“الحقّ لا يُفهمُ إلّا بالعقل، ولا يُفرَض إلّا بالمعرفة.” — ابن رشد تخيّلوا للحظة أن ابن رشد، الفيلسوف الإسلامي والمفكّر الذي تحدّى الجهل ورفع لواء العقل، ظهر فجأةً في صيدا، وجلس على منبر المسجد العمري الكبير. ليست زيارة عابرة، بل اختبار مباشر للعقل، درس حيّ في الفلسفة، ومواجهة صريحة مع السياسة اللبنانية بكل عبثيّتها المعاصرة جلس المواطنون حول المنبر، بعضهم حائر، وبعضهم متعطّش للحقيقة. رفع شابٌ يده بتردّد، سائلاً عن الانتخابات النيابية المقبلة. ابتسم ابن رشد وقال:“لا تجعلوا التقليدَ أعظمَ من الفهم، ولا الطائفةَ أعمى من العقل. مَن يبيع عقلَه للجاهل، لا يملك الحقّ في الحديث باسم الأمّة.” رسالة الفيلسوف كانت واضحة: صوت الناخب مسؤولية ثقيلة، وما لم يُمارَس بالوعي، سيظلّ المجتمع رهينة الفوضى والوعود الزائفة. السلطة والحكمة… والاستغلال التفت ابن رشد إلى المفتي وبعض رجال الدين وخاطبهم بصراحة:“لقد منحكم الدينُ نفوذًا عظيمًا، فلا تُفسدوه بحماية الفساد أو تسييس الطائفة. الحكمة لا تُشترى بالمال، والعقل لا يُخضع للسلطة.” ساد الصمت، وهمس البعض: “كيف يجرؤ على قول هذا؟” لكن ابن رشد أكمل “الصمتُ عن الظلم أو الرضا به خيانةٌ للعقل والحق. الدِّين ليس أداة للسياسة، بل منهج للفهم والحكمة.” الفكرُ الحرُّ حِصنُ الأمّة. والسكوتُ عن الخطأ مشاركة في الظلم. مَن يلتزم بالواقع كما هو بلا نقد… شريكٌ في الفساد الانتخابات… رومانسية عبثية حاول رئيس البلدية وبعض السياسيين تسويق مشاريع وهمية ووعود تنموية. نظر إليهم ابن رشد بقسوة “مَن يسعى للمجد الشخصي على حساب المصلحة العامة فقد خان نفسه والناس. السُّلطة بلا عقل، والحكم بلا معرفة… فساد ودمار.” ضحك البعض بسخرية، لكن ابن رشد رفع حاجبه وقال “الضحكُ على العقل… لا يغيّر الحقيقة.” كانت الانتخابات أمامه مسرحية عبثية: مال سياسي، ولاءات طائفية، شعب يُستدرج بوعودٍ لا أساس لها من الواقع. صرخة الفكر الحر إلى المثقفين، وجّه ابن رشد نظرةً حادّة “الفكرُ الحرُّ حِصنُ الأمّة. والسكوتُ عن الخطأ مشاركة في الظلم. مَن يلتزم بالواقع كما هو بلا نقد… شريكٌ في الفساد.” تغيّرت وجوه الحاضرين: بعضهم شعر بالإلهام، وبعضهم بالحرج. فمسؤوليّة المثقف، كما قال، لا تنتهي عند التحليل بل تمتدّ إلى المواجهة والشجاعة ورفض الطائفية. لحظة المواجهة: حوارات متخيّلة سياسي: “يا ابن رشد، كيف نحكم مجتمعًا متشابكًا وطائفيًا بهذا التعقيد؟”ابن رشد: “بالعقل… لا بالخوف أو الولاء الأعمى.” المفتي: “الدّين يجب أن يحمي الاستقرار…”ابن رشد: “الدين يحمي العقل والحقيقة… لا الطائفية ولا الجهل.” شاب: “كيف نبدأ التغيير؟”ابن رشد: “بالوعي… بالمساءلة… وبالفكر الحر. من يرفع صوته ضد الفساد يزرع بذور النهضة.” العقلانية ليست رفاهية لم يغادر ابن رشد المنبر قبل أن يرفع صوته برسالته الأخيرة “الناس لا يُرشَدون إلا بالعلم، ولا يُحكَم عليهم إلا بالعقل.” زيارته الافتراضية لصيدا كانت صرخةَ عقلٍ في وجه الفوضى اللبنانية، وتذكيرًا بأن النهضة تبدأ من: حرية التفكير المحاسبة الفردية والجماعية رفض المصالح الضيّقة كسر الطائفية والسياسة القائمة على الخوف وفي صيدا، كما في كل لبنان، يبقى العقل الحرّ الدرع الوحيد ضد العبث والطائفية والفساد. من يختار الصمت، يشارك في الجريمة. ومن يرفع صوته بالعقل والمعرفة، يزرع بذور النهضة الحقيقية. ابن رشد لم يأتِ ليحكي تاريخًا أو فلسفة، بل ليذكّرنا أن الحرية تبدأ من الفكر، والعدل من الشجاعة، والمستقبل من مواجهة الحقيقة بلا خوف. فهل سنستمع؟ أم ستظل صيدا مرآةً للفساد والعبث، حتى يثور العقل فيها؟
يوماً بعد يوم، تُثبت صيدا أنّها مدينة لا تُشبه أحدًا، لكنها في الوقت نفسه مدينة لا يصنع قرارها من أبنائها فحسب. هنا، السياسة تُدار بالانتظار… انتظار الداخل وانتظار الخارج، وانتظار ما قد يهبط من فوق الطاولة أو من تحتها. يقول مرجع سياسي لبناني “عتيق” لصحيفة “البوست” عندما سُئل عن قراءته للانتخابات النيابية المقبلة في صيدا “لكل المناطق اللبنانية خصوصيتها، لكن في صيدا الأمر مختلف كليًا. الكل ينتظر بعضه… والكل ينتظر الخارج فعليًا.” ويشرح الرجل”بهية تنتظر سعد، وسعد ينتظر بن زايد، وبن زايد ينتظر بن سلمان… أما أسامة سعد وعبد الرحمن البزري فينتظران بهية، ما يجعل كليهما في نهاية المطاف أسيرًا لانتظار الخارج أيضًا. حتى المرشحون الجدد لا يملكون رفاهية الحركة: ترشّح بهية أو عزوفها قد يُحيي حظوظهم أو يدفنها قبل أن تولد.” ثم يتابع “أضِف إلى ذلك أنّ الجماعة الإسلامية، بما تمثّله في صيدا، باتت تنتظر قرار ترامب التنفيذي بتصنيفها منظمة إرهابية، وما سيخلّفه ذلك من ارتباك على ترشيحاتها وتحالفاتها وخريطتها الانتخابية.” مدينةٌ كاملة تقف على رصيف الانتظار…تنتظر كلمة من الرياض، ونظرة من أبوظبي، وإشارة من واشنطن. أمّا صناديق الاقتراع فليست سوى محطةٍ أخيرة في سباقٍ يحدّد مساره الخارج قبل الداخل.
ينشطُ أحدُ رجالِ الأعمالِ “المُستجدّين” في صيدا في عقدِ لقاءاتٍ و”عشاواتٍ” سريّةٍ بعيدًا عن الأضواء، في محاولةٍ لافتةٍ منه لالتقاطِ اللحظةِ المناسبة للانقضاضِ على المقعدِ السُّنّي في المدينة، مُقدِّمًا نفسَه كـ”مرشّحِ التسوية” بين دعمِ “الثنائيّ الشيعيّ” و”التيّار العوني” ومؤيّدي إبراهيم عازار في جزّين. وتحرصُ هذه الشخصيّةُ خلال لقاءاتها على تردادِ معزوفةٍ واحدة: أنّه لن يخوض الانتخابات إذا ترشّح النائبان بهيّة الحريري وأسامة سعد. أمّا في حال عزوفِ أحدِهما، فيرى نفسه، بثقةٍ تفوقُ حضوره الفعليّ، المرشحَ “الأكثر أهليّة” و”الأوفر حظًا” لنيل المقعد، رغم أنّه لا يُسجَّل له أيّ أثرٍ حقيقيّ أو فعلٍ ملموسٍ في الشأنِ العامّ، عدا عن افتقارِه الواضح للخبرةِ السياسيّة التي تتطلّبها ساحةٌ مثل صيدا.