“وايت ووك”…الهامسون في أُذن ترامب


في خضم المشهد السياسي الأمريكي المتقلب، برز مصطلح “الوايت ووك” (White Woke) كظاهرة ثقافية وسياسية مثيرة للجدل، تحولت من مفهوم للوعي الاجتماعي إلى أداة سياسية قوية في يد الرئيس دونالد ترامب وحلفائه. فما هي هذه الحركة؟ وكيف أثرت على السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، وهل من مواجهة خفية تحصل خلف الأضواء فيما يتعلق بالمواقف تجاه إسرائيل والمنطقة؟
جذور المصطلح وتطوره
“الوايت ووك” يشير إلى الحراك الاجتماعي الذي ظهر أساساً كرد فعل على التحديات والانتقادات المتزايدة للهيمنة البيضاء والنظام الطبقي العرقي في الولايات المتحدة. هذه الظاهرة تحث على الإدراك الاجتماعي والالتزام بالقضايا العرقية والطبقية، لكنها، في بعض حالات، تتحول إلى مظاهر سطحية لأداء دور “المدافع” عن العدالة، غالباً بهدف تحسين صورة الذات أو التماهي مع تيارات سياسية واجتماعية معينة.
مصطلح “ووك” (Woke) في أصله ليس حديثاً كما قد يظن البعض. فقد نشأ في ثلاثينيات القرن الماضي داخل المجتمعات الأمريكية من أصول أفريقية، وكان يُستخدم للدلالة على اليقظة والوعي بالتمييز العنصري والظلم الاجتماعي. المصطلح مشتق من التعبير الإنجليزي “Stay woke” الذي كان يحث السود الأمريكيين على البقاء متيقظين ومدركين للمخاطر والتحديات التي تواجههم في مجتمع يعاني من العنصرية المؤسسية.
مع مرور الوقت، اكتسب المصطلح زخماً أكبر خلال حركة الحقوق المدنية في الستينيات، ثم عاد للظهور بقوة مع صعود حركة “حياة السود مهمة” (Black Lives Matter) في العقد الماضي. وبحلول عام 2014، بدأ المصطلح يتجاوز حدود المجتمعات السوداء ليدخل في الخطاب العام الأمريكي، مشيراً إلى الوعي بقضايا العدالة الاجتماعية والعرقية بشكل عام.
من الاجتماع إلى السياسة
مع تزايد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، خاصة خلال فترة رئاسة ترامب الأولى (2017-2021)، بدأ مصطلح “ووك” يكتسب دلالات سياسية جديدة. وبدأ اليمين الأمريكي، وعلى رأسه ترامب، في استخدام المصطلح بشكل سلبي للإشارة إلى ما يعتبرونه تطرفاً يسارياً في قضايا الهوية والعدالة الاجتماعية.
هنا ظهر مصطلح “الوايت ووك” (White Woke) للإشارة تحديداً إلى البيض الأمريكيين الذين يتبنون أفكاراً تقدمية في قضايا العدالة العرقية والاجتماعية، وينتقدون الامتيازات العرقية والتمييز المؤسسي. وقد استخدم المحافظون هذا المصطلح بشكل ساخر للإشارة إلى ما يرونه “شعوراً بالذنب الأبيض” أو “نفاقاً أخلاقياً” من قبل الليبراليين البيض.
فقاً لتقرير نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز في مايو 2024، فإن “التأثيرات المجتمعة لرئاسة ترامب، ووفاة جورج فلويد، وجائحة كوفيد-19 دفعت حركة الوعي الاجتماعي (wokeness) إلى مستويات غير مسبوقة”، مما أدى إلى رد فعل مضاد من اليمين الأمريكي.
ترامب و”الحرب على الووك”
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، أصبحت “الحرب على الووك” محوراً رئيسياً في سياساته الداخلية. وقد وصفت صحيفة الغارديان البريطانية في فبراير 2025 هذه الحملة بأنها “كرة هدم: حرب ترامب على ‘الووك’ تمثل تحولاً جذرياً في المجتمع الأمريكي”.
تجلت هذه الحرب في عدة إجراءات اتخذها ترامب منذ الأيام الأولى لرئاسته الثانية، والذي تمثل أبرزها في:
إلغاء برامج التنوع والإنصاف والشمول (DEI): وفقاً لتقرير نشرته صحيفة USA Today في أيار/مايو الماضي “منذ ساعاته الأولى في المنصب، عمل الرئيس دونالد ترامب على إنهاء برامج DEI”، معتبراً إياها “عنصرية ضد البيض”.
استهداف الجامعات والمؤسسات الأكاديمية: وفقاً لتقرير نشرته الغارديان في يونيو 2025، فإن إدارة ترامب شنت حملة ضد الجامعات الأمريكية الكبرى، وعلى رأسها هارفارد، بدعوى مكافحة “معاداة السامية في الحرم الجامعي والتمييز – خاصة ضد البيض والآسيويين”.
تغييرات في السياسات الثقافية: أطلق ترامب ما وصفه بـ “ثورة” ضد ما أسماه “استيلاء الووك على الثقافة الأمريكية”، مستهدفاً المؤسسات الثقافية والإعلامية التي يعتبرها متحيزة لليسار.

التأثير على السياسة الخارجية
إعادة تشكيل مجلس الأمن القومي: قام ترامب بإقالة عدد من المسؤولين الأمريكيين الداعمين لإسرائيل من مجلس الأمن القومي، في خطوة أثارت قلق تل أبيب، على خلفية الخلافات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن هجوم محتمل على إيران.
تغيير في العلاقات مع الحلفاء التقليديين: أشار تقرير لمجلس الأطلسي في مارس 2025 إلى أن إدارة ترامب تتبنى “نقاط حديث مضللة من روسيا حول أوكرانيا، وتهميش حلفاء الناتو”، في إطار ما وصفه التقرير بـ “خطة كبيرة لتخليص أمريكا من القيود الليبرالية والأجنبية”.
انفتاح على أنظمة كانت معزولة: في خطوة مفاجئة، أظهر ترامب انفتاحاً على التعامل مع أنظمة كانت معزولة سابقاً، مثل النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع، في تحول يعكس رفضه لما يسميه “السياسة الخارجية الووك” التي تركز على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية.

"الوايت ووك" ليست مجرد موضة اجتماعية، بل هي انعكاس لواقع معقد في الولايات المتحدة يعبر عن صراعات هوية وتغيرات اجتماعية عميقة
مستقبل الصراع
مع استمرار ولاية ترامب الثانية، من المتوقع أن يستمر الصراع حول “الوايت ووك” في تشكيل المشهد السياسي الأمريكي، داخلياً وخارجياً. وتشير صحيفة Financial Review الأسترالية في تقرير نشرته في يناير 2025 إلى التساؤل: “هل يعني هذا هزيمة الووك – أم مجرد جبهة أخرى في المعركة؟”
وفي ظل هذا الصراع المحتدم، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح حرب ترامب على “الوايت ووك” في إحداث تغيير جذري في المجتمع والسياسة الأمريكية، أم أنها ستؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والانقسام في بلد يعاني أصلاً من تصدعات عميقة؟