الجماعة الإسلامية بين “شرعية الداخل” و”إرهاب الخارج”
لم ينتظر دونالد ترامب كثيرًا قبل أن يفجّر قنبلة سياسية–أمنية في قلب الشرق الأوسط، قنبلة ارتدّ صداها مباشرة على لبنان. ففي لحظةٍ تُشبه إعلان حرب باردة جديدة، أصدر البيت الأبيض أمرًا تنفيذيًّا يأمر وزارتي الخارجية والخزانة بالتحضير لتصنيف فروع جماعة الإخوان المسلمين، وبينها الجماعة الإسلامية في لبنان، كـ«منظمات إرهابية أجنبية»
هكذا، وبجرّة قلم، وجد لبنان نفسه فجأةً في قلب المعركة: معركة تتجاوز حدود السياسة، وتتخطّى الحسابات الانتخابية، وتضرب مباشرةً الهوية، التحالفات، التمويل، والشرعية نفسها.
وما بدأ كقرار أميركي «تقني» سرعان ما تحوّل إلى أكبر زلزال قد يواجه الجماعة منذ تأسيسها عام 1964… وربما أكبر تحدٍّ يواجه الساحة السنية بأكملها منذ عقود.
المراحل والإجراءات القانونية
وفقًا للأمر التنفيذي الصادر عن البيت الأبيض، ستسير الإجراءات وفق جدول زمني محدّد:
المرحلة الأولى (30 يومًا): يقدّم وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الخزانة سكوت بيسنت تقريرًا مشتركًا إلى الرئيس ترامب حول وضع فروع الإخوان.
المرحلة الثانية (45 يومًا): يبدأ التنفيذ الرسمي لتصنيف «منظمة إرهابية أجنبية».
يشمل القرار فروع الإخوان المسلمين في لبنان ومصر والأردن وتونس، مع إبقاء الباب مفتوحًا لإضافة فروع أخرى لاحقًا. كما يتجه البيت الأبيض لاعتبار هذه الجماعات أيضًا «إرهابيين عالميين محددين» (Designated Global Terrorists).
وبررت الإدارة الأميركية قرارها بالقول إن الفروع المستهدفة «تُشرك نفسها أو تُسهِّل وتدعم حملات عنف وزعزعة استقرار تُضِرّ بمناطقها وبمواطني الولايات المتحدة وبمصالحها».
لكن القرار ترك وراءه أسئلة ثقيلة، من المقصود تحديدًا بالجماعة؟ هل سيشمل التصنيف أشخاصًا أو مؤسسات؟ وهل سيُستخدم التعريف الفضفاض سياسيًّا؟ كما أن التعاطي مع مواطنين أميركيين لهم ارتباط سابق بالإخوان يضع واشنطن أمام معضلة قانونية غير مسبوقة.
يرى متابعون أن خطوة ترامب تشكل نقطة تحوّل في السياسة الأميركية تجاه الحركات الإسلامية، مع توقّعات بأن يصدر القرار النهائي بشأن الجماعة الإسلامية في لبنان خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر، ما لم تُفرَض تعديلات قانونية أو سياسية جديدة.
تباين في الموقف
تبدو قيادة الجماعة بين التقليل الإعلامي من خطورة القرار والقلق الفعلي من تداعياته.
فقد وصف النائب عماد الحوت القرار بأنّه «عشوائي» ولم يدخل حيّز التنفيذ بعد، مؤكدًا أن الجماعة خاضعة للقانون اللبناني وليس الأميركي. لكن مصادر قيادية فضّلت الصمت، في إشارة واضحة إلى حالة ترقّب وحذر.
وعلى الرغم من قانونية الجماعة في لبنان منذ 1964، إلا أن الشرعية السياسية مهدّدة بشكل غير مباشر. فالضغوط الأميركية على الحلفاء اللبنانيين قد تدفع بعض القوى لإعادة حساباتها، لا سيما مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
التأثير على الانتخابات
يشهد الشارع السُّني انقسامًا يتعمّق حول الجماعة، قطاع يتعاطف معها على خلفية القضية الفلسطينية، وقطاع يرفضها بسبب تقاطعاتها مع حزب الله.
وفي ظل الانتخابات المقبلة، قد يؤدي التصنيف إلى:
إحجام قوى سياسية عن التحالف مع الجماعة.
خسارة محتملة لبعض المقاعد.
وربما العكس: تعاطف شعبي سنّي كردّ فعل على «الظلم الأميركي».
كما قد تتعرّض الحكومة اللبنانية لضغوط لاتخاذ إجراءات ضد الجماعة، وهو أمر شديد الحساسية في بلد قائم على التوازنات الطائفية. وقد تربط واشنطن مساعداتها للبنان بتحقيق خطوات محددة ضد الجماعة، الأمر الذي يضع لبنان في مأزق اقتصادي وسياسي.
على خط موازٍ، برز التنسيق المعلن بين الجماعة الإسلامية وحزب الله، بما في ذلك لقاء حسن نصر الله ومحمد طقوش. وقد يدفع القرار الأميركي الجماعة أكثر نحو محور المقاومة كخيار دفاعي، ما يضعها أمام معادلة صعبة بين مشروع الدولة ومشروع المقاومة.
تركيا وقطر… هل تتدخل إيران؟
حصلت الجماعة تاريخيًا على دعم من تركيا وقطر. لكن التصنيف يضع هاتين الدولتين أمام اختبار، هل تواصلان الدعم وتجازفان بالعقوبات؟ أم تتراجعان؟
يطرح قيادي سابق سؤالًا لافتًا: «إذا توقف الدعم التركي والقطري… هل تتدخل إيران لتعويضه؟» وهو سؤال يعكس احتمال تغيّر جذري في التمويل والهوية السياسية للجماعة.
التأثير المالي والمصرفي
يسمح التصنيف الأميركي بتجميد أي أصول للجماعة أو أعضائها في الولايات المتحدة. ورغم أن الجماعة ربما لا تمتلك أصولًا مباشرة هناك، إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في القطاع المصرفي اللبناني.
فالبنوك اللبنانية، الساعية للحفاظ على علاقاتها الدولية، قد تُجبَر على: إغلاق حسابات الجماعة، تقييد التعاملات، التدقيق في كل تحويل مرتبط بها.
وقد حذّر قيادي سابق في الجماعة من أن المدارس والمؤسسات التربوية قد تواجه أزمات مصرفية حادة، وأن بعض المراكز الطبية والاجتماعية «قد يُغلَق فعليًا». أما التحويلات الخارجية والدعم المالي، فستصبح شبه مستحيلة مع الخوف من العقوبات الثانوية الأميركية.
المؤسسات الخيرية والاجتماعية والتعليمية
للجماعة الإسلامية شبكة واسعة من المؤسسات الصحية والاجتماعية والمدارس والجامعات. مصادر قانونية تشير إلى أن القرار ستكون له تداعيات خطيرة:
انخفاض خدمات المستوصفات والمراكز الصحية إلى ما دون النصف.
احتمالات إغلاق مؤسسات مباشرة مرتبطة بالجماعة.
صعوبات في التمويل، في الاعتمادات الدولية، وفي سمعة جامعة الجنان.
ورغم ذلك، قد يتزايد التعاطف الشعبي معها، خصوصًا في الأوساط المؤيدة لفلسطين.
تعميق الانقسام اللبناني
قد يستغل خصوم الجماعة القرار الأميركي لتشويهها وعزلها سياسيًا. وتُطرَح أسئلة جدّية عن احتمال الضغط لحظرها كما حصل في الأردن في أبريل 2025، حين أغلقت السلطات مقار الإخوان وصادرت ممتلكاتهم.
كما يمنع القرار دخول أعضاء الجماعة إلى الولايات المتحدة، وقد يطال آلاف اللبنانيين المقيمين هناك والمرتبطين بها، سواء عبر:
صعوبة تجديد الإقامات.
رفض طلبات اللجوء.
إلغاء لجوء مُنِح سابقًا.
القطاع المصرفي والقائمة الرمادية
لبنان أصلًا على «القائمة الرمادية» لـFATF بسبب ضعف مكافحة تبييض الأموال. وجاء التصنيف ليزيد الطين بلّة، مع مخاطر:
تقلّص العلاقات المصرفية الدولية.
عزل القطاع المصرفي أكثر.
تأخير خروج لبنان من هذه القائمة.
قدرة الجماعة على التكيّف
رغم كل ذلك، أثبتت الجماعة خلال ستة عقود قدرة كبيرة على التكيّف. وقد تتجاوز الأزمة عبر: تعزيز قاعدتها الشعبية، تنويع مصادر التمويل، تعزيز تحالفاتها الإقليمية.
لكن الثمن قد يكون تحوّلًا في الهوية السياسية والأيديولوجية، وابتعادًا عن المسار الديمقراطي الذي سعت لتقديمه في السنوات الأخيرة.



