لو أنّ في صيدا نساءً، لا رجالاً، لما مرّ الخبر هذا المرور العابر.لكنّ المدينة خاوية يا عمر، إلّا من سخافات و”هَبَل” تغرق فيه أكثر فأكثر كلّ يوم.مدينة عاجزة، إلّا على الفقراء والمستضعفين، تخوض بحقّهم معارك وبطولات وهميّة، ونفاق على فُتات مناصب وأموال، تصل حدّ تمجيد الزفت في الطرقات. عذرًا يا عمر العاصي، اعذر مدينتك التي لم تُنصفك ولم تحتضنك، بل تركتك عند أوّل “شُبهة” لفّقوها لك، فنفضت يديها منك لا لشيء، فقط لأنّك “آدمي” ولا وَشْم على ذراعيك وصدرِك، ولأن لا ظَهْرَ لك كما زعران الشوارع وبيوتات السياسة.وطبعًا لأنّك تُصلّي لله، ولا تكفر به في الأزقّة وتسبّه جَهارًا بين الناس وفي الأسواق. حتّى ولو لم تكن لحيتك قد طالت كثيرًا يا ولدي، فأنت “إرهابيّ” حتّى يثبت العكس.وهو ما حصل بالفعل، لكن بعد ١٠ سنين، للأسف، سَرَقها “الشرّير” من ريحان عمرك وعُمر عائلتك وأصدقائك ومحبّيك… ماذا سيقول أسامة سعد بينه وبين نفسه حين يقرأ أنّ شابًّا في مُقتبل العُمر والعطاء، من المدينة التي استُشهد من أجل ناسها والده، قد عُذّب وأُهين وضُرِب وسُجن لعشر سنين، لا لسبب اقترفه، فقط لأنّه “طيب” ويتعاطف كأيّ إنسان طبيعيّ مع صور الظلم والمآسي والحقد الطائفيّ الذي كان يراها أمام عينيه؟بماذا ستشعر بهيّة الحريري عندما تلتقي عيناها بعيني أمّ عمر؟بماذا ستُحدّثها نفسها، وما هي الكلمات التي ستصوغها في هكذا مناسبة؟ هل هي مجرّد كلمات عابرة وانتهى؟ ماذا يقول بسّام حمّود عن هذا الأمر حين علم بصدور حكم البراءة بحقّ من اتُّهِم يومًا بأنّه قاتل للحياة، محبٌّ للموت؟ماذا يقول البزري، إن كان ليقول؟ وغيرهم وغيرهم، ممّن اقتنع بينه وبين نفسه بأنّه في موقع “قادر”. هل بلغ العجز والوهن بكم هذا الدَّرَك؟يبدو ذلك، وأكثر. سيذكركم التاريخ بأنّكم أعجز من أهل بغداد حين دخلها التّتار.سيتندّرون بقصصكم، كما يروون عن البغداديّين الذين كانوا ينتظرون الجنديّ التتريّ في أماكنهم، لا يبرحونها خوفًا وعجزًا ومهانة. هذا ما سيُقال عنكم، جميعكم. أنتم الطامحون لأن تتركوا أثرًا ما. الواهمون بتحقيق إنجاز ونسب فضل أو ذكرى… لو أنّ في صيدا نساءً لا رجالاً، لتنادت الأمّهات قبل الآباء إلى الشوارع، لا لشيء، بل ليقولوا: كفى.للإنسان طاقةٌ على الاحتمال، ولم يعُد بالإمكان التحمُّل أكثر.لم يعُد بالإمكان السكون عن هذا المستوى من الظلم، في عهدٍ جديد وعصرٍ جديد، معالمه يرسمها الذكاء الاصطناعيّ. أكلّما تنفّست سفرجلة، وجب أن تكون الغصّة في صيدا؟لكنّ المدينة خاوية يا عمر. فسامحها. لو أنّ في مدينتك نساءً لا رجالاً، لكانت الشوارع غصّت بأصوات تُنادي بالحقّ والعدالة، وتسأل: كيف لمن اتُّهِم بأنّه انتحاريّ داعشيّ قاتل، تَحكمه حتّى محكمة “تفتيش”، بأنّه بريء؟ كيف يتحول قاتل مزّنر بالمتفجرات إلى شاب لا علاقة له بكل ما قيل فيه؟ وكم من عمر ينتظرون؟ هذا ما يحصل في لبنان لأن اسمك عمر…واسمه عامر الفاخوري. ويَمرّ الخبر عابرًا، ويَنشغل الناس في غدهم ببؤسهم المتكرّر ونعيقهم التافه بين الجدران وعند زفرات النراجيل. هذا أن توقفوا عند الخبر أصلاً.
لنسلّط الضوء على الوضع المأساوي الذي يعيشه المستشفى الحكومي في صيدا والعاملون فيه. وكي لا يحاول البعض الإيحاء بأن تدهور الوضع يعود إلى الأزمة المالية والاقتصادية التي يمرّ بها البلد، نُشير مجددًا إلى أنّ الأزمة تعود إلى سوء سلوك الإدارة في المستشفى المذكور، وأنها تحظى بحماية سياسية،
تُعاني مدينةُ صيدا، عاصمةُ الجنوبِ اللبناني، من أزمةِ مياهٍ خانقةٍ تتفاقم يومًا بعد يوم، لتُلقي بظلالها الثقيلةِ على حياةِ المواطنين، وتزيد من معاناتِهم في ظلِّ الأوضاعِ الاقتصاديةِ والمعيشيةِ الصعبةِ التي يمرُّ بها لبنان لم تَعُد مشكلةُ انقطاعِ المياهِ في المدينةِ مجردَ حدثٍ عابرٍ، بل أصبحت واقعًا مريرًا يُهدِّدُ الصحةَ العامةَ والاستقرارَ الاجتماعي، ويدفع الأهالي للبحثِ عن حلولٍ فرديةٍ مكلفةٍ وغيرِ مستدامة. فما هي الأسبابُ الحقيقيةُ وراءَ هذهِ الأزمة؟ وما هي سُبُلُ العلاجِ المقترَحةُ لضمانِ حقِّ المواطنين في الحصولِ على المياهِ الصالحةِ للشربِ والاستخدام؟ تتعدَّدُ الأسبابُ التي أدَّت إلى تفاقمِ أزمةِ المياهِ في صيدا، لتشكِّلَ شبكةً معقَّدةً من التحدياتِ التي تواجهُ المدينةَ وسكَّانَها. يمكنُ إجمالُ هذهِ الأسبابِ في عدَّةِ محاورَ رئيسية: انقطاعُ الكهرباء وشُحُّ المازوتيُعدُّ انقطاعُ التيارِ الكهربائي المزمنِ في لبنان، وصيدا ليست استثناءً، أحدَ أبرزِ الأسبابِ المباشرةِ لأزمةِ المياه. تعتمدُ محطَّاتُ ضخِّ المياهِ بشكلٍ كبيرٍ على الكهرباءِ لتشغيلِ مضخَّاتِها، ومعَ الانقطاعِ المستمرِّ للتيارِ الكهربائي، تتوقَّفُ هذهِ المضخَّاتُ عن العمل، ممَّا يَحرِمُ آلافَ المنازلِ من المياه.وفي ظلِّ هذا الواقع، تلجأُ مؤسَّساتُ المياهِ إلى تشغيلِ المولِّداتِ البديلةِ التي تعملُ على مادةِ المازوت. إلَّا أنَّ شُحَّ هذهِ المادةِ وارتفاعَ أسعارِها بشكلٍ جنونيٍّ، يجعلُ من تشغيلِ المولِّداتِ أمرًا مكلفًا وغيرَ مستدامٍ، ممَّا يُؤدِّي إلى توقُّفِها المتكرِّرِ وانقطاعِ المياهِ لساعاتٍ طويلةٍ أو حتى أيام. الأزمةُ الاقتصاديةُ والمعيشيةتُلقي الأزمةُ الاقتصاديةُ التي يمرُّ بها لبنان بظلالِها على كافةِ القطاعات، بما في ذلك قطاعُ المياه. فمعَ تدهورِ قيمةِ الليرةِ اللبنانية، وارتفاعِ أسعارِ المحروقاتِ وقطعِ الغيار، باتت مؤسَّساتُ المياهِ عاجزةً عن صيانةِ وتطويرِ بُنيتِها التحتية، وتأمينِ المستلزماتِ الضروريةِ لتشغيلِ المحطَّات. هذا الوضعُ يدفعُ المواطنينَ إلى البحثِ عن بدائلَ مكلفةٍ، مثلَ شراءِ المياهِ من الصهاريجِ الخاصة، ممَّا يزيدُ من الأعباءِ الماليةِ عليهم في ظلِّ تآكلِ قدرتِهم الشرائية. ضغطٌ غيرُ مسبوقشهدت مدينةُ صيدا، خلالَ الفترةِ الماضية، نزوحًا كبيرًا لأعدادٍ هائلةٍ من السكَّانِ من بلداتِ الجنوبِ اللبناني، خاصَّةً تلكَ المتضرِّرةِ من العدوانِ الإسرائيلي. هذا النزوحُ المفاجئُ أدَّى إلى زيادةٍ غيرِ مسبوقةٍ في عددِ السكانِ داخلَ المدينة، وبالتالي ارتفاعٍ هائلٍ في استهلاكِ المياه. فاقمَ هذا التزايدُ في الطلب، في ظلِّ مواردَ مائيةٍ محدودةٍ وبنيةٍ تحتيةٍ متهالكةٍ، من مشكلةِ شُحِّ المياهِ، وجعلَ الكمياتِ المتوفرةَ غيرَ كافيةٍ لتلبيةِ احتياجاتِ الجميع. تلوُّثُ المياهلا تقتصرُ مشكلةُ المياهِ في صيدا على شُحِّها فحسب، بل تمتدُّ لتشملَ تلوُّثَ بعضِ مصادرِ المياه. تُشيرُ بعضُ التقاريرِ إلى أنَّ تلوُّثَ المياهِ يُمثِّلُ تحدِّيًا إضافيًّا، حيثُ يُقلِّلُ من مصادرِ المياهِ الصالحةِ للاستخدامِ البشري، ويزيدُ من الضغطِ على المصادرِ النقيَّةِ المتاحة. هذا التلوُّثُ يُهدِّدُ الصحةَ العامةَ للمواطنين، ويزيدُ من مخاطرِ انتشارِ الأمراض، ممَّا يستدعي تدخُّلًا عاجلًا لمعالجةِ هذهِ المشكلة. شهدت صيدا نزوحًا كبيرًا لأعدادٍ هائلةٍ من أهالي الجنوبِ بسبب العدوانِ الإسرائيلي ما أدَّى إلى زيادةٍ غيرِ مسبوقةٍ في عددِ السكانِ داخلَ المدينة وبالتالي ارتفاعٍ هائلٍ في استهلاكِ المياه سُبُلُ العلاج تتطلَّبُ معالجةُ أزمةِ المياهِ في صيدا مقاربةً شاملةً ومتكاملةً تبحثُ في الأسبابِ الجذريةِ للمشكلة، وتضمنُ توفيرَ المياهِ بشكلٍ مستدامٍ لجميعِ المواطنين. يمكنُ تلخيصُ سُبُلِ العلاجِ المقترحةِ في النقاطِ التالية: شمسُ صيدا تروي عطشَهايُعدُّ التحوُّلُ نحوَ الطاقةِ البديلة، وخاصَّةً الطاقةِ الشمسية، حلًّا استراتيجيًّا لمشكلةِ انقطاعِ الكهرباءِ التي تُؤثِّرُ على تشغيلِ مضخَّاتِ المياه. فتركيبُ أنظمةِ طاقةٍ شمسيةٍ كافيةٍ لتشغيلِ محطَّاتِ ضخِّ المياهِ ومرافقِ مصلحةِ المياه، سيُقلِّلُ بشكلٍ كبيرٍ من الاعتمادِ على الكهرباءِ الحكوميةِ المتقطِّعة، ويضمنُ استمراريةَ ضخِّ المياهِ حتى في أوقاتِ انقطاعِ التيار. وقد بدأت بعضُ الجهاتِ في التفكيرِ في هذا الحلّ، وهو ما يجبُ أن يتمَّ تسريعُه وتعميمُه. تأمينُ المازوتِ وتخزينُهفي المدى القصير، وحتى يتمَّ التحوُّلُ الكاملُ نحو الطاقةِ البديلة، يجبُ تأمينُ مخزونٍ احتياطيٍّ كافٍ من مادةِ المازوتِ للمدينة. هذا المخزونُ يمكنُ استخدامُه لتشغيلِ المولِّداتِ الاحتياطيةِ في محطَّاتِ الضخِّ خلالَ أوقاتِ الأزماتِ وانقطاعِ الكهرباء، ممَّا يضمنُ استمراريةَ توفيرِ المياهِ للمواطنين. يجب أن تكون هناك خطةٌ واضحةٌ لتأمينِ هذهِ المادةِ وتخزينِها بشكلٍ آمنٍ وفعّال. تحسينُ البنيةِ التحتيةِ وصيانةُ الشبكاتتُعاني شبكاتُ المياهِ في صيدا من قدمٍ وتلفٍ يُؤدِّي إلى تسربِ كمياتٍ كبيرةٍ من المياه، ممَّا يزيدُ من مشكلةِ الشُّحّ. لذا، يجبُ البدءُ في مشروعٍ شاملٍ لصيانةِ وتحديثِ البنيةِ التحتيةِ للمياه، وإصلاحِ التسرباتِ، وتوسيعِ خطوطِ الخدماتِ لتشملَ جميعَ المناطق. كما يجبُ معالجةُ مشكلةِ تلوُّثِ المياهِ من خلالِ مشاريعِ تنقيةٍ ومعالجةٍ تضمنُ جودةَ المياهِ وصلاحيتَها للاستخدامِ البشري. معالجةُ تداعياتِ النزوحفي ظلِّ وجودِ أعدادٍ كبيرةٍ من النازحينَ في صيدا، يجبُ وضعُ خططٍ عاجلةٍ لتأمينِ احتياجاتِهم من المياه، خاصَّةً في مراكزِ الإيواء. يمكنُ ذلكَ من خلالِ الاستعانةِ بالمنظَّماتِ الإنسانيةِ والدفاعِ المدني لتوفيرِ المياهِ بشكلٍ منتظم، وتوزيعِ غالوناتِ مياهِ الشرب، وتحسينِ البنيةِ التحتيةِ داخلَ مراكزِ الإيواء لتشملَ حمَّاماتٍ وغسَّالاتٍ كافية. خطةُ عملٍ شاملةٌ ومستدامةتتطلَّبُ أزمةُ المياهِ في صيدا وضعَ خطةِ عملٍ شاملةٍ وطويلةِ الأمد، لا تقتصرُ على الحلولِ المؤقَّتة. هذهِ الخطةُ يجبُ أن تتضمَّنَ رؤيةً واضحةً لتطويرِ قطاعِ المياهِ في المدينة، مع تحديدِ المسؤولياتِ والجهاتِ المعنيَّة، وتأمينِ التمويلِ اللازمِ لتنفيذِ المشاريعِ الحيوية. يجبُ أن تكونَ هذهِ الخطةُ نتاجَ تعاونٍ وتضامنٍ بينَ جميعِ الأطرافِ المعنيَّة: الحكومة، البلديات، مؤسَّسات المياه، المجتمع المدني، والقطاع الخاص. الشفافيةُ ومحاربةُ الفساديجبُ على مؤسَّسةِ مياهِ لبنانَ الجنوبي والجهاتِ المعنيَّةِ أن تعملَ بشفافيةٍ كاملةٍ في إدارةِ ملفِّ المياه، وأن تتخذَ إجراءاتٍ صارمةً لمحاربةِ أيِّ شكلٍ من أشكالِ الفسادِ أو التلاعبِ بشبكاتِ المياه. فمنعُ السماسرةِ وتُجّارِ المياهِ من العبثِ بالشبكاتِ وقبضِ الرشاوى، سيساهمُ في ضمانِ عدالةِ التوزيعِ واستعادةِ ثقةِ المواطنينَ في المؤسَّساتِ الرسمية. ليست أزمةُ المياهِ في صيدا مجردَ مشكلةٍ فنيَّةٍ أو لوجستية، بل هي أزمةٌ إنسانيةٌ واجتماعيةٌ واقتصاديةٌ تتطلبُ تضافرَ جهودِ الجميع. فالمياهُ حقٌّ لكلِّ إنسان، ولا يمكنُ المساومةُ عليه. إن معالجةَ هذهِ الأزمةِ تتطلبُ إرادةً سياسيةً حقيقية، وخططًا استراتيجيةً واضحة، ومشاركةً فعالةً من المجتمعِ المدني والقطاعِ الخاص. إن صيدا، التي تعومُ على مخزونٍ مائيٍّ كبير، تستحقُّ أن ينعمَ أهلُها بالمياهِ النظيفةِ والوفيرة، وأن تتحوَّلَ صرخةُ العطشِ إلى نغمةِ أملٍ بمستقبلٍ أفضل.