تحميل

إبحث

في الصميم

دُوَّارُ العَيشِ المُشتَرَك

أغرَبُ وأغبى في الذي حصَلَ بالأمسِ عندَ مُسْتَديرةِ “القنّايَةِ”، ذلكَ الدُّوَّارُ الذي تتقاطَعُ فيه ثلاثُ بَلَدِيّاتٍ هي صيدا، الهلاليّة، وحارةُ صيدا، أنَّهُ شهِدَ مُنذُ أيّامٍ قليلةٍ فقط نِفاقًا وتكاذُبًا واضِحًا مِن قِبَلِ مسؤولينَ لإضاءتِه وتزيينِه احتفالًا بموسمِ أعيادِ المِيلادِ ورأسِ السَّنةِ.
وقد جَهَدَ أحدُ رُؤساءِ البَلَدِيّاتِ المذكورة، مِن على أرضِ الحدث، لتأكيد مُسمّى لَهُ هو «دُوَّارِ العَيْشِ المُشْتَرَكِ» دليلاً على حُبِّ الناسِ بعضِها الِبعضٍ في هذه المنطقة.
وبالفِعلِ، أثبَتَ هذا الدُّوَّارُ أمسِ، خلالَ موجةِ الاعتِداءِ والتَّضارُبِ والسبابِ والشَّتائِمِ وتَكسيرِ زُجاجِ السَّياراتِ و«تَدمِيَةِ» المارَّةِ، أنَّهُ وبحقٍّ دُوَّارٌ لِلعَيْشِ المُشْتَرَكِ والتسامحِ ونَبذِ العُنفِ والطائفيةِ والمذهبيّةِ والتصالحِ مع الآخَر.

بِبساطةٍ، هذا ما قالَهُ الدُّوَّارُ أمسِ للجميعِ، أوّلُهُم لأهالي مدينةِ صيدا وسُكّانِها:
لا يَحِقُّ «لكم» أن تُعبِّروا عن آرائِكم، ويَحِقُّ «لهم» أن يقولوا ما يشاؤون، ساعةَ يشاؤون، بالشكلِ الذي يريدون وفي قلبِ مدينتِكم، التي لم تَعدْ لكم وأنتم نائمون. هذه هي الحقيقةُ الصعبةُ التي قالَها الدُّوَّارُ أمس.

سيُقال: إنَّهُم دَخَلوا إلى «مناطِقِهِم»، ولا يَحِقُّ لهم ذلك. كيفَ تُرسَمُ الحدودُ عند تلك المنطقة التي لم يكن أحدٌ من الصيداويّينَ يُلقي لها بالًا قبل سنواتٍ قليلة؟
وسيُقال ردًّا، هل يجرؤُ أحدُكُم على الطَّلَبِ مِن سيّارةٍ بزجاجٍ «مفيم» عندَ تقاطُعِ إيليّا، «وسطَ منطقتِكم»، أن تُخفِضَ صوتَ «النَّدبيّةِ» التي تَصدَحُ مِن داخِلِها؟
أو يستطيعُ أحدُكُم أن يطلُبَ مِن مواكِبِ سيّاراتِهِم ودراجاتِهِم التي تجولُ أحياءَ صيدا وشوارعَها وأزقّتَها إنزالَ صورةٍ لِزعيمٍ سياسيٍّ مذهبيٍّ في ذِكرى ما؟
بالطَّبع لا. لذا، طَأطِئوا رُؤوسَكُم بخزي. هذا ما عليكم أن تتأقلَموا معه، وتعتادوا عليه، وإلّا فالقُمصانُ السُّودُ لكم بالمِرصادِ، وتُهَمُ إثارةِ النَّعَراتِ المذهبيّةِ والطائفيّةِ وتهديدِ السِّلمِ الأهليّ و«الدَّعشنةِ» جاهزةٌ «غَبَّ الطَّلَب».

وما عليكم إلّا الانصِياعُ والخَوفُ والسُّكونُ ونَفثُ دخانِ النرجيلة… لكنّها لن تَنجلي.

سيُقال إنَّهُم «سوريّون»، وسيُخبِّئ «زعماءُ» المدينةِ عجْزَهُم وراء هذه «الحقيقة». وسيقولون إنَّ المشكلةَ لم تكن داخليّةً، كانت مُوَجَّهَةً ضدَّ الجولاني، وسيمنّونَ النفسَ بأنَّهُم غيرُ معنيّينَ بما جرى، وستُكمِلُ الأيامُ دورتَها، لكنَّهُم في قَرارةِ نُفوسِهِم يَعلَمونَ أنَّها ما كانت كذلك البتّة.

لو كانَ في هذه المدينةِ مِن رَجُلٍ أو مسؤولٍ حُرّ، لكان تجرّأ وطلب — جِهارًا وبدونِ مُوارَبةٍ — تغييرَ مَسارِ طَريقٍ رئيسيٍّ يربِطُ آلافَ الصيداويّينَ ببيوتِهِم وأرزاقِهِم وأولادِهِم يوميًّا، كي يتجنَّبوا العُبورَ في هذا الكَمِّ مِن الحِقدِ المُتلوّنِ بألوانِ النِّفاقِ والعَيْشِ المُشْتَرَكِ. نعم، بهذه البساطةِ والجذريةِ، كي لا يكونَ الناسُ — في لحظةِ حقيقةٍ — فَريسةً لكُرهٍ دفينٍ لا يَرحَمُ أحدًا.

لكنَّهُ موسمُ المَطَرِ، كما يراهُ كثيرون، وإن كان — في الحقيقةِ — موسمَ «البَصْقِ» على الوُجوهِ، والكَراماتِ، والكياناتِ…
تمامًا كما تظهَرُ الفيديوهاتُ أدناه…

العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا