليهزمنا؛ يكفيه أن يزرعَ بيننا مَن يُشبهنا شكلًا ويعمل ضدَّه مضمونًا. لكن ما لا يُدركه هؤلاء العملاءُ أنَّ الكلمةَ الصادقة لا تُقتل، وأنّ دماءَ الشرفاء هي التي تُعيد للوطنِ معناها حين يضيع بين المتاجرين به. فلْتبكِ غزّةُ ابنَها، ولينحنِ القلمُ احترامًا لدمِه، لكنْ لتقُم الصحافةُ حاميةً الكلمةَ، والعدالةَ، والشرف.
القَصيفي في تصريحٍ عنيف: لَنْ نَقْبَلَ تَجاوُزَ قانونِ المَطْبوعاتِ واسْتِخْدامَ سَيْفِ قانونِ العُقوباتِ لإرْعابِ الصَّحافِيِّين حذَّرَ نقيبُ مُحرِّري الصَّحافةِ اللُّبنانيَّة جوزف القَصيفي كُلَّ مَنْ يُريدُ مُقاضاةَ أيِّ صَحافيٍّ أو إعلاميٍّ لِمُخالَفَةِ نَشْرٍ مِن مُخالَفَةِ القانون، خُصوصًا قانونَ المَطْبوعات، ولا سيَّما المادَّة ٢٨ منه الَّتي تُعطي صَلاحيَّةً مُطْلَقَةً لِمَحكمةِ المَطْبوعات للنَّظَر في جَميعِ القَضايا المُتعلِّقَة بالمَطْبوعات. وقد جاء فيها ما حَرْفِيَّتُه:“تنظر محكمةُ الاسْتِئنافِ بالدرجةِ الأولى في جميعِ القَضايا المُتعلِّقَة بالمَطْبوعات وتُخضَعُ أحكامُها للمراجعة أمام محكمةِ التمييز بِصِفَتِها مَرْجعًا اسْتِئنافيًّا.” وبالتالي، لا تَجوزُ مُلاحَقَةُ الصَّحافيِّ في قَضيَّةِ نَشْرٍ وإخضاعُه لِقانونِ العُقوبات. فاللُّجوءُ إلى قانونِ العُقوباتِ يَهْدِفُ إلى إلحاقِ الأذى العَمْديِّ بالأسْرَةِ الصَّحافِيَّة والإعلاميَّة، ومُحاوَلَةِ زَجِّ أفرادِها في السُّجون أو توقيفِهِم احتياطيًّا بِغَرَضِ إذلالِهِم وإرعابِهِم. عَلْمًا أنَّ قانونَ المَطْبوعات ألغى صراحةً التَّوقيفَ الاحْتياطيَّ في جميعِ قَضايا المَطْبوعات. مِن هنا نُحذِّرُ مِن اللُّجوءِ إلى هذا الأسلوبِ الخَطير الَّذي سَيَلْقى منَّا الرَّدَّ المُناسِب، أيًّا تَكُنْ تَكْلِفَتُه. إنَّ الصَّحافةَ لَيْسَتْ ضدَّ القَضاء، وهي تَحْتَرِمُه، وتَرْفُضُ كُلَّ المُحاوَلاتِ الَّتي تَضَعُه وتَضَعُها في مُواجَهَةٍ بَعْضُهُما مع بَعْض. وفي الوَقْتِ نَفْسِه نُهَيبُ بالزَّميلاتِ والزُّملاءِ التَّكاتُفِ والتَّضامُنِ مَعًا، أنَّى تَكُنْ انْتِماءاتُهُم، ولْيَعلَموا أنَّ أيَّ إجراءٍ يُطاوِلُ أحَدَهُم سَيُطاوِلُ الآخَرين في مَرحلةٍ لاحِقة. كَذلك نَدْعو هَؤلاءِ إلى تَقديرِ الوَضْعِ البالِغِ الدِّقَّةِ والحَساسيَّةِ الَّذي يَمُرُّ فيه لُبنان، وأن يَتَحَلَّوا بِقَدْرٍ عالٍ مِن المَسؤوليَّةِ والوَعْيِ وهُم يُؤدُّونَ مَهامَّهُم، لأنَّهُم قَبْلَ أيِّ شيءٍ مُواطِنون أوفياءُ لِوَطَنِهِم، ولا يُريدونَ له إلّا الخَيْرَ والاستِقْرار. أخيرًا، نَتَمَنّى على بَلَدِيَّةِ صَيدا الَّتي ادَّعَت على الزَّميل نادِر صَبّاغ بِمُوجبِ قانونِ العُقوبات، العَوْدَةَ إلى قانونِ المَطْبوعات وأحكامِه إذا قَرَّرَتِ المُضيَّ في ادِّعائِها، وعَدَمَ اللُّجوءِ إلى أصولِ المُحاكَماتِ الجَزائيَّةِ اسْتِنادًا إلى قانونِ العُقوبات وطَلَبِ تَوقيفِه.