كتب الكثيرون عن المشهدِ الأخير، وعن الفرقِ الشاسع بين رئيسٍ منتصرٍ يُحتفى به، ورئيسٍ هاربٍ لاجئ فار. تحدّث معظم الصحفيين عن الموكبِ المهيب الذي مرَّ قُربَ سكنِ الأسد، ذاك الذي غادر المكانَ بـ”طلبٍ شخصيٍّ من نفسه”، من دون أن يضغط عليه أحد. صوَّر الإعلام كلَّ شيء… روسيا نفسُها التي حاربت ضدّ الثورة السورية لأكثر من أحدَ عشر عاماً، هي اليوم مَن تستقبل “قائدَها الجديد”. تلك الدولة التي اعترف الرئيسُ الشرعُ، ببذلتِه العسكرية، أنّه أسقط لها طائرتَين حديثتَين بسلاحٍ نوعيّ، وطردَها مع إيران من الشام والمنطقة. لكن ليس هذا حديثي. لن أزيد على ما قيل، فهو “ترند” بطبيعة الحال، وكلُّ ما سيُكتب في هذا السياق سيجد مَن يقرأه. سأتحدّث عن شيءٍ مختلف… كيف تتّسع أرضٌ واحدة، مهما كانت شاسعةً تمتدّ من الشرق وتلامس الغرب، لرئيسَي دولةٍ في آنٍ واحد؟ هي الزيارةُ الأولى للرئيس أحمد الشرع، المنتصر، برفقة نخبةٍ من خبراءِ أجهزته: مخابراتٍ، وعسكريين، واقتصاديين، وقانونيين، يرافقه وزيرُه المفضّل، “أبو عائشة” أسعد الشيباني. متأكّدٌ أن الكثيرين سيتناولون هذا أيضاً، وستكشفه الأيامُ القادمة، تماماً كما كشفت أنّ روسيا تخلّت عن بشّار بعد أسبوعٍ واحد فقط من عملية “تحرير الشام”. لكنها ليست الزيارةَ الأولى للوفود السورية الممثّلة للنظام الجديد، الحريص على الإمساك بكلّ الخيوط. لن أتحدّث عن انتصار دمشق الفريد من نوعه منذ عقود، ذاك الانتصار المُهدى للعرب والمسلمين، والذي جاء بعد أفغانستان، وصدى “السابع من أكتوبر” الذي لم ينتهِ بعد. ولن أتحدّث عن ذاك الذي صعد الدرج الطويل بخفّةِ رياضيّ، خالعاً معطفَه الثقيل ليصعده مَلِكاً. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدلّ على رئيسٍ لا يكلّ حتى يصلَ إلى هدفه. لن أتحدّث عن تردّد وزير الخارجية الروسي في استقباله، أو انشغاله “بأمرٍ مهم”، والدليل أنّ الرئيس الروسي حين صافحه بدا وكأنّه لم يره طوال النهار، ثم استأنف حديثه بعد أن فهم ما جرى، ليُكمل الحوار مع الرئيس الجديد. حديثي اليوم يتلخّص في جملةٍ واحدة: ألا يتّعظ أصحابُ المحاور؟ ألا تتّعظ البيادقُ التي تحرّكها الدولُ الكبرى فتُضحّي بها من دون ثمن؟ ألا يفهم أصحابُ المحاور أنّ كلَّ دولةٍ عظمى تبني إمبراطوريتَها على مصالحها، على حسابِ ثروات الدول التي تمزّقها الصراعاتُ الطائفية والمذهبية والعرقية والعشائرية، وكلُّ ما يؤدّي إلى الفرقة؟ ألا يتّعظ هذا “المحور” الذي خبرتُه جيداً، فيخفّف من غطرسته، ويستوعب الصدمةَ كما استوعبتها روسيا اليوم، وقبلَها أمريكا وأوروبا؟ الزمن لم يتغيّر، والقوى العظمى لم تتغيّر؛ فهي لا تزال — منذ نشأتها — تبحث عن مصالحها، وفقط مصالحها. فمباركٌ لسوريا تحييدُ يدٍ أخرى كانت ترفع حقَّ النقض في الأمم المتحدة. ومباركٌ لقائدها الذي أثبت أنّ الميدان هو الحكم، وأنّ القوة هي القرار. ومباركٌ لهم جميعاً رسمُ خريطةٍ جديدة، سنرى معالمَها تتشكّل في الأشهر القادمة…
في إنجازٍ رياضيٍّ مميَّز، يُسجَّل لنادٍ جنوبيٍّ قائمٍ من بين الرُّكام والدَّمار جرّاء العدوان الإسرائيليّ الأخير على لبنان، أحرز نادي سونيكس (Sonics) – النبطية بطولةَ لبنان بكرة السلّة على الكراسي المتحرّكة. ففي ختام التصفيات التي جمعت عددًا من الفرق الرياضيّة من مختلف المناطق، حقّق نادي سونيكس الميداليّة الذهبيّة للبطولة، وذلك بعد تصدُّره جميع الفرق التي تنظّمها اللجنة البارالمبية اللبنانيّة برعاية الصليب الأحمر الدولي، محقّقًا العلامة الكاملة بالفوز على جمعية طرابلس لرياضة المعوّقين التي حلّت ثانيًا، ونادي ويلرز الذي حلّ ثالثًا، إلى جانب ناديَي الفوروم و ASC. وقد تألّق في مباريات الفريق، الذي ضمّ اللاعبين: عبد البديع دادا، محمد دادا، سامر بديع، محمد رمضان، محمود جلول، عبدالله ياسين، عبدالله حيدر، أحمد أبو هاشم، أحمد تالا، مهدي فقيه، علي بدرالدين، محمد جفال، قاسم مراد، وقاسم عطية، عددٌ من اللاعبين الصيداويّين الذين كانت لهم لمسةٌ مميّزة في أداء الفريق وإنجازاته. في ختام البطولة جرى توزيعُ الكؤوس والميداليّات على الفرق الفائزة، بحضور ممثّلي الصليب الأحمر الدولي، وأمين سرّ اللجنة البارالمبية، ونائب رئيس الاتّحاد اللبناني لكرة السلّة.
سَلَّطَت حادثةُ وفاةِ العاملِ صلاح في بلديةِ صيدا، التي وقعت قبل أيّامٍ إثرَ أزمةٍ قلبيةٍ حادّة، الضوءَ على إشكاليةٍ خطيرةٍ تتعلّق بامتناعِ عددٍ من مستشفياتِ المدينةِ عن استقبالِه كحالةٍ طارئة. وهذه المأساةُ الفرديةُ كشفت عن نقاطٍ جوهريةٍ تستدعي نقاشًا معمّقًا للوصولِ إلى حلولٍ جذريةٍ لمشكلةٍ صحيةٍ مزمنةٍ يُعاني منها الكثيرُ من المقيمينَ في صيدا. إنَّ وضعَ المرحومِ صلاح لا يختلف كثيرًا عن حالِ العديدِ من العمالِ المياومينَ وغيرِ الدائمينَ في البلدية، الذين يفتقرونَ إلى الرعايةِ الصحيةِ والاستشفائيةِ الأساسية، فضلًا عن عدمِ تسجيلهم في الصندوقِ الوطنيِّ للضمانِ الاجتماعي. وهذا الواقعُ المريرُ يُحَتِّمُ إيجادَ حلولٍ عاجلةٍ ومستدامةٍ لهم، خاصةً في ظلِّ الظروفِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ الصعبةِ التي تمرُّ بها البلاد. تزايدُ حالاتِ أمراضِ القلب تُعَدُّ مبادرةُ النائبِ عبد الرحمن البزري بالتواصلِ مع وزيرِ الصحة، ركان ناصر الدين، لبحثِ المشكلةِ وإيجادِ حلولٍ لها، خطوةً إيجابيةً تستحقُّ التقدير. وقد تضمّن البيانُ الصادرُ عن مكتبِ النائب الحديثَ عن اتفاقٍ مبدئيٍّ لإقامةِ مركزٍ متخصصٍ لمعالجةِ حالاتِ القلب، وطلبٍ من مجلسِ الإنماءِ والإعمار إعدادَ دراسةٍ بهذا الشأن ومتابعةِ الموضوع. ومع ذلك، فإنَّ العبرةَ الحقيقيةَ لا تكمن في الاتصالاتِ والوعودِ فحسب، بل في سرعةِ التنفيذ، خصوصًا مع التزايدِ الملحوظِ في حالاتِ الإصابةِ بأمراضِ القلب. ويَتَطَلَّبُ تسريعُ هذا التنفيذِ متابعةً دؤوبةً وحثيثةً من نائبي المدينةِ ومجلسِها البلدي، باعتبارِهم الجهاتَ المعنيّةَ والمباشرةَ بهذه القضية. لكنَّ القضيةَ الأهمَّ والأكثرَ تعقيدًا تتصلُ بالأسقفِ الماليةِ المحددةِ لمستشفياتِ صيدا لتغطيةِ حالاتِ أمراضِ القلب. وهنا تبرزُ تساؤلاتٌ مُلِحَّة: مَن يُحَدِّد هذه الأسقف؟ ولماذا تتوقفُ التغطيةُ بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؟ وكيف يمكنُ للمواطنِ أن يتدبّرَ أمورَه الصحيةَ خلالَ الأشهرِ المتبقيةِ من العام؟ وهل تُراعى في هذه التحديداتِ أعدادُ المقيمينَ في منطقةِ صيدا، وعددُ الأسرّةِ المتاحة، وكيفيةُ توزيعِها على المناطقِ اللبنانية؟ وهل يُشكّلُ عددُ المقيمينَ المعيارَ الأساسيَّ في تحديدِ هذه الأسقف؟ هذه التساؤلاتُ تستدعي تعاونًا وثيقًا بين المجلسِ البلدي، ممثَّلًا باللجنةِ الصحية، والقوى السياسيةِ في المدينة، لمتابعةِ الموضوعِ بشكلٍ جدّيٍّ مع الوزاراتِ المعنية. أخلاقياتُ المهنةِ الطبية يبقى موضوعٌ بالغُ الأهميةِ يتعلّق بأخلاقياتِ المهنةِ الطبية. فهل يحقُّ لأيِّ مستشفى أن يرفضَ استقبالَ حالاتٍ خطِرةٍ جدًّا بسببِ الوضعِ الماليِّ للمريض، أو بحجّةِ عدمِ توفرِ أسرّةٍ على حسابِ وزارةِ الصحة؟ هذا التساؤلُ يكتسبُ أهميةً خاصةً في ظلِّ وجودِ بروتوكولٍ واضحٍ للحالاتِ الطارئة، ينصُّ صراحةً على واجبِ المستشفى استقبالَ المريضِ المصابِ بحالةٍ طارئة، وتقديمَ الإسعافاتِ الأوليةِ اللازمةِ له. لذا، يَتوجّبُ على الجهاتِ المعنيةِ التوقّفُ مليًّا أمامَ هذا الموضوع لمعالجتِه بجدّية، بدلًا من الاكتفاءِ بنقدِ ما جرى وطَيِّ الصفحةِ دونَ محاسبةٍ أو تغييرٍ حقيقيّ. إنَّ حياةَ المواطنينَ وصحتَهم يجب أن تكونَ فوق كلِّ اعتبارٍ ماديٍّ أو إداريّ.