تحميل

إبحث

في الصميم

الكنز المنسي والمال المهدور

Man money

في قلب صيدا، تكمن ثروة عقارية حقيقية تقدر بملايين الدولارات، لكنها تبقى حبيسة الإهمال والتجاهل. فبينما يردد المجلس البلدي عبارة “الصندوق فارغ” كلما طالبه المواطنون بتحسين الخدمات، تشير الوثائق الرسمية إلى أن البلدية تملك كنزاً عقارياً يضم 274 عقاراً موزعة على أحياء المدينة، قادرة على توليد إيرادات ضخمة لو أُحسن استثمارها

هذا الواقع المتناقض يطرح تساؤلات جدية حول مدى جدية الإدارة البلدية في البحث عن حلول مالية مستدامة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بلبنان منذ سنوات.

رحلة الخزينة

قبل أن تضرب الأزمة المالية لبنان بقوة، كانت بلدية صيدا تتباهى بوجود نحو 32 مليار ليرة لبنانية في خزينتها. رقم مثير للإعجاب، لكن الطريقة التي تم التعامل بها مع هذه الأموال تثير الكثير من علامات الاستفهام.

فبدلاً من استثمار هذه الأموال في مشاريع تنموية تعزز من قدرات البلدية وتحسن الخدمات المقدمة للمواطنين، اختار المجلس البلدي آنذاك توزيع مساعدات مالية بقيمة 3 مليارات و100 مليون ليرة لبنانية. لكن هذا التوزيع لم يكن بالدقة المطلوبة، حيث كشف متابعون عن تزوير في عدد من القسائم، واستفادة جمعيات مرتبطة بأطراف سياسية من عملية التوزيع لتعزيز الزبائنية السياسية.

اليوم، وبعد الانهيار الاقتصادي الكبير، تغير الخطاب البلدي بشكل جذري. فعندما يطالب المواطنون بأي خدمة، يأتي الرد الجاهز: “صندوق البلدية فارغ ولا نستطيع تأمين أي خدمة”. جملة تتكرر كالأسطوانة المشروخة، بينما يتجاهل المسؤولون وجود ثروة عقارية حقيقية تحت تصرفهم.

separator

أرقام ودلالات

في صيدا القديمة، تملك البلدية 85 عقاراً
أما في حي الدكرمان، فتصل ممتلكات البلدية إلى 110 عقارات
في حي الوسطاني، تملك البلدية 79 عقاراً
ما يجعل هذا الملف أكثر إثارة للجدل هو أن الحل لا يحتاج إلى تمويل خارجي أو مساعدات دولية. الأمر يتطلب فقط قراراً شجاعاً من المجلس البلدي، وإرادة حقيقية للتحرر من الوصايات السياسية التي تعيق عملية الاستثمار الأمثل لهذه الثروة العقارية. المواطنون في انتظار تحسين الخدمات، والحل موجود. الثروة العقارية التي تملكها البلدية قادرة على توليد إيرادات كافية لتمويل مشاريع تنموية حقيقية
separator

274 عقاراً في الانتظار

وفقاً للتقرير الصادر عن الإدارة العامة للشؤون العقارية بتاريخ 27 حزيران 2012، تملك بلدية صيدا 274 عقاراً في النطاق الإداري للمدينة، بينها 80 قسماً عقارياً. هذه العقارات موزعة جغرافياً على النحو التالي:

في صيدا القديمة، تملك البلدية 85 عقاراً، بينها 55 قسماً عقارياً. هذه المنطقة التاريخية تحمل قيمة استثمارية عالية نظراً لموقعها الاستراتيجي وطابعها التراثي الذي يجذب السياح والزوار.

أما في حي الدكرمان، فتصل ممتلكات البلدية إلى 110 عقارات، بينها 10 أقسام عقارية. هذا الحي الحيوي يشهد نشاطاً تجارياً وسكنياً مكثفاً، مما يجعل عقاراته ذات قيمة استثمارية مرتفعة.

وفي حي الوسطاني، تملك البلدية 79 عقاراً، بينها 15 قسماً عقارياً. هذا الحي المتنامي يشهد تطوراً عمرانياً متسارعاً، مما يزيد من القيمة الاستثمارية لعقاراته.

بالإضافة إلى هذه العقارات، تملك البلدية عدداً من المنشآت العامة التي يمكن استثمارها بطرق مختلفة لتوليد إيرادات إضافية.

 صرخة في البرية

لم تمر هذه الثروة العقارية المهملة دون انتباه الناشطين والمهتمين بالشأن العام. فقد تواصل تجمع “عل صوتك” مع المجلس البلدي حول هذا الموضوع، مقدماً معلومات تفصيلية وخرائط للعقارات، بالإضافة إلى مشاريع لتأهيل بعض العقارات. لكن كل هذه الجهود اصطدمت بجدار من التجاهل المؤسسي.

رغم تشكيل لجنة بلدية لمتابعة الموضوع، لم يجر المجلس البلدي أي دراسة جدية حول كيفية استثمار العقارات والمنشآت العامة لزيادة واردات البلدية. هذا التقاعس يثير تساؤلات حول مدى جدية الإدارة البلدية في البحث عن حلول للأزمة المالية.

انتهاكات وتجاوزات

الأمر لا يتوقف عند مجرد الإهمال، بل يتعداه إلى انتهاكات واضحة. فقد قدم تجمع “عل صوتك” للمجلس البلدي معلومات موثقة حول عدد من العقارات المشغولة بطرق غير قانونية، لكن المجلس لم يهتم للموضوع.

الأخطر من ذلك، أن عدداً من العقارات والمنشآت يجري استثمارها بإذن من المجلس البلدي مجاناً، وبدون توقيع اتفاق قانوني يؤمن دخلاً للبلدية. هذا يعني أن البلدية تتنازل طوعاً عن مصادر دخل محتملة في وقت تشكو فيه من الإفلاس.

فرصة للتغيير أم استمرار للإهمال؟

مع انتخاب المجلس البلدي الجديد، تتجدد الآمال في إمكانية تغيير هذا الواقع المؤسف. فالوعود الانتخابية التي قطعها الأعضاء الجدد ما زالت حاضرة في أذهان المواطنين، ولم يعد بإمكان أي منهم أن ينفي مسؤوليته عن هذا الملف الحيوي.

السؤال المطروح اليوم هو: هل سيبادر المجلس البلدي الجديد إلى وضع خطة تفصيلية لاستعادة العقارات والمنشآت التي يجري استثمارها بغير حق؟ وهل سيعمل على تقنين الاتفاقات المعقودة مع البعض الآخر واستثمار العقارات المتبقية؟ والأهم من ذلك، هل ستتم كل هذه العمليات بشفافية كاملة؟

من يحرر الكنز؟

في النهاية، تبقى قصة العقارات البلدية في صيدا مثالاً صارخاً على سوء الإدارة وضياع الفرص. فبينما تشكو البلدية من الإفلاس، تجلس على كنز حقيقي من العقارات التي يمكن أن تحول وضعها المالي بشكل جذري.

الأمل معقود على المجلس البلدي الجديد لكي يكون على مستوى التحدي، وأن يضع مصلحة المدينة ومواطنيها فوق كل اعتبار. فالوقت لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل والتسويف، والمواطنون يستحقون إدارة بلدية تعرف كيف تستثمر مواردها لخدمة التنمية والتطوير.

 

العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا