في صباح غائم فوق العادة، وتحت تأثير خلل كوني في الزمن، عاد معروف سعد وكمال جنبلاط إلى الحياة. لا مؤتمر، لا جنازة رسمية، لا حتى “بوستات” على فيسبوك، فقط وجدوا نفسيهما وسط زحمة سير خانقة عند دوار إيليا، محاطين بأبواق سيارات، دراجات نارية بلا خوذات، وبصوت ريمكس لام كلثوم من تسجيل يُباع عند الإشارة.
كمال جنبلاط، وهو يمسح جبينه المتفاجئ:
“هل هذه صيدا؟ مدينة الفكر والتنوير والتمرد؟ أم أنني وصلت بالخطأ إلى منطقة حجز بلدي؟”
معروف سعد، يتفقد الأرض بنظرة حزينة:
“صيدا اللي سكرت المرفأ في وجه الاحتلال، فتحت مرافئها اليوم للمنتفعين والفاسدين، وكل نايب فيها صار وكيل حصري لشركة تنظيفات… أو صرافة.”
المشهد: اجتماع طارئ في أحد مقاهي الكورنيش، حيث قررا التحدث بصراحة:
كمال: “في أي مسرح عبثي نعيش؟ النواب الصيداويون يصدرون بيانات التضامن مع أنفسهم كل أسبوع، ويحتفلون بأنهم “تابعوا” أزمة النفايات، وكأنهم يديرون وكالة رويترز لا شؤون الناس.”
معروف، ضاربًا الطاولة:
“يا رجل! النائب أصبح مختاراً ببزة رسمية. وإذا طالبنا بأبسط حقوق الناس، قالوا لنا: هذا خطاب شعبوي!”
وعن سلاح الفلسطيني المقاوم، يضحك كمال ضحكة ساخرة تشبه قصيدة نزار:
“كل الأسلحة في البلد مشرعنة ومقدّسة، إلا بندقية الفلسطيني! سلاح اللاجئ صار الخطر الوجودي، أما ميليشيات الطوائف، فهي أدوات الاستقرار الوطني!”
معروف، مقاطعًا:
“مشكلتنا مش بس مع السلاح… مشكلتنا مع سلاح الصمت عند أثرياء المدينة! لي عنده مال، صامت؛ ولي عنده عمارة، شريك؛ ولي عنده ميليشيا، بيحكي باسم الدولة!”
ثم يلتفتان إلى ما يُسمى “الفعاليات”، فيضحك معروف:
“يا عيب الشوم… الفعالية عندنا تعني زعتر وزيتون على الإفطار مع رئيس البلدية، يلي ناطر توجيهات من فوق، وفوق ما في فوق!”
كمال يضيف، وكأنه يكتب وصية جديدة:
“هذه المدينة لا تحتاج إلى مهرجان فول عند الملعب البلدي ولا حفل انشادي في ساحة باب السراي، بل إلى من يصعد المنبر ويصرخ: كفى نفاقًا! كفى تجارًا بالدين، بالقضية، وبالناس!”
ثم يوجهان نداءً أخيرًا للشباب الصيداوي:
معروف: “ما تكونوا شهود زور على مدينتكم. لا تخافوا تقولوا الحقيقة: صيدا ما بقت لناسها، صارت حديقة خلفية لرجال المصارف وبلدية بنظام عقارات.”
كمال: “إذا رأيتم نائبًا واقفًا على الطريق ينتظر مشروعا تنمويا، اعلموا أنكم تحلمون. النائب هنا ينتظر موسم الانتخابات مثلما ينتظر التاجر موسم الأكدينيا.”
وفي النهاية، يقرران المغادرة، بعد أن أُرسلت لهما دعوة لحضور مؤتمر عن “دور صيدا في التنمية المستدامة”، يقام في أوتيل 5 نجوم خارج المدينة التي لا نجوم فيها … من تمويل المنظمات. يُسدل الستار على المدينة، لكنّ ضحكتهما الساخرة تبقى تتردّد في أزقتها:“صيدا؟ ما بقت مدينة… صارت إعلاناً ممولاً، بانتظار ترند جديد.”