تقفُ مدهوشًا أمام تغيّرِ المشاهد من حولك. عامٌ زاخرٌ بالمتغيّرات، تشعر بأنّ ما يجري أكبر منك، وأسرع وتيرةً من أن تستطيع فهمه وإدراكه. تقف مرتبكًا، مشوَّشًا من هولِ ما يجري.من ترامب وإسرائيل والحروب، إلى السعوديّة والإمارات والعراق وإيران وغزّة والشرع وحزب الله…وصولا إلي فنزويلا.عناوينُ كبيرة تشعرك بالعجز عن مواكبتها، لا بل حتى عن فهمها. ففي لبنان، أنت أيّها «السُّنّي» إنسانٌ ضئيل، لا حول لك ولا قوّة. تزيدك الأحداث عجزًا وإرباكًا. أين نقف اليوم؟ وإلى أين نتّجه؟ضياعٌ في تحديد الواقع واستشراف القادم، ضياعٌ لا يحلّه إلّا مزيدٌ من الارتماء في اللامبالاة والاستسلام للرياح بما لا تشتهي السُفن. عرّانا «أبو عُمَر» العكاري مع أفول عام ٢٠٢٥. نحن أهل السُّنّة في لبنان. الطائفة الأكبر، الأكثريّة، الأمّة، الامتداد الأوسع، العمق الاستراتيجي…كشفنا «أبو عُمَر» أمام أنفسنا قبل الآخرين. قام من بيننا، من بيّن عوراتنا وضعفنا وهزلنا وسخف قياداتنا والمتحكّمين بحياتنا ومصائرنا، على رقعةٍ من أرض هي أصغر من مدن الصفيح وأكبر من مضارب قبيلةٍ جاهليّة. ما بالُ هذا الفكر العظيم حين يتقوقع في اتصالٍ من رقمٍ سعودي أو بريطاني؟أيعقل أن ينتخب بيروتيٌّ شخصًا كفؤاد مخزومي بعدما عرفنا عمقه السياسي؟أمن الممكن أن يصلّي أحدهم خلف شيخٍ من أنماط خلدون عريمط، يختزل دارًا كالمؤسّسة الدينيّة الأكبر في البلد؟كيف لا نزال نقبل بهذا الأمر في زمن التطوّر والحداثة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟أحقًّا نحن ضعفاء إلى هذا الحدّ، أم أكثر في الحقيقة؟ وكيف السبيل إلى التغيير والنهوض والارتقاء؟ للزمن خصوصيّة في حياة كلّ واحدٍ منّا. نتحيّن المحطّات والمناسبات لنربط بها أمرًا أو تغييرًا. نلجأ إلى الزمن كأداة تغيير وإن لم يتحقّق.بداية عامٍ جديد، مهما يكن، لكنّك تشعر لا إراديًّا بأنّك بتَّ تقيس الأمور حتى دقائقها وفقًا لما قبله أو ما بعده.تربط التغيير بنقطةٍ زمنيّة وإن كانت وهميّة. هي الحاجة إلى مرتكزٍ كي تنطلق. مع أفول عامٍ وبداية آخر، تجد نفسك مُرغمًا إلى تفكيرٍ مختلف عن سائر الأيّام.تأكلك الحيرة من جديد: ماذا أفعل حيال عناوين كبيرة، أكبر منّي؟ ليكن عامك الجديد «عامًا عُمريًّا». عامُ عمر بن الخطّاب، عند «دِرَّته» تستقيم الأرض بعد هزّتها، فتصغر العناوين مهما كبرت، حتى لو بلغت حدود الصين، وأطماع ترامب بغرينلاند، وتوحش إسرائيل، والدين الإبراهيمي الجديد…لا داعي للإرباك حين تكون البوصلة عُمريّة. تسهل الكثير من الأمور التي تظنّها مهولة. هي كما قالها الخليفة الراشد: «نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله». لسنا يتامى التاريخ، لكنّنا نصرّ على العيش كأيتامٍ الحاضر.نمتلك الإرث، ونفرّط بالبوصلة. نرفع اسم عُمَر، ثم نبحث عن الإذن من سفارة، أو عن الفتوى في مكالمة، أو عن الشجاعة في بيان. لسنا أقلّيّة، لكنّنا نتصرّف كجماعةٍ تطلب النجاة لا الدور، والستر لا القرار، والسكوت لا الحقّ.نخاف المواجهة، فنستبدلها بالتكيّف، ونسمّي الانحناء حكمة، والتراجع تعقّلًا، والفراغ سياسة. حين تضيع الأمّة، يصبح «أبو عُمَر» أقرب إلينا من عُمَر، وتصبح العمامة أهمّ من العدالة، والزعامة أعلى من المبدأ، والصورة أثقل من الموقف. عُمَر لم يكن لقبًا، كان ميزانًا.لم يكن صوتًا جهوريًّا، بل عدلًا صامتًا يُرعب الظلم.لم ينتظر لحظةً دوليّة ولا غطاءً إقليميًّا، بل وقف، فاستقام الزمن من حوله. ليكن 2026، #عام عمر…في كل واحد فينا. إنهض، قاوم، قاتل، تنتصر.