في خطوة غير مسبوقة، كشفت مبادرة أهلية أطلقتها مؤسسة أبو مرعي الخيرية بالتعاون مع بلدية صيدا، عن تحديات عميقة تواجه السلطات الرسمية في مكافحة ظاهرة التسول المنظم. فبعد أسبوع واحد من تطبيق المبادرة، اختفى المتسولون من ساحة إيليا وتقاطع سبينيس، ما يثير تساؤلات حول قدرة الدولة على فرض القانون في قضايا أقل تعقيداً من حصر السلاح.
في بيان صادر بتاريخ 19 آب 2025، أعلنت بلدية صيدا عن “إطلاق مؤسسة أبو مرعي الخيرية لمبادرة مشكورة بالتنسيق مع البلدية للمساهمة في مكافحة ظاهرة التسول، مؤكدة أن الحملة ستستمر لعدة أشهر. وقد أشاد رئيس البلدية مصطفى حجازي، بهذه المبادرة، معرباً عن أمله في أن تنجح في وضع حد نهائي لظاهرة المتسولين الذين يتم استقدامهم من خارج المدينة ونشرهم في شوارعها وتقاطعاتها.
إرادة بلدية وعجز أمني
تأتي هذه المبادرة لتسلط الضوء على تناقض صارخ بين إرادة السلطات المحلية في مكافحة الظواهر السلبية، وعجز الأجهزة الأمنية والقضائية عن القيام بدورها. فخلال الحملة الانتخابية البلدية الأخيرة، تعهدت معظم اللوائح المتنافسة بوضع حد لظاهرة التسول. وبعد الانتخابات، كشفت مصادر في بلدية صيدا عن اتصالات عديدة مع القوى الأمنية بهذا الخصوص، لكنها لم تسفر عن أي نتائج.
تراوحت التبريرات بين ضعف الإمكانات العددية للقوى الأمنية، وعدم تدخل القضاء لإعطاء الإذن بالتوقيف. وهكذا، وجدت مدينة صيدا نفسها بين شقي رحى: بلدية تملك الإرادة والرغبة في التدخل ووضع حد لهذه الظاهرة، لكنها تفتقر إلى الصلاحيات القانونية، وقوى أمنية تملك الصلاحيات لكنها تفتقر إلى الإرادة أو التوجهات للتدخل الفعال.
تساؤلات مشروعة
عند التدقيق في حجم المساهمة التي تقدمها مؤسسة أبو مرعي، تبين أنها كلفت أربعة أشخاص لمساعدة الشرطة البلدية. وبما أن المؤسسة ذات طابع اجتماعي، يطرح السؤال حول الأساس القانوني لقيامها بمهام منع وقوف الأشخاص في أماكن محددة. يبدو أن هناك حلاً لهذه النقطة، حيث تم تزويد المتطوعين بقمصان تحمل عنوان “انضباط” وبطاقات من البلدية تشير إلى صفتهم كمتطوعين يساعدون الشرطة، مع موافقة محافظة الجنوب على ذلك.
الغريب في الأمر أن كل هذه الترتيبات تمت دون الإشارة إلى أي دور للجهات الرسمية المعنية، ما يطرح سؤالاً محيراً يلامس جوهر الأزمة: كيف لسلطة تريد حصر السلاح في البلد ولا تستطيع منع التسول؟
مسكنّات
إن ما يحدث في صيدا لا يقدم حلولاً جذرية لمشكلة المتسولين، بل هو مجرد حلول ترقيعية. فالغياب التام لخطة وطنية شاملة من قبل السلطة لمعالجة أسباب هذه الظاهرة وتوفير بدائل حقيقية للمتسولين وعائلاتهم، يجعل هذه المبادرات مجرد مسكنات لا تعالج المرض. بل إن البعض يذهب إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى ما يشهده الكورنيش البحري هو من حالات دعارة سرية، في إشارة إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية في ظل غياب الحلول الجادة.
ما تعيشه مدينة صيدا من منع للتسول هو حل مؤقت، مصيره الزوال بمجرد حدوث أي تغيير في الظروف، لأن السلطات المعنية لم تتخذ إجراءات جدية لمنع التسول، ولم يبادر القضاء لاتخاذ أي قرار بحق المشغلين الذين يقفون وراء هذه الظاهرة.
يبقى السؤال الأهم معلقاً برسم الوزارات المعنية: ما هي الحلول الجذرية والدائمة لهذه المعضلة الاجتماعية، وكيف يمكن الوصول إليها؟