لا تَحارْ كثيراً فيما ستُطلقه على المشهدِ “البشِع” الذي رأيتَه بالأمس في شرم الشيخ. إنّها” قِمّة الخفّة”. لا شيء آخر. هذا أوّل ما يتبادر إلى ذهنك دون تردّدٍ أو عناء. هي الفطرةُ الموثوقة السليمة، لأنّها حقيقية. كلّ شيءٍ في تلك المناظر التي بدأت من طائرةِ الرئاسة الأميركية الأولى، مروراً بكنيست تل أبيب وانتهاءً بشرم الشيخ، كان يُوحي بالخفّة. كلّ شيء… ما عدا هولَ ما جرى ويجري في غزّة، بحقّ القضيّة، بحق العرب، والشرق الأوسط، والأمّة، وبحق الإنسانيّة جمعاء. كلّ شيءٍ كان يُوحي بالخفّة، إلا الفاجعة. كانت ثقيلةً جدّاً، كما الحقيقة. كانت مُثقلةً بالصعوباتِ الآتية إلى حياتنا في القادم من الأيّام. #### كم تبدّلت الأشياء في سنين قليلة. حتّى الانبطاح صار خفيفاً، بلا وزن، ولا طَعم. كلّ شيءٍ كان قبيحاً، في الشكل والمضمون. وكأنّه تمّ الإعداد لهذا اللقاء على عَجَل، حُدِّد في ساعاتِه الأخيرة قبل أن نراه. حتّى “الطوبزة” في الغابر من الزمن كانت أثقل. ما عاد للأشياء من وزن. رؤساءُ وشخصياتٌ وممثّلو قوى من المفترض أن يقرّروا عن الملايين، تخالُهم كطلّاب مدرسةٍ رسميّة في إحدى أرياف الجزائر. لم يَعُد للمنصب من وزن. لم يَعُد للمركز من يملؤه. غِلمانٌ ولو غزا الشَّيب رؤوسهم يتحكّمون بحياتنا وحياة مئات الملايين من البشر يعيشون في هذا الجزء من العالم… وحتى خارجه. تسأل نفسك أين الناس الثقيلة، لماذا علينا أن نعاني من هذه الخفة ما بقي لنا من حياة؟ #### تنظر إلى تقاسيم ملامح ترامب وهو يقودهم، وهم مبهورون مستسلمون مندهشون لبياضه. تحتار أن تضحك عليه أم له؟ لا تستطيع الجزم بأنّه جادٌّ فيما يقوله، مهما كان يتحدّث به. يبدو متأثّراً بما ينطق، وإنّه يُجهد لإقناع نفسه قبل الآخرين بأنّه نجح في اجتياز دروس البلاغة العامة للخطابة بالناس. وكأنّه يسأل نفسه عمّا يقوله الآن: مَن علّمه هذه التقنية؟ هل نجح في الاختبار أم تفوّق على نفسه؟ أم أنّ الجمهور المستمع في الأصل ليس متطلّباً، وسيقبل بأيّ شيءٍ يصدر عن “قائد العالم” الجديد. لا إراديّاً، تَحضُرك صورة ترامب في شبابه يتمايل مع “غانيتين” بالقرب من مُغتصِب الأطفال جيفري إبستين. كانا صديقين مقرّبين في حفلات المجون والجنس الجماعي ونكاح “القُْصر”. واليوم “الشاطر” من زعمائنا من ينجح في كسب ودّه والتودّد إليه ليكونا صديقين. #### حتّى ما تفنّن العرب في البذخ عليه شكلاً ومظهراً في قاعاتٍ تُبهر الناظرين، افتُقد أمس. لا جمال في الأثاث، والقاعات، والبَرادي، وحتى الأعلام والرايات وشعارات الحدث وخط الكتابة تراها باهتة. كلّ شيءٍ كان قبيحاً، إلا مشهدَ أبو مازن المنزوي في نهايةٍ تليق بما قدّمه لحياته، كان أجمل المناظر. تحزن للحظة، لكنّ السعادة تُعاودك حين تُدرك أن “خفّة” كهذه تجلّت في موظفين “صف ثاني” على شكل رؤساء وملوكاً وأمراء، ليس من الصعب أن تطير كريشةٍ في مهبّ الريح… حين تُقرّر الشعوب أن تنفخ عليهم… مجرّد النفخ.