تحميل

إبحث

في الصميم

“مسلخ” صيدا الحكومي…والوزير الذي لا يقرأ

neglected_hospital_lebanon

كان لافتًا ما نشره النائب الدكتور عبد الرحمن البزري عبر حسابه على منصة “إكس” يوم السبت 12 تموز 2025: “للأسف… الوعود بالإصلاح لم تُترجم، ونخشى أن لا تُترجم. المحاصصة باقية، والتهميش مستمر. ولا يبدو أن التغيير قد بدأ”

تذكّرتُ حديثًا دار بيننا وبين البزري عند تشكيل الحكومة الحالية، وكيف أثنى على الدكتور ركان ناصر الدين بعد تعيينه وزيرًا للصحة، وأصرّ على أنه من الممكن إحداث إصلاح وتغيير في الوزارة المذكورة. يومها كان جوابي: “العِبرة في التنفيذ واتخاذ خطوات إصلاحية في قطاع الاستشفاء العام، وخصوصًا المستشفى الحكومي في صيدا.”

وزير الصحة ناصر الدين زار مستشفيات عدّة في الجنوب وفي مناطق أخرى من لبنان، لكنه لم يزر صيدا، ولم يُعاين الأوضاع في “المستشفى الحكومي” أو في “المستشفى التركي”.
عند تشكيل الحكومة، نشرت وسائل الإعلام أرقام هواتف الوزراء للشفافية والتواصل، وعندما نشرتُ تقريرًا عن المستشفى الحكومي وأرسلته إلى هاتفه، لم يطّلع عليه، ولم يعلّق.

لنسلّط الضوء على الوضع المأساوي الذي يعيشه المستشفى الحكومي في صيدا والعاملون فيه. وكي لا يحاول البعض الإيحاء بأن تدهور الوضع يعود إلى الأزمة المالية والاقتصادية التي يمرّ بها البلد، نُشير مجددًا إلى أنّ الأزمة تعود إلى سوء سلوك الإدارة في المستشفى المذكور، وأنها تحظى بحماية سياسية، وهي ما أشار إليه النائب البزري عندما قال إنّ “المحاصصة باقية.”


العاملون في المستشفى

من يتابع أعمال اللجنة التأسيسية للعاملين في المستشفى، يُلاحظ أن نشاطها يقتصر على متابعة وزارة الصحة ووزارة المالية لتأمين الأموال اللازمة لدفع الرواتب، وتبقى الإدارة متأخّرة عن تسديد الرواتب لمدة شهرين.
ماذا عن صندوق المستشفى؟ فارغٌ لأنه مثقوب، والإدارة تطلب من مسؤولي الصندوق تصفيره بين الحين والآخر، وتستعين أحيانًا بممرّضين يوميّين لقاء مبلغ يوميّ مقطوع.
يكفي القول إنّ قسمًا من المرضى لا يتمّ تسجيله، وبالتالي لا يُعرف أين تذهب أموال الفحوصات في المختبر، كما يتمّ مسح معلومات عن نظام المعلومات فيه.

في قسم الغسيل والتعقيم، هناك ثلاث ماكينات غسيل معطّلة من أصل أربع، وآلتان للتعقيم معطّلتان، بينما واحدة فقط تعمل

الطوارئ والسوبرماركت
تفتقد المستشفى لاختصاصات عدّة منها: أنف وأذن وحنجرة، جهاز هضمي، أمراض جلدية، وأمراض عيون. وقد تحوّلت إلى “سوبرماركت” يديره مجموعة من الأطباء الذين لا يلمسون مريضًا قبل قبض المبالغ التي يريدونها، وقد حوّل أحدهم عيادته الخاصة في المستشفى إلى مركز للعمليات، ويؤمّن احتياجاته من قسم الطوارئ.
بل، ويؤكّد عدد من المضمونين أنّ ما يدفعونه في المستشفى الحكومي يفوق ما يدفعه المضمون في مستشفى خاص، وهناك أمثلة كثيرة.
والمستشفى الذي يستطيع استقبال أكثر من مئة مريض، لا تجد فيه أكثر من ثلاثين مريضًا كحد أقصى.

في قسم الغسيل والتعقيم، هناك ثلاث ماكينات غسيل معطّلة من أصل أربع، وآلتان للتعقيم معطّلتان، بينما واحدة فقط تعمل.
معظم الآلات بحاجة إلى صيانة وتأهيل، وآلة “سكانر” متوقفة عن العمل، وكذلك آلة تخطيط العصب، وتحوّلت غرفة منظار المعدة إلى غرفة ينام فيها الموظفون.
في المطبخ، ثلاثة برّادات معطّلة، ولا تسأل عن فواتير المطبخ، إذ يبدو أنّ هناك حاجة إلى لجنة دولية للتدقيق فيها.

الدفع أولًا
في غرفة العمليات، التعليمات معروفة: الدفع قبل الدخول، وطبيب التخدير ليس من الضروري حضوره، فهناك ممرض يتولى عملية البنج، ويتقاضى جزءًا من أتعاب طبيب التخدير الذي تقتصر مهمّته على توقيع التقرير.
قسم العناية الفائقة في الطابق الثاني شبه مُقفل، وقسم تمييل القلب متوقّف عن العمل.
منذ فترة، طلبت الإدارة من الموظفين عدم الحضور كل أيام العمل توفيرًا لمبالغ التنقّل، وهذا القرار كان استنسابيًا وما يزال.

أما من يثبُت عليه مخالفته للقوانين وممارسته للفساد، ويحظى بحماية سياسية، فيبقى في مكانه ويقبض راتبه من دون دوام.
والمضحك أنّ أحد الموظفين ارتكب مخالفة قانونية كبيرة، ولم تُتخذ بحقّه أيّ عقوبة فعلية، حفاظًا على سياسة “6 و6 مكرر”، وبعد تدخّل سياسي رفيع المستوى.

بعض الموظفين تحوّلوا إلى تُجّار معدّات طبية إلى جانب تقاضيهم رواتبهم العادية، وبعضهم الآخر تحوّل إلى بائع أدوية في الجنوب، بعد أن يتحصّل عليها من الصيدلية وقسم الطوارئ.

كل هذه الأخبار نموذج عمّا يحصل في المستشفى المذكور، والتفاصيل طويلة وعديدة.

ظنّ الكثيرون بعد تشكيل الحكومة الحالية أنّ الإصلاح الإداري قادم. ويبدو أن ذلك من أحلام اليقظة، وما زالت مجالس الإدارة في المستشفيات الحكومية هي مساحة للأطراف السياسية التي تغطي سياسة نهب المال العام ونهب المواطنين. ويغيب عنهم أنّ الرعاية الصحية هي حق من حقوق الإنسان، لأنهم لا يتصرّفون مع الناس على أنهم بشر، بل رعايا يحملون بطاقات للانتخاب الدوري.
al-Post
العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا