صَدمَةٌ فِي سُوقِ “المُبْدِعِينَ الرَّقْمِيِّينَ” فِي البَلَدِ. فَجْأَةً، وَمِن دُونِ سَابِقِ إِنْذَارٍ، تَوَقَّفَتْ عَمَلِيَّاتُ تَحوِيلِ أَرْبَاحِ مَنْصَّةِ “تِيك تُوك” إِلَى لُبْنَانَ، فَمَا الَّذِي جَرَى وَلِمَاذَا هَذِهِ الخُطْوَةُ الكَبِيرَةُ الَّتِي سَتَتْرُكُ آثَارًا عَلَى صُنَّاعِ المُحْتَوَى المَحَلِّيِّينَ وَعَلَى الاقْتِصَادِ…؟ في أَوَائِلِ “أَيْلُولَ الأَسْوَدِ” كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الآنَ فِي لُبْنَانَ، وُجِدَ مِئَاتٌ مِنْ صَنَّاعِ المُحْتَوَى اللُّبْنَانِيِّينَ أَنْفُسَهُمْ أَمَامَ صَدْمَةٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعَةٍ. فَالْقَنَوَاتُ الَّتِي كَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهَا لِسَحْبِ أَرْبَاحِهِمْ مِنْ تَطْبِيقِ “تِيك تُوك”، وَلا سِيَّمَا مِنْ مِيزَةِ البَثِّ المُبَاشِرِ وَالهَدَايَا الافْتِرَاضِيَّةِ، تَوَقَّفَتْ فَجْأَةً مِنْ دُونِ سَابِقِ إِنْذَارٍ. هَذَا التَوَقُّفُ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ تَعْطِيلٍ تِقْنِيٍّ عَابِرٍ، بَلْ مَسْأَلَةً مَالِيَّةً بِامْتِيَازٍ، إذْ تُشِيرُ مَصَادِرُ مَالِيَّةٌ مُتَابِعَةٌ إِلَى أَنَّ نَشَاطَ البَثِّ الحَيِّ وَحْدَهُ كَانَ يُدِرُّ مَا يُقَارِبُ مِلْيُونَ دُولَارٍ يَوْمِيًّا فِي المَحَافِظِ الرَّقْمِيَّةِ المُرْتَبِطَةِ بِمُسْتَخْدِمِي لُبْنَانَ. وَبِالنِّسْبَةِ لِلكَثِيرِينَ، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المَبَالِغُ مُجَرَّدَ أَرْقَامٍ عَلَى الشَّاشَةِ، بَلْ دَخْلًا يَوْمِيًّا سَاعَدَهُمْ عَلَى إِعَالَةِ أُسَرِهِمْ وَمُوَاجَهَةِ الأَوْضَاعِ الاقْتِصَادِيَّةِ القَاسِيَةِ. ارْتِيَابٌ وَأَنْشِطَةٌ إِجْرَامِيَّةٌبِحَسَبِ المَعْلُومَاتِ، فَإِنَّ التَّجْمِيدَ لَمْ يَأْتِ عَبْرَ إِعْلَانٍ رَسْمِيٍّ مِنَ الشَّرِكَةِ الأُمِّ، بَلْ كَانَ نَتِيجَةَ سِلْسِلَةِ إِجْرَاءَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ قَامَتْ بِهَا شَرِكَاتُ الوِسَاطَةِ وَمُزَوِّدُو خَدَمَاتِ الدَّفْعِ المَحَلِّيُّونَ، الَّذِينَ آثَرُوا وَقْفَ التَّحْوِيلَاتِ بانتِظَارِ آلاَتِ تَحَقُّقٍ أوْضَحَ مِنْ مَصَادِرِ الأَمْوَالِ. وَلَكِنْ خَلْفَ هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَبَاشِرَةِ، تَتَشَابَكُ أَسْبَابٌ مُتَدَاخِلَةٌ أُخْرَى. مِنْ جِهَةٍ، تَزَايَدَتِ الضُّغُوطُ التَّنْظِيمِيَّةُ الدُّوَلِيَّةُ وَالمَحَلِّيَّةُ بِشَأْنِ مَنْصَّاتٍ رَقْمِيَّةٍ تُتِيحُ تَحْوِيلَ الهَدَايَا الافْتِرَاضِيَّةِ إِلَى أَمْوَالٍ نَقْدِيَّةٍ، فِي وَقْتٍ يُوَاجِهُ فِيهِ لُبْنَانُ أَسَاسًا صُعُوبَاتٍ مُتَرَاكِمَةً تَتَعَلَّقُ بِتَصْنِيفِهِ عَلَى لَوَائِحِ المُرَاقَبَةِ الخَاصَّةِ بِمُكَافَحَةِ غَسْلِ الأَمْوَالِ وَتَمْوِيلِ الإِرْهَابِ. وَمِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ، تَزَامَنَ ذَلِكَ مَعَ كَشْفِ وَثَائِقَ قَضَائِيَّةٍ أَمْرِيكِيَّةٍ فِي العَامِ الجَارِي، تَضَمَّنَتْ إِشَارَاتٍ إِلَى تَحْقِيقَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ أَجْرَتْهَا “تِيك تُوك” نَفْسُهَا حَوْلَ اسْتِغْلَالِ مِيزَةِ البَثِّ المُبَاشِرِ فِي عَمَلِيَّاتِ غَسْلِ أَمْوَالٍ وَأَنْشِطَةٍ إِجْرَامِيَّةٍ مُنَظَّمَةٍ، وَهَذَا مَا عَزَّزَ مُنَاخَ الارْتِيَابِ لَدَى المَصَارِفِ وَمُزَوِّدِي الخَدَمَاتِ المَالِيَّةِ فِي لُبْنَانَ. فِي السِّياقِ نَفْسِهِ، يُعَانِي النِّظَامُ المَالِيُّ اللُّبْنَانِيُّ مِنْ قُصُورٍ وَاضِحٍ فِي التَّحَقُّقِ مِنْ هُوِيَّةِ المُسْتَفِيدِينَ وَمَصْدَرِ الأَمْوَالِ عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِتَدَفُّقَاتٍ رَقْمِيَّةٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. فَالْهَدَايَا الافْتِرَاضِيَّةُ تَتَنَقَّلُ دَاخِلَ المَنْصَّةِ قَبْلَ أَنْ تُطْلَبَ عَمَلِيَّةُ السَّحْبِ النَّقْدِيِّ عَبْرَ وَسَطَاءَ مَحَلِّيِّينَ، مَا يَجْعَلُ الشَّفَافِيَّةَ مَحْدُودَةً وَالِامْتِثَالَ ضَعِيفًا. وَمَعَ اِنْسِحَابِ بَعْضِ هَؤُلاَءِ الوُسَطَاءِ أَو تَجْمِيدِهِمْ نَشَاطَهُمْ، اِنْهَارَتْ سِلْسِلَةُ التَّحْوِيلَاتِ بِشَكْلٍ شِبْهِ كَامِلٍ. تَزَامَنَ التوقف مَعَ كَشْفِ وَثَائِقَ قَضَائِيَّةٍ أَمْرِيكِيَّةٍ تَضَمَّنَتْ إِشَارَاتٍ إِلَى تَحْقِيقَات أَجْرَتْهَا “تِيك تُوك” حَوْلَ اسْتِغْلَالِ مِيزَةِ البَثِّ المُبَاشِرِ فِي عَمَلِيَّاتِ غَسْلِ أَمْوَالٍ وَأَنْشِطَةٍ إِجْرَامِيَّةٍ، مَا عَزَّزَ مُنَاخَ الارْتِيَابِ لَدَى المَصَارِفِ وَمُزَوِّدِي الخَدَمَاتِ المَالِيَّةِ فِي لُبْنَانَ غسيلٌ وَتَبْيِيضُ أَمْوَالٍ؟تَفْتَحُ هَذِهِ التَّطَوُّرَاتُ البَابَ وَاسِعًا أَمَامَ سُؤَالٍ مُهِمٍّ: كَيْفَ تُسْتَخْدَمُ مَنْصَّاتُ البَثِّ المُبَاشِرِ فِي غَسْلِ الأَمْوَالِ؟ الفَيَلاتُ القَضَائِيَّةُ الَّتِي كُشِفَتْ أَخِيرًا تَصِفُ عَمَلِيَّةً تَكَادُ تَكُونُ كِلَاسِيْكِيَّةً. الأَمْوَالُ تَدْخُلُ بِدَايَةً كَرَصِيدٍ صَغِيرٍ عَلَى شَكْلِ هَدَايَا رَقْمِيَّةٍ تُرْسَلُ إِلَى حِسَابَاتٍ مُحَدَّدَةٍ، ثُمَّ تُجَمَّعُ عَبْرَ وَسَطَاءَ يَتَوَلَّوْنَ تَحْوِيلَهَا إِلَى خَارِجِ نِظَامِ التَّطْبِيقِ مُقَابِلَ عُمُولَاتٍ مُغْرِيَةٍ. بَعْدَ ذَلِكَ تُوَزَّعُ هَذِهِ المَبَالِغُ عَلَى حِسَابَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوْ تُسْتَبْدَلُ بِعُمَلَاتٍ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ تَعُودَ إِلَى السُّوقِ عَلَى شَكْلِ سِيُولَةٍ نَقْدِيَّةٍ، فِي عَمَلِيَّةٍ يُصَاحِبُهَا أَحْيَانًا اسْتِخْدَامُ فَوَاتِيرَ أَوْ عُقُودٍ وَهْمِيَّةٍ لِمَنحِهَا غِطَاءً قَانُونِيًّا. بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، يَتَحَوَّلُ تَطْبِيقٌ تَرْفِيهِيٌّ إِلَى وَاجِهَةٍ مُحْتَمَلَةٍ لِشَبَكَاتِ تَبْيِيضِ أَمْوَالٍ عَابِرَةِ الحُدُودِ. الأَثَرُ فِي لُبْنَانَ يَتَجَاوَزُ حُدُودَ المُبْدِعِينَ أَنْفُسِهِمْ. صَحِيحٌ أَنَّ الخَسَارَةَ المُبَاشِرَةَ يَتَحَمَّلُهَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ انْقَطَعَ دَخْلُهُمْ فَجْأَةً، لَكِنَّ التَّبِعَاتِ أَشْمَلُ بِكَثِيرٍ. إِذْ يَدْفَعُ التَّوَقُّفُ إِلَى الاعْتِمَادِ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ عَلَى قَنَوَاتٍ غَيْرِ رَسْمِيَّةٍ، مِثْلَ الوُسَطَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ خَارِجَ الأُطُرِ القَانُونِيَّةِ، وَهَذَا مَا يُفَاقِمُ مَخَاطِرَ الشَّفَافِيَّةِ وَيُعَزِّزُ الاقْتِصَادَ المَوَازِيَّ. كَذَلِكَ، فَمِثْلُ هَذِهِ الحَوَادِثِ تُعَمِّقُ مَخَاوِفَ البُنُوكِ المُرَاسِلَةِ الأَجْنَبِيَّةِ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ المُؤَسَّسَاتِ المَالِيَّةِ اللُّبْنَانِيَّةِ، مَا قَدْ يَزِيدُ مِنْ كُلْفَةِ المُعَامَلَاتِ الدَّوْلِيَّةِ وَيُضَعِّفُ سُمْعَةَ البِلَادِ المَصْرِفِيَّةَ التِي هِيَ بِحَاجَةٍ إِلَى إِنْعَاشٍ فِي أَحْسَنِ الأَوْقَاتِ. مَا العَمَلُ؟وِسْطَ هَذَا المَشْهَدِ، يَبْرُزُ سُؤَالٌ عَنِ الخُطُوَاتِ المُمْكِنَةِ. ثَمَّةَ حَاجَةُ إِلَى إِعْلاَنٍ شَفَّافٍ وَسَرِيعٍ مِنْ “تِيك تُوك” وَمُزَوِّدِي الخِدْمَةِ المَحَلِّيِّينَ وَمَصْرِفِ لُبْنَانَ حَوْلَ حَجْمِ الأَمْوَالِ المُجَمَّدَةِ وَآلِيَّاتِ اسْتِرْدَادِهَا. كَمَا أَنَّ وَضْعَ قَنَوَاتِ تَحْوِيلٍ مُرَخَّصَةٍ وَمُبَسَّطَةٍ تَرْعَى مَعَايِيرَ الامْتِثَالِ بَاتَ ضَرُورَةً لا مَفَرَّ مِنْهَا، وَذَلِكَ عَبْرَ شَرَاكَاتٍ مَعَ بَوَّابَاتِ دَفْعٍ دُوَلِيَّةٍ تَتَبَنَّى مَعَايِيرَ صَرِمَةً فِي التَّحَقُّقِ مِنْ الهُوِيَّةِ وَمَصْدَرِ الأَمْوَالِ. فِي المَدَى القَرِيبِ، تَبْدُو الحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى حِمَايَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ لِصَنَّاعِ المُحْتَوَى الَّذِينَ وُجِدُوا أَنْفُسَهُمْ فَجْأَةً بِلَا دَخْلٍ، وَإِلَى إِجْرَاءَاتٍ قَضَائِيَّةٍ صارِمَةٍ لِمُلاَحَقَةِ الوُسَطَاءِ غَيْرِ الشَّرْعِيِّينَ الَّذِينَ قَدْ يَسْتَغِلُّونَ هَذِهِ الفَجْوَةَ لِتَوْسِيعِ شَبَكَاتِ غَسْلِ الأَمْوَالِ. تَكْشِفُ حَادِثَةُ "تِيك تُوك" فِي لُبْنَانَ ازْدِوَاجِيَّةَ العَالَمِ الرَّقْمِيِّ المُعَاصِرِ. فَمِنْصَةٍ تُسَوِّقُ نَفْسَهَا كَفَضَاءَةٍ لِلِابْدَاعِ وَالتَّرْفِيهِ، قَدْ تَتَحَوَّلُ فِي غِيَابِ الضَّوَابِطِ إِلَى قَنَاةٍ مَالِيَّةٍ مَوَازِيَّةٍ يَصْعُبُ رَصْدُهَا. وَمَا بَيْنَ حَاجَةِ الشَّبَابِ إِلَى مَصْدَرِ دَخْلٍ سَرِيعٍ وَرَغْبَةِ المُجْتَمَعِ الدُّوَلِيِّ فِي إِغْلَاقِ ثُغَرَاتِ غَسْلِ الأَمْوَالِ، يَقِفُ لُبْنَانُ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ مُفْتَرَقِ طُرُقٍ. إِمَّا أَنْ يَسْلُكَ دَرْبَ التَّنْظِيمِ وَالشَّفَافِيَّةِ فَيَفْتَحَ أَمَامَ مَوَاهِبِهِ آفاقًا قَانُونِيَّةً مُسْتَقِرَّةً، وَإِمَّا أَنْ يَبْقَى أَسِيرَ الفَوْضَى حَيْثُ تَتَحَوَّلُ الِابْتِكَارَاتُ إِلَى مَخَاطِرَ، وَتَبْقَى الأَمْوَالُ رَهِينَةَ التَّعْقِيدَاتِ.