تحميل

إبحث

في الصميم

مرفأ صيدا… ميناءٌ عالقٌ بين الخُردة والمحاصصة

sidon_port_image

في الوقتِ الذي تُمارسُ فيه القوى السياسيةُ التقليديةُ في صيدا ما لا تُجيدُ إلّا فِعلَه، ألا وهو المناكَفاتُ والتحاصُصُ والتهافُتُ على فُتاتٍ شكليٍّ لا يُقدِّمُ ولا يُؤخِّر، حول تسميةِ أعضاءِ مجلسِ إدارةٍ جديدٍ لمرفأ صيدا، يَغيبُ السؤالُ الأكبر: ماذا فَعَلتم لهذا المرفأ على مدى عقودٍ كي يَتطوَّرَ ويُؤدّيَ دَورَه الحقيقي، بعدما صار مضربًا للمثل على حوضِ المتوسّط باعتباره “مرفأ خُردة”؟

هل يقطع اليمن؟

إذا كان السؤالُ المطروحُ اليوم هو: مَن سيكونُ الرئيسُ الجديدُ لمرفأ صيدا؟ فإنّ السؤالَ الفعلي الأجدى أن يكون: ما هو الدورُ المُرتقَب لهذا المرفأ؟ ماذا ستفعلُ مجموعةٌ من الأشخاصِ يُترئِّسون منشأةً صارت خارجَ الزمن… حتى الفينيقي؟ مَن المُستفيدُ من جعلِ صيدا عاصمةٌ بحريةٌ بلا مرفأ؟ كيف يمكنُ النهوضُ بهذا المرفقِ الحيويِّ والماليِّ والاقتصاديِّ الهامّ ليعودَ بالفائدةِ على المدينةِ وأهلِها؟ هذا ما يجبُ أن يكونَ هَمَّكم الأول…

أفادت مصادرُ متابعة لصحيفة “البوست” أنّ الاسمَ المطروحَ اليوم لرئاسةِ مجلسِ إدارةِ مرفأ صيدا هو مروان اليمن، الذي شغلَ منصبَ رئيسِ نقابةِ الوكلاءِ البحريين. وقد تمّ طرحُه من قبل النائبِ السابق بهية الحريري، ولقي قبولًا من قبل النائب أسامة سعد، لكنه رُفض من النائب عبد الرحمن البزري، ما يُفسِّرُ تأخيرَ حصولِ التعيين حتى الآن.

فَبِحَسَبِ مُطَّلِعين، يَسألُ البُزري، وهو مُحِقٌّ: كيفَ يمكنُ القُبولُ بشخصٍ يَشغَلُ مَنصِبَ مَسؤولِ الماكِنةِ الانتخابيّةِ في “تيّارِ المُستقبل”، والمَعنيِّ بالصَّيداويّين المُقيمينَ في بيروت، لِشَغلِ مَنصِبٍ تَتقاطَعُ عليه كُلُّ القُوى السياسيّةِ والاقتصاديّةِ في صيدا على اختلافِ مَشارِبِها؟ فهذا مَنصِبٌ إداريٌّ تطويريٌّ بَحت، ليس بالضَّرورةِ أن يكون شاغِلُه على تَماسٍّ مُباشرٍ بالعَمَلِ البَحريِّ الصِّرف.

صيدا مَلأى بالكفاءاتِ في هذا المِضمارِ وغيرِه، فهل تَمَّ الاستعانةُ بها لِتقديمِ رُؤيةٍ أو تَصوُّر، أم إنَّ مِرفأَ جونيه أولى بِطاقاتِنا الصَّيداويّة؟

الجديدُ في هذا الموضوع أيضًا، بحسب مصادر متابعة دخولُ إحدى الشخصياتِ التجاريةِ الفاعلة من خارج المدينة على خط فرضِ ابنته ضمن الأسماءِ المطروحة لعضويةِ مجلسِ الإدارة الجديد، في سابقةٍ بالشكلِ والمضمون تُؤشِّرُ إلى محاولةِ تَسَلُّلٍ إلى هذا المركزِ الحساس من قبل قوى غير صيداوية، نظرًا لدورٍ مُرتقَب قد يلعبه هذا المرفقُ الاقتصادي إن تمّ إطلاقُ إمكانياته

في عام 2021 طلبت الأجهزةُ الأمنية وقفَ العمل في مرفأ صيدا إلى حين تأمين الأجهزةِ اللوجستيةِ والتقنيةِ اللازمة، لكن قوى سياسية وإدارية رفضت الطلب، ما أضرَّ بسمعته وأدّى إلى تراجعِ ثقة الشركات والتجار به

أزاءَ هذه التخبطاتِ والتلكؤ، يقفُ المرفأُ الجديد على شاطئِ المدينة العتيقة شاهدًا صامتًا على ثلاثةِ عقودٍ من الوعودِ المؤجَّلة والأحلامِ المتعثّرة. ما كان يُفترضُ أن يكون بوابةَ الجنوبِ اللبناني الاقتصادية نحو العالم، تحوّل إلى رمزٍ للإهمالِ والتخلّف، وبات يطرحُ أسئلةً مُقلقة حول أسبابِ تراجعِ نشاطِه وتأخرِ إنجازِه.

بعد مرورِ أكثرَ من 30 عامًا، لا يزال الواقعُ بعيدًا عن المرجو. فالأرقامُ الصادمةُ تكشفُ حجمَ المأساة: لم يتم تنفيذُ سوى 18% من إجمالي أعمالِ المرفأ، ومن أصلِ 1400 مترٍ من الأرصفةِ المُخطط لها، لم يُنجَز سوى 275 مترًا فقط. والأخطرُ من تأخرِ الإنجاز هو التحولُ الخطير في طبيعة نشاطه. فبدلًا من أن يكون مركزًا لاستيراد وتصدير البضائع المتنوعة، تحوّل مرفأ صيدا إلى “مرفأ للخُردة”. الأرقامُ تتحدث عن نفسها: في عام 2020 بلغت نسبةُ الخردةِ المصدَّرة 71% من مجملِ صادراتِ المرفأ، وشكلت 90% من عملياتِ الوزن على القبانِ الجِسري.

حقائق وأرقام

جاء الانهيارُ الاقتصادي والمالي الذي شهده لبنان منذ عام 2019 ليزيدَ الطينَ بِلّة. فقد أدّى انهيارُ سعرِ صرفِ الليرة اللبنانية إلى توقّفِ المتعهّدين عن إكمال أعمالِ البناء في المرفأ. وفي ظلّ انكماشِ الاقتصاد اللبناني بنسبةٍ تقارب 40% منذ عام 2019، وتراجعِ القدرةِ الشرائية والاستيرادية، تراجعت حركةُ المرفأ بشكلٍ كبير. كما أنّ 82% من أعمالِ البنيةِ التحتيةِ لم تُنجَز بعد، والمرفأ بحاجةٍ إلى استثماراتٍ ضخمة تُقدّر بنحو 20 مليون دولار لإكماله. يُضاف إلى ذلك السياقُ الإقليميُّ غيرُ المستقر، والأزمةُ الاقتصاديةُ المستمرة التي تُلقي بظلالِها على مستقبلِ المرفأ. أصبح المرفأ قادرًا على استقبالِ ثلاثِ بواخر في آنٍ واحد، مع خمسِ بواخر أخرى تنتظر في الخارج، بعدما كانت الحركة تقتصرُ على باخرتين للخردة فقط. وهناك خططٌ طموحة لتوسيع الأرصفة لرفع القدرة إلى عشرِ بواخر، وإنشاء منطقةٍ حرة ومحطةٍ للحاويات، وتحويلِ رصيفِ المرفأ القديم إلى مساحةٍ للمقاهي والمطاعم والمهرجانات.

العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا