قبل أيام، وصلت شاحنة محملة بالردميات لطمرها في الأرض التي تستثمرها بلدية صيدا، إلا أن الموظف المعني رفض إدخالها، بناءً على تعليمات من البلدية تقضي بمنع إدخال أي ردميات من خارج المدينة. يأتي هذا المنع بعد فترة كان يُسمح فيها بذلك مقابل دفع رسوم محددة، مما يثير الشبهات حول وجود جهات تستفيد من الفرق بين الرسوم الفعلية وما كان يدفعه ناقلو الردميات بعد هذا المنع، توجهت الشاحنة إلى معمل معالجة النفايات، حيث استُقبلت وأفرغت حمولتها، وفقاً لمصادر مطلعة، لينقل الردم إلى إحدى التلال المحيطة بالمعمل بعد دفع المبلغ المتفق عليه لإدارة المعمل. ولم تكن هذه الشاحنة الوحيدة، فقد سبقتها شاحنات أخرى أفرغت حمولاتها في أرض ملاصقة للمعمل، كانت إدارته قد حصلت على إذن باستخدامها من بلدية صيدا في وقت سابق؛ فيصدق هنا المثل: “ما لا يدخل من الباب، يدخل من الشباك”. لم يصدر أي رد فعل أو موقف من المجلس البلدي لمدينة صيدا حيال هذه التجاوزات، سوى تململ خجول من عضو هنا أو هناك. واللافت في هذا الإطار أن إدارة المعمل تستقبل نفايات من خارج نطاق اتحاد بلديات صيدا-الزهراني، ومن مناطق مختلفة، على الرغم من أن الاتفاق الموقع بين البلدية وإدارة المعمل يشترط لاستقبال نفايات من خارج الاتحاد ألّا تتجاوز كمياتها قدرة المعمل على المعالجة، وألّا تؤثر سلباً على الوضع البيئي في المدينة. اليوم، وباعتراف الجميع، فإن المعمل لا يعمل بصورة منتظمة، بل توقف عن العمل لسنوات، حسب اعتراف إدارته. وحتى هذه اللحظة، تكتفي الإدارة بوضع خطط تطويرية وتحسينية دون تنفيذ، وسط غياب تام للمجلس البلدي. يستقبل المعمل نفايات من خارج نطاق اتحاد بلديات صيدا-الزهراني، ومن مناطق مختلفة، على الرغم من أن الاتفاق الموقع بين البلدية وإدارته يشترط لاستقبال نفايات من خارج الاتحاد ألّا تتجاوز كمياتها قدرته على المعالجة، وألّا تؤثر سلباً على الوضع البيئي في المدينة مضى أكثر من أربعة أشهر على انتخاب المجلس البلدي الجديد، لكنه لم يجتمع لمناقشة مشكلة معمل المعالجة الذي لا يقوم بالمهام المنوطة به، على الرغم من استيفائه رسوماً مقابل معالجة لا تتم. كما تعثر تشكيل لجنة بلدية لمتابعة شؤون المعمل، بعد أن اشترط رئيس البلدية، مصطفى حجازي، أن يرأسها بنفسه وإلا فلا داعي لها، مكتفياً باللجنة الموروثة من المجلس السابق، والتي لم يُعد تشكيلها بعد الانتخابات الأخيرة. وتشهد الفترة الحالية غياباً لهذه اللجنة وأعضائها عن متابعة المعمل وبنود الاتفاق والخطط التطويرية “الفولكلورية”. وللأسف، شُكلت لجنة للبيئة في البلدية، لكنها غير معنية بمتابعة المعمل، وتكتفي بزيارات ونقاشات عامة دون اتخاذ خطوات عملية. كنس ورشوة؟ بدلاً من أن تقوم إدارة المعمل بواجباتها الأساسية، نلاحظ مشاركتها في كنس بعض الشوارع، دون وجود أي اتفاقية مع البلدية. ويُطرح التساؤل عما إذا كانت هذه المبادرة جزءاً من خطة عامة أم “رشوة” لضمان استمرار التوقيع على جداول المعالجة الوهمية، وبالتالي تغطية سياسة نهب المال العام. وتكشف مصادر مطلعة أنه على الرغم من عدم التزام إدارة المعمل بوعودها المتكررة بإصلاحه وإعادة تشغيله بشكل منتظم، فإن السلطة الفعلية المهيمنة على المجلس البلدي تؤجل مناقشة وضع المعمل إلى ما بعد الانتخابات النيابية القادمة. ويشير هذا التأجيل إلى وجود حماية سياسية لعملية نهب المال العام، التي تتم من خلال دفع أموال مقابل معالجة لا تحدث، فضلاً عن تحول المعمل إلى مركز لشراء النفايات القابلة للتدوير من “النكيشة” على مرأى ومسمع من بلدية صيدا. فهل سيبادر أعضاء من المجلس البلدي إلى فرض اجتماع لمناقشة خطوات جادة لمعالجة شؤون المعمل؟ أم سيكتفون بالتذمر والانتقادات دون اتخاذ إجراءات عملية تفرض حلاً جدياً وعلمياً لوضع المعمل، يستند إلى السياسات الواجب اتباعها، لا مجرد ملاحظات تقنية يتستر خلفها البعض؟
رَصَدَتْ عدسةُ جريدةِ “البوست” صباحَ أمسِ الأحدِ إحدى الشاحناتِ التابعةِ لشركة NTCC العاملة في جمع وكنس النفايات ضمن نطاق مدينة صيدا واتحاد بلديات الزهراني وهي تقومُ بجمعِ النفاياتِ من إحدى قرى منطقةِ جزّين تمهيدًا لنقلِها إلى صيدا، علمًا أنّ قرى منطقةِ جزّين لا تقع ضمن اتحادِ بلديّاتِ صيدا-الزهراني. يُعَدُّ هذا الأمرُ المُشبوهُ والمُخزي مخالفةً صريحةً في وضحِ النهارِ للقوانينِ والأنظمةِ المرعيّةِ الإجراء. فإلى متى ستبقى صيدا مكبًّا للنفايات؟ وإلى متى سيبقى حائطُها “واطيا”، بعد أن حوَّلها تواطؤُ مسؤوليها والقائمون على شؤونها مشاعًا يَلمُّ أوساخَ الآخرين، وكأنّ أوساخَهم لا تَكفي المدينة المظلومة؟
مرَّ شهرٌ كامل على الاجتماعات “الفولكلورية” التي عُقدت في بلدية صيدا، وفي معمل معالجة النفايات الملاصق للمكبّ. ضمَّ الاجتماع الأوّل رئيس البلدية مصطفى حجازي وعدد من أعضاء المجلس البلدي إلى جانب عددٍ من أعضاء لجنة المعمل، فيما جمع الاجتماع الثاني إدارة المعمل بالإضافة إلى المجموعة الأولى. كما كان متوقَّعاً، لم تخرج هذه اللقاءات بأيِّ نتيجةٍ واضحة أو ملموسة، سوى مزيدٍ من الوعود المكرَّرة، لكسب الوقت والمال من قِبل إدارة المعمل، مقابل مزيدٍ من فقدان الثقة من الأطراف الأخرى. في ختام الاجتماع الثاني، طُرِح اقتراحٌ لافت، يقضي بأن تتولّى إدارة المعمل تمويل رواتب عشرة عناصر من شرطة البلدية، تكون مهمّتهم مراقبة مستوعبات النفايات ومنع “النكيشة” من فرزها. كما تردّد أن الإدارة مستعدّة لتغطية تكاليف كنس مدينة صيدا لعامٍ كامل، وهو طرحٌ لقي تجاوباً سريعاً من رئيس البلدية. إلّا أنّ ردّة الفعل الفورية جاءت من عضو المجلس البلدي المهندس محمد دندشلي، الذي أصدر بياناً قال فيه: “إذا كانت الإدارة تريد التعويض عن فشلها في معالجة النفايات وتحويلها إلى جبالٍ مكدَّسة، فعليها أن تلتزم أولاً ببنود الاتفاق الموقَّع، وأن تنظّف المدينة لعشر سنوات على الأقل، لا لعامٍ واحد فقط.” الحريق الكبير الذي اندلع في 11 آب 2025 أعاد الأزمة إلى الواجهة، ودفع اللجنة الشعبية في “التنظيم الشعبي الناصري” إلى الدعوة لاعتصامٍ ووقفة احتجاجية عند مدخل المعمل. المفارقة أنّه خلال الاعتصام، وصلت ثلاث “توكتوك” محمَّلة بمواد قابلة للتدوير، في طريقها إلى المعمل. ما يعني أنّ إدارة المعمل تشتري هذه المواد من “النكيشة” لتضاعف أرباحها من المال العام، فيما يأتي اقتراحها بتمويل شرطةٍ بلدية لضمان وصول كل النفايات إليها مباشرة، وبالتالي الاستغناء عن وسطاء الفرز. الحريق والمحاسبة على الرغم من مرور شهرٍ كامل على الاجتماعات، ورغم الحريق الكبير وما خلّفه من تداعياتٍ صحّية وبيئية خطيرة، لم يبادر المجلس البلدي حتى الآن إلى عقد جلسةٍ واحدة لمناقشة الوضع القانوني للمعمل، أو تحديد الخطوات الواجب اتّخاذها حمايةً لصحة المواطنين والمال العام. هذا الصمت المريب لا يمكن قراءته إلّا كمؤشّرٍ إلى وجود مظلّةٍ سياسية وقانونية تتيح استمرار نهب المال العام بلا حسيب أو رقيب.