تَجهَدُ شخصيةٌ صيداويةٌ ناشطةٌ في العملِ الجمعياتيِّ والتقاط الصور في تقديمِ نفسِها باعتبارِ أنَّه تمَّ تعيينُها “مدير مكتبٍ صيدا” لأحد “العائدين” للاضطلاعِ بدورٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ في المدينة، وذلك من دون أن يتقاضى راتبا لمدة 6 أشهر يصار بعدها إلى اتخاذ القرار النهائي بتثبيته في منصبه من عدمه، بحسب عارفين. وفي حين تُؤكِّدُ مصادرُ متابعةٌ أنَّ الحلقةَ الضيّقةَ المحيطة بهذه “الشخصيةِ الثرية” منعتْ أحدًا من اختراقِها للوصول إليه على صعيدِ المدينة، بدليلِ أنَّ الغداءَ الذي جمعَ هذه الشخصيةَ بعددٍ من المقرَّبين وفريق عمله في أحدِ مطاعمِ برمانا الفاخرة منذ أيام، سَجَّلَ غيابَ مديرُ مكتبِ صيدا المفترض، علماً أن حديث المائدة دار حول المدينة بشكل كبير.
أخبرتُكَ عن سفينةٍ بأربعةِ قُبَاطِنَةٍ أو حتى أكثر، كلٌّ منهم يقودُها بحسب هواه، هل تصلُ إلى برِّ الأمان؟ هل تستطيعُ الإبحارَ في أمواجٍ عاتيةٍ لتبلغَ وجهتَها؟ وهل سيتّفق قُوَّادُها على وجهتِها أصلًا؟ بالطبع لا. هذا حالُ بلديةِ صيدا اليوم، سفينةٌ برؤوسٍ ورياسةٍ متعدّدة، وكلٌّ يدَّعي المصلحةَ وفقًا لرؤيته وهواه، وحُكمًا حساباته الخاصّة المادّية. أمّا في المحصّلة فصيدا وأهلُها هم الخاسرُ الأكبر، والمدينة وناسُها من يدفعُ الثمنَ على حساب أمورٍ تمسُّ جوهرَ تفاصيل حياتهم اليومية. منذ أن أفضت نتيجةُ انتخابات المجلس البلدي في مدينة صيدا إلى ما آلت إليه اليوم، لم يعُد السؤالُ: “لماذا؟”، بل بات: “متى؟” متى سيقعُ الانفجارُ الذي سيُطيحُ بالمجلس والبلدية بسبب عدمِ تجانس أعضائه من لوائح متنافسة في الشكل والجوهر والمقاربات والحلول وطرق العمل؟ بلديةُ صيدا اليوم – كما يقول معظمُ أهل المدينة – بلديةٌ بأربعةِ رؤوسٍ أو خمسةٍ أو حتى ستة. والاجتماعاتُ العقيمةُ العاصفةُ التي يشهدُها المجلسُ البلدي، والتي صار يصلُ فيها النقاشُ حدَّ تعيير رئيس البلدية من قِبَلِ أعضاءٍ بقولهم: “نحن من أجلسناك على كرسيك هذا، وأتيتَنا قبل الانتخابات تطلب الدعم والتأييد”، مجلسٌ وصل فيه التنازعُ حدَّ التراشق بقوارير المياه بين أعضائه، وبلغ فيه النفاقُ السياسي والشخصيّ محاباةً رخيصة، هو مجلسٌ غيرُ قابلٍ للحياة أو الاستمرار. صارت البلديةُ كرسيًّا كلٌّ يتجاذبُه لصوبِه؛ فيها من يُقرِّر منفردًا أن يُزفّت طريقًا أو جورةً آملًا أن “تُعبِّد” طريقَه إلى كرسي الرئاسة في الدورة المقبلة، أو حتى النيابة نفسها – كما قالها “باعتبارها الأقرب” – لأنّه لم يعُد قادرًا على الانتظار بعدما أعجبتْه العراضاتُ واستهوته الصورُ المرفوعةُ ويافطاتُ المديح. رئيسٌ يبتغي مرضاةَ الجميع لتحقيق المصالح التي تعودُ بالمنفعة عليه. وآخرُ تنتهي تنظيراتُه وشعاراتُه الرنّانة عند زاويةٍ عقاريةٍ مصلحيةٍ صغيرة. ومتحمّسٌ موهومٌ بالأرقام يرى في مُلخَّص Power Point على الشاشة مشاريعَ قادرةً على أن ترفعَ المدينةَ من حضيضها إلى مصافّ العالمية، دون الحدّ الأدنى من الدراية بمتطلّبات العمل بالشأن العام والسياسة والمجتمع. سيسجّلُ التاريخُ لهذا المجلس البلدي أنّه قضى على آمالٍ كثيرة عقدها الصيداويّون على إيصال جيلٍ شابٍّ جديد مفعم بالحداثة والحيوية والطاقة للعمل والإنتاجية إلى مركز القرار، ليترحّموا على “ديناصوراتٍ” مضت، أقَلَّه كان للمجلس بعضٌ من هيبةٍ أضاعتها “وَلدنات” الطارئين على غفلة. لكنْ: “كما تكونون يُولّى عليكم…” رأفة بالناس بعد تجربة مئةِ يومٍ من العمل، لو كان هذا المجلس يهتمُّ بالمدينة وأهلها، فحريٌّ به الاستقالةُ رأفةً بالناس، والدعوةُ إلى انتخاباتٍ جديدة بعدما عرف الجميعُ ما كانوا يجهلون. فالاستمرارُ على هذه الشاكلة انتحارٌ بحقّ صيدا، لا تستحقُّه.
في الوقتِ المستقطعِ بين إقفالِ جريدةِ “نداء الوطن” بنسختِها ما قبل الأخيرة، وبينَ إعادةِ إطلاقِها مجدّدًا، أُوكِلَتْ إلّي مهمّةُ الإشرافِ العامِّ كإستشاري على إنشاءِ وتحضيرِ موقعٍ إخباريٍّ صودف أن تعاونَ معي في تلك الفترة (عددٌ) من صحفيّي “نداء الوطن”، الذين كانوا ينتظرون قراراتِ إعادةِ توظيفِهم في الجريدة بحلّتِها الجديدة. في لقاءٍ جمعني يومًا بصاحبِ “نداء الوطن” ميشال المرّ، قبل صدورِ الجريدةِ بقليل، سألني عن رأيي في التجربة. كان الجوابُ واضحًا: “مع اللّي اختبرتن ما بيمشي الحال!” أي كما كان يقولُ الصديقُ الراحل عدنان الحاج: “البَار اللّي مش ماشي، بيغيّروا شرا… مش شراشفو”. منعًا لأيِّ التباس، الصحافيُّ المدعو سامر زريق لم يكن واحدًا ممّن مرّوا عندي، وإن كان يكتبُ اليوم في “نداء الوطن”. من محاسنِ ألّا تنغمسَ في تفاهاتِ عالمِ السوشيال ميديا، ألّا تسمعَ بكثيرٍ من “المؤثّرين” والناشطين في الفضاء الإلكتروني، ممّن يُثيرون ضجيجًا يؤذي الأذن ولا يتركُ أثرًا. ولولا أن أرسلَ لي صديقٌ “تويتًا” صاغه شخصٌ يعرّف عن نفسه بأنّه كاتبٌ لبنانيٌّ سياسيٌّ ينشط منذ سنواتٍ في الكتابة في السياسة اللبنانية والعربية والدولية ومتخصّص في شؤون الإسلام السياسي، اسمه سامر زريق، يتّهمني فيه بالعمل مع المحور الإيراني وأذرعته، ويجزم كما هو متداول بتمويل الصحيفة التي أرأسُ تحريرها من آل الحريري، لما كنتُ علمتُ بوجودِه ولا بكتاباتِه. تبتسم حينَ تقرأ أن عبقريةَ أحدهم قد تفتّقت بأنّ الحريرية السياسية باتت بحاجةٍ إلى موقعٍ ناشئٍ بمبادرةٍ فرديةٍ من صحافيين وناشطين، وبتمويلٍ ذاتيٍّ، صار رأسَ حربةِ الهجومِ الحريريِّ على السعودية في لبنان منذ اللحظة التي قرّرتُ فيها المشاركةَ في أوّلِ تظاهرةٍ جماهيريةٍ في لبنان، خرجت في وسط بيروت مع الشيخ أحمد الأسير الحسيني ضدّ الأسد وزبانيته ونظامِ الملالي الفارسي، صرتُ أتوقّعُ الطعنَ من الأقربين قبل الأبعدين. لا أعلم أين كان أمثالُ زريق حينها، لكنّه حُكمًا لم يكن معنا يجاهرُ بما قلناه في وجه العالم، ولا نزال. كتاباتنا ومساهماتنا في عالم الصحافة والإعلام سواء في لبنان والدول العربية والعالم منذ أكثر من ٣٠ عاما، وتاريخنا ونضالاتنا تشهد على خطنا وتمويلنا. لم نكن يوماً مع “الحريرية السياسية”، ولن نكون. بيان “السجل العدلي” الخاص بنا لا يزال إلى اليوم يظهر كّم الدعاوى المرفوعة بحقنا من قبل الرئس الحريري . تبتسم حينَ تقرأ ما يكتبُ أحيانًا. تَخيَّل أن “عبقريةَ” هذا الشابّ أو من يقف خلفه، وهو الذي كان مُنضويًا سابقا في “تيّار المستقبل”، قد تفتّقت بأنّ “الحريرية السياسية” باتت بحاجةٍ إلى موقعٍ جريدة ناشئة بمبادرةٍ فرديةٍ من صحافيين وناشطين مؤمنين بالرسالة والقضية السامية للمهنة والبشرية جمعاء، وبتمويلٍ ذاتيٍّ يفتقرُ أدنى ميزانياتِ العملِ الإعلاميّ المطلوب، صار “رأسَ حربةِ” هجومِ الحريريِّ على السعودية في لبنان. تبتسم بخبث. الأهضمُ من كلِّ ذلك، وقوفُ “أنجالِ بهية الحريري” – الذين لا أعرف منهم، للأمانة، إلّا أحمد – وراء الجريدة. احترامًا للغةِ العربية فحسب، يُقال “نَجْلان” وليس “أنجال”، فعددهما رجلان بحسب علمِنا، إلّا إن كنتَ تعلمُ أكثر. ألا يستوجبُ وقوفُهما وراء هذا المشروع الفتنوي الذي اسمه صحيفة “البوست” إخفاء أسمائِهما، لا إظهار مشاركةِ الأمين العام لتيّار المستقبل أحمد الحريري بالكتابة جهرًا وبيانًا على صفحاتنا، مستمتعًا بألقِ الكتابة ومتحدّيًا نفسه في إنتاجِ نصٍّ يحمل اسمَه ويُحاسبُ عليه. قليلٌ من الفطنة… لا أكثر. أهلُ صيدا أدرى بشعابِها، ويبدو أنّ المفتري علينا الساكن في طرابلس قد تاه في المسافة بين المدينتين. ما نشرتْه “البوست” أمس عن توزيع السعودية لحصصٍ غذائيةٍ في عاصمة الجنوب، والذي هو متواصلٌ حتّى اليوم، باعتباره خطوةً متقدّمةً لدخولِها على خطِّ الانتخابات في المدينة، هو خبرٌ لا مقال، إلّا إن كنتَ جاهلًا بالفارق، وهو باكورةُ ما سيليه ليؤكّد ما قلناه. وقد تمّ اختيارُ جهةٍ معيّنةٍ لتوزيعِه دونَ سواها لمآربَ سياسية، وهذا حقٌّ للمملكة لا شأنَ لنا به، تمامًا كما تحليلات وترابط أفكار كاتب “التويت”. للعِلم، تمويلُ “البوست” كمشروعٍ إعلاميٍّ واضحِ المعالم والتوجه والرسالة منذ اليوم الأوّل، هو حقٌّ واجبٌ على كلّ مسلمٍ ووطنيٍّ وغيورٍ على طائفتِه ودينه وبلدِه. وهو أمرٌ إن حصل من أي جهة نعدُكم بأن ننشر إيصالاتِ دفعِ أصحابها على الموقع الإلكتروني للصحيفة، لأنه لا يمكن ليّ أي من أذرعتنا، بما نؤمن به ونتبناه للنهاية. لا أعلم أين كان زريق أيضًا، حين كنتُ مشاركًا في تأسيسِ جريدة “الأخبار”، لكنّي أعلم جيّدًا أين تموضع حين تركتُها بعدما صارت لا تُشبه الجريدة التي أرادها جوزف سماحة وكنتُ عنصرًا ضئيلاً في تحقيقِها. من الصعب أن تستشعرَ بصحافيٍّ بعدَ معاصرتك وعملك وتتلمذِك على أيدي الكبار كطلال سلمان وبلال الحسن وجوزف سماحة وأنسي الحاج… لكنّ للرد على الافتراءِ ضروراته، ولا نعطيه أكبر مما يستحق. أفهمُ تمامًا أن تشدَّ الرحالَ باتجاهِ الرياض، خاصّةً من كُتّابٍ سُنّةٍ يطمحون إلى لفتِ النظر للظَّفرِ بمكرماتٍ وحظوة، لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك على حسابِ آخرين. السّعوديةُ لنا ليست كما هي لكم. هي لنا أكثرُ من مجرّد بلد، هي فكرةٌ سرمديّةٌ لا تنتهي ولا تُؤرَّش. نُحبُّها كما هي، برسالتِها السامية ورِمالِها ونخيلِها وشعبِها وإرثِها، فلا تستخدمونا للظهور. اتركونا مع الفقراء والمهمَّشين والمظلومين والمقهورين، نُحبُّهم ويُحبُّوننا، نخوضُ معاركَهم بلحمِنا الحيّ، ولا ننتظر نهايةَ الشهر لتوزيعِ المغانم، تلك هي قوّتُنا فلا يمكنكم سلبُنا إيّاها. البوست رئيس التحرير