قُضي الأمر. حسمت “الحاجة” قرارها النهائي. حصل ذلك منذ فترة ليست بعيدة. مهما كثرت التأويلات والتحليلات والأماني. “بهية نازلة” عالانتخابات. حتى لو طلب حبيب قلبها، ابنها الثالث (سعد) عكس ذلك، فإم نادر لن تلتزم بقرار “كبير عابر”، وستترشّح عن المقعد السُّنّي في صيدا، مهما تكن الضغوطات، إقليمية كانت أو محلية أو دولية ولو حتى كونية ليس في السياسة من ثوابت، كما لا أعداء أو أصدقاء أو حلفاء أو خصوم دائمين، أمر مفهوم. لكن الحال اليوم يختلف عن أي وقت مضى، فهو يطال صميم “وجود” حالة نشأت ونمت وتجذّرت في الحياة السياسية اللبنانية في العقود الأربعة الماضية، اسمها “بيت الحريري”. وهو أمر يختلف كليًّا عمّا قد يُطلق عليه “الحريرية السياسية” بمعناها الشمولي، أي ما مثّله الرئيس رفيق الحريري وبعده سعد و”تيار المستقبل”، وتحالفاتهم وتقاطعاتهم أو مقاطعاتهم. “بيت الحريري” في صيدا حالة خاصة، وهي تعني بهية ونقطة عالسطر. أحببنا ذلك أم كرهناه. لصيدا خصوصية معيّنة، قد لا يفهمها إلا أهلها، أو حتى قلّة منهم، وبهية اليوم تعرفها أكثر من أي وقت مضى، أكثر من سعد وما تبقّى من فريقه، دون التذكير بدخول بهاء على الخط، على شاكلة مستشرقي القرن الثامن عشر. خطر وجودي لا لُعب فيه ولأن “روما من فوق غير روما من تحت”، أدركت بهية أن “بيت الحريري” اليوم أمام منحى وجودي. في السياسة كما في الاقتصاد والمال والمجتمع وشبكات التعاون والخدمات، في القضاء والأمن، والمؤسسة الدينية، والجمعيات الأهلية والعائلات وصولًا إلى التحالفات الفردية… أيقنت أنَّ انزواءَها في الدورةِ المقبلةِ يعني أنَّ هاتفَ مكتبِها سيجدُ صعوبةً كبيرةً حتّى في إقناعِ ضابطٍ بنجمتينِ بإزالةِ مخالفةِ سيرٍ. فإنْ لم تكنْ لتُبادرْ بهذه الخطوةِ، كان من الممكنِ لهذا البيتِ أن يُقفَل، أو يتحوَّلَ رمزًا لتاريخٍ حافلٍ ولّى، وليست “الأسعدية” بمثال بعيد عمّا نتكلّم. حتى اليوم تصرف “الست” من مخزون تراكم لسنين مديدة، لكنه في نقصان دائم لا في ازدياد. الإكمال بهذه النمطية يعني أن ما لا يُنتج سينضب ولو بلغ خزائن قارون. لذلك كان القرار بالتشارك مع الحلقة العائلية الصغرى، وانتقل بعدها إلى العائلة الأكبر، ثم باقي الحلقات المعنية.إم نادر ماضية فيما اتّخذته، بغضّ النظر عمّا ستؤول إليه تأويلات القادم من الأيام بالنسبة للقرار المركزي لـ”تيار المستقبل” من المشاركة أم العزوف عن الانتخابات النيابية 2026. الحال اليوم يختلف عن أي وقت مضى، فهو يطال صميم “وجود” ظاهرة نشأت ونمت وتجذّرت في الحياة السياسية اللبنانية، اسمها “بيت الحريري” وهي مهددة بالاندثار إن استمر الوضع على ما هو عليه الآن مقعد واحد لا مقعدانبإسقاط هذا القرار على أرقام الانتخابات النيابية في دورتها الماضية، وبقراءة لنتائج الانتخابات البلدية الأخيرة وأرقامها وواقع الأحوال التي خيضت بها، وحتى في ظل الظروف السياسية والمالية والبشرية القائمة اليوم، يمكن القول إن أول فائز في برلمان 2026 هي بهية الحريري في صيدا، وذلك بمجرّد أن قرّرت خوض المعركة.أما باقي تداعيات هذا القرار، فهي رهن بعدة سيناريوهات سنوجز منها ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا. الضربة القاضيةفي الجوهر، لا خلافًا سياسيًّا جذريًّا أو كبيرًا بين بهية و”القوات اللبنانية”، ويمكن في لحظة أن يركب تحالف بينهما على صعيد دائرة صيدا – جزين. صحيح أن الأمر يبدو غير مطروح أو ناضج الآن، لكنه ممكن وليس مستحيلًا. فمن أقنع السعودية بأنه صاحب القرار وبجدوى التحالف مع حزب الله في انتخابات بلدية بيروت، ليس من الصعب أن يكرّرها مع بهية، فحسابات معراب دقيقة ومنطقية ومقنعة، حتى وإن كان “الحرم” السعودي لا يزال قائمًا على عودة “المستقبل” للحياة السياسية.هذا الموضوع إن حصل، وبالقياس على الأرقام الفعلية المحقّقة أخيرًا في صناديق الاقتراع في عاصمة الجنوب وشرق صيدا، يعني الظفر بأربعة نواب من أصل خمسة، إن لم نقل إن تحقيق الخمسة من خمسة وهو أمر ممكن ببعض الجهد والمال والحرفية.مهما يكن الحليف في جزين، ومهما تكن البورصة التي سترسو عليها الأسماء لاحقًا، جعل ترشّح بهية المنافسة في المدينة على مقعد لا مقعدين، فماذا بعد ذلك؟بحسب مصادر سياسية مطّلعة ومتابعة، لا مشكلة عند بهية الحريري من التحالف مع أسامة سعد في الانتخابات المقبلة، لكن المشكلة تتجلّى عند “الدكتور”. فهو أمر غير مطروح حكماً إن كانت بهية متحالفة مع “القوات”، وفي حال لم تتحالف معهم، يجد “ابن معروف” صعوبة في اختزال مرحلة طويلة من مناصبة العداء لآل الحريري وما يمثّلونه بتحالف على لائحة واحدة، كما يجد صعوبة في إقناع جزء وازن من قاعدة ناخبيه وصقور العسكر القديم المحيطين به بصوابية هذا القرار، إن كان يفكّر به فعليًّا.ماذا عن عبد الرحمن البزري، رجل السعودية الأول في عاصمة الجنوب اليوم؟ يبدو موضوع التحالف معه غير وارد من قبل بهية، حتى لو كان البزري صديقًا مقرّبًا لدوائر القرار السعودي، فلا الكيمياء راكبة بينهما، ولا بالشخصي يمكن تجاوز محطات سياسية كانت واستمرّت وتركت ندوبًا لم تُمحَ. وبقرارها الصيداوي المنفرد، المُحرَّر من كل ثِقَالات “مستقبلية” قد تُعيق حركتها، تملك بهية الحريري اليوم القدرة لتقول: أريد هذا ولا أريد ذاك. لم يقفل الخط المباشر وغير المباشر يوما بينها وبين “مصيلح”، وهي بالنسبة “للثنائي الشيعي” خيارا ممتازا بكل المعايير، لكنها لا تميل شخصياً إلى تحالف يجمعها بواحد كأمل أبو زيد، ممثلا لتيار لا تهضمه المدينة، لا برموزه التاريخية ولا الآنية. أما التحالف مع ابراهيم عازار “فبيقطع”، لكن دونه الكثير من الواجبات المتممة، من المبكر الحديث عنها الآن. حتى اليوم تصرف “الست” من مخزون تراكم لسنين مديدة، لكنه في نقصان دائم لا تزايد من هو المرشّح الثاني الذي سيرافق إم نادر؟ سؤال كبير، لا يمكن الإجابة عنه الآن لأن هذا الأمر ليس عند بهية، على عكس قرارها الفردي بالترشّح. المرافق لبهية على اللائحة، (في حال لم تترشّح منفردة)، سيكون مرهونًا بعوامل عديدة، وهنا هي لا تملك القرار النهائي في تحديد معالمه، بل تمليه مروحة واسعة من الحسابات والتحالفات التي ستركب مع “الامتداد الجزيني” وخارطة التحالفات على صعيد لبنان، و الحواصل والروافع وفقًا لقواعد اللعب بحسب القانون النسبي الحالي. على الرغم من كل ذلك، تؤكّد مصادر سياسية مطّلعة أن هناك مجموعة من الأسماء يتم التفكير فيها و”جوجلتها” بعيدا عن الأضواء واحتساب مكامن قوّتها وضعفها، وفقًا للصورة الأكبر. من هذه الأسماء: شخصية طبية مشهود لها بالنزاهة والمناقبية، وشخصية سياسية فاعلة وحاضرة باتت تمتلك حيثية وتنشط بشكل محبب صيداويًّا، إضافة إلى شخصية إعلامية وازنة عابرة للحسابات ومن خارج اصطفافات المدينة التقليدية. وتؤكد هذه المصادر أن “قرارا كبيراً” قد يتخذ في لحظات من خارج السياق المتوقع، يعيد خلط الأوراق والحسابات الانتخابية والسياسية، ويقلب الطاولة بشكلها الحالي، ليس على صعيد صيدا فحسب، بل على صعيد لبنان ككل، وهو أمر لا يزال “ينتظره” الكثيرون. تكشف مصادر مطلعة أن بعض الأسماء التي كانت تُتداول باعتبارها من المسلّمات مع بهية سابقًا، لم تعد ضمن أية حسابات فعلية اليوم. والقادم من الأيام سيكشف الكثير من الأسرار وقد يحمل مفاجآت من العيار الثقيل، قد لا يتخيّل الرأي العام الصيداوي اليوم أنه يحسن حسبانها.
تمر ذكرى رحيل الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصرالله، ليس كحدث عابر، بل كجرس إنذار يعلن نهاية حقبة كاملة. فالرجل الذي احتكر الصورة والكلمة والقرار لعقود، ترك خلفه جسداً تنظيمياً مترهلاً يبحث عن رأس بديل. ومع صعود نائبه، نعيم قاسم، إلى منصب الأمانة العامة، بدا المشهد أشبه بمسرحية انطفأت أضواؤها فجأة؛ فصعد الممثل الاحتياطي إلى خشبة خالية، بلا حماس من الجمهور، وبلا قدرة على إقناع نفسه بالدور الجديد. لغة الأرقام الصادمة بعيداً عن الخطابات الرنانة، تتحدث الأرقام لغة قاسية لا تعرف المجاملة، وترسم صورة قاتمة لمستقبل الحزب:تراجع شعبي حاد: هوى التأييد الشعبي في البيئة الحاضنة للحزب من ذروة بلغت 82% عام 2006 إلى ما يقارب 51% في عام 2025. هذا يعني أن نصف جمهوره تقريباً قد سحب ثقته من المشروع الذي كان يلتف حوله. أزمة مالية خانقة: تقلص التمويل الإيراني بأكثر من 40% خلال السنوات الخمس الماضية، مما أجبر قيادة الحزب على تخفيض رواتب المقاتلين بنسب تتراوح بين 20% و30%. هذه الخطوة دفعت العديد من العناصر إلى البحث عن مصادر رزق بديلة أو حتى الهجرة. جيل جديد بلا أفق: أكثر من 60% من الشباب في البيئة الشيعية لم يعودوا يرون مستقبلهم في “المقاومة”، بل بات حلمهم تذكرة سفر أو عقد عمل في الخارج.هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات جامدة، بل هي بمثابة إعلان إفلاس تدريجي لمنظومة كاملة بُنيت على كاريزما فرد واحد. في ذكرى غياب “السيد”، تتضح المعادلة بلا مواربة: حزب الله اليوم هو جسد ضخم بلا رأس، يقوده رجل لا يملك من القيادة سوى لقبها الرسمي مدير تنفيذي في زمن الانهيار في هذا السياق، يظهر نعيم قاسم. الرجل الذي يُقدَّم كخليفة، يبدو في الواقع أقرب إلى “موظف أرشيف” يقرأ من أوراق صفراء بالية، لا إلى زعيم ملهم. خطابه يفتقر إلى الجاذبية، وإيقاعه بطيء، وعباراته تخرج كمن يقرأ نشرة إدارية مكررة. حتى ملامحه في الصور لا تحمل سمات القائد، بل سمات موظف مرهق في نهاية يوم عمل طويل. الفارق بينه وبين سلفه شاسع. كان نصرالله يملأ الشاشة بحضوره الصوتي والجسدي، بينما يكاد قاسم يملأ القاعة بظله. لقد انتقل الدور من “القائد” إلى “المُلقِّن” الذي يقف خلف الكواليس. حتى طهران، الراعي الإقليمي، لم تعد ترى فيه سوى “مدير تنفيذي” لشركة متعثرة، مهمته إدارة الأزمة لا صنع القرار. من “هيبة السلاح” إلى “عبء الخبز” داخلياً، يعيش الحزب تناقضاً صارخاً: كيف يمكنه رفع رايات “الانتصارات الإلهية” بينما يغرق جمهوره في البحث عن حليب لأطفاله أو دواء لمرضاه؟ لقد فقدت شعارات “القداسة” قيمتها أمام فاتورة الكهرباء، وتحول السلاح الذي كان يوصف بـ”سلاح الكرامة” إلى عبء يفاقم عزلة لبنان وانهياره الاقتصادي. الحزب الذي كان يرعب خصومه، بات اليوم يخشى تململ أنصاره. الهيبة تتآكل من الداخل، لا من الخارج. إقليمياً، لم يعد حزب الله اللاعب الأبرز في “محور الممانعة”. ففي سوريا، يستمر نزيفه البشري والمادي بلا أفق. وفي العراق واليمن، تتقدم أذرع أخرى على حسابه. لقد كشف غياب نصرالله حجم الهشاشة البنيوية، وأثبت أن نعيم قاسم لا يملك القدرة على ترميم صورة أسطورية بدأت بالتلاشي. من الأسطورة إلى التخبط في ذكرى غياب “السيد”، تتضح المعادلة بلا مواربة: حزب الله اليوم هو جسد ضخم بلا رأس، يقوده رجل لا يملك من القيادة سوى لقبها الرسمي. لقد انتقل الحزب من زمن القائد الذي يصنع الأوهام، إلى زمن الموظف الذي يوقّع على أوراق الانهيار.إنه تحول مؤلم من “ذراع إيران الضاربة” إلى شركة خاسرة تبحث عمن يدير إفلاسها، ومن “قداسة المقاومة” إلى حمل ثقيل على جمهور يطالب بالخبز قبل الرصاص. إنه الانتقال الحتمي من زمن الأسطورة إلى زمن الشفقة.
يقولُ “الصّحافيُّ” عليّ بَرّو: «أسامةُ سعد، فيصلُ كرامي، والشيخُ حسنُ مرعِب قبضوا من الحزب».وكأنّكَ استحضَرتَ لنا الغيبَ، وأخرجتَ منه العَجَبَ. حتّى أطفالُ الحضانةِ يَعلَمونَ أنّ حزبَ الله مرتبطٌ بحلفائِه الذين أنكَرْتَهم على أساسِ المصلحةِ المادِّيّة. لكنّ المُستَغرَبَ هو تِلكَ العَنَجَهيّةُ التي باتتْ أَكبَرَ ممّا يُسكَتُ عنها، وأصبحتْ واضحةً للجميعِ حتى صَارَتْ تُحرِقُ حلفاءَكم قبلَ أعدائِكم.ليسَ هذا المقالُ شِماتةً بالذين قبضوا أو استفادوا؛ فالكلُّ يعرفُ أنّ الحزبَ في أوجهِه كانَ المصدرَ الأوّلَ للمالِ لكثيرٍ من حلفائِه، بل وحتى للشركاءِ في الوطن (الذين لا يوافقونَه). إنّما هُوَ تنبيهٌ ووقفةُ حقٍّ. أسامةُ سعد: المَعاركُ والمَواقفُأمّا فيما يَخصُّ النائبَ الصيداويّ أسامةَ سعد، فكمْ مرّةً أَحرقْتُموه وكانَ أوْعى من أنْ يَحتَرِق؟ من مَعرَكةِ نَزلَةِ صِيدون إلى مَعرَكةِ أبو ربيع، إلى مَعرَكةِ الأسير، إلى الثّورةِ و”بوسَطَتها”، وغيرِها من المواقفِ. وليسَ آخِرَها رئاسةُ الحكومةِ واستقبالُهُ للمعارضةِ والقوى “المدنيّة” (مع تحفّظي طبعًا)، أو حتّى الوفودِ الأميركيّةِ التي استقبلها. مواقِفُه كانت دائمًا مبنيّةً على العلمانيّةِ في مواجهةِ المذهبيّةِ والدينِ.فما لكم كيفَ تحكُمون؟لقد عملتُ في المركزِ الإعلاميّ والاستشاريّ للدكتورِ أسامةَ أكثرَ من سنتينَ كمقدّمٍ لخدمةِ الإعلامِ والاستشاراتِ والعملِ الاجتماعيّ، وأعلَمُ تلكَ الانقساماتِ التي كانَ الحزبُ يُبثّها في صيدا: «بوابةُ الجنوب»، «عاصمةُ الجنوب»، و«المدينةُ السّنّيّةُ الاستراتيجيّة». وأعلَمُ أيضًا سياسةَ “فَرِّق تَسُدّ”، والدعمَ المادّيّ للأطرافِ المتفرّقةِ التابعةِ للحزبِ أو المقَرَّبَةِ منه والمُناصرَةِ لسياساته، ومنها المكتبُ الإعلاميُّ الذي كان يُموَّلُ مُباشرةً من الحزبِ بإشرافِ بسّامَ القنطارِ. وكم احتدّ النقاشُ بينه وبينَ الراحلِ المناضلِ عصمتِ القواصِ مديرِ المكتبِ الإعلاميّ حولَ سياسةِ النشرِ ورسمِ خطوطٍ حمراء.التّنظيمُ الشّعبيُّ النّاصريُّ وُجِدَ قَبلَ وُجودِ حزبِ الله وأدواتِه وحَركاتِه، وإنْ كانَ “النّصرُ عملٌ”. ورغمَ كلِّ الجِراحِ، ظلَّ التّنظيمُ يبتلعُ الموسَ ويقفُ بجانبِ الحزبِ في مواقفَ وطنية.وأنا لستُ هنا لأشمَتَ، ولا لأدافعَ عن التّنظيم؛ فهو حزبٌ لا يُمثّلُني سياسيًا، لكنّه يُمثّلُ كلَّ صيداويٍّ يَعرِفُ تاريخَ هذه المدينةِ. كرامي والمرعبي: التاريخُ والمَواقفُأمّا عن شراءِ الذّمَمِ، فليسَ كلُّ إنسانٍ من ذلكَ الطّراز. فيصلُ ليسَ عمرَ كرامي من حيثُ السّياسةِ والاستقلاليّة؛ فهذا الإنسانُ ليسْ كذلكَ الأسدُ. وكلُّنا يتذكّرُ موقفَ عمرَ كرامي حينَ فاجأَ الجميعَ، حتى حليفهُ حزبُ الله، عندما استقالَ.دَعَمَ الحزبُ عمرَ كرامي قبلَ فيصل. وإن لم يَكتشفِ الحزبُ أنّ معظمَ حلفائِه مُنتَفِعونَ أو مستفيدونَ، فالمشكلةُ في المُعطِي لا في الآخذِ “المُنتَفِع” كما ذَكَرَ بْرو.وعندَنا مثلٌ صيداويٌّ يقول: «اللي بيفتح زنبيليو كلّ الناس بتعبّيليو».أمّا عن الشيخِ المرعبي، فالقارئُ لتاريخهِ يعلَمُ أنّه لم يُنقِلِ البندقيّةَ من كتفٍ إلى كتفٍ، ولم يُبَدلِ “الشنكاش”. بَل تحدّثَ بوطنيةٍ وقتَ الحربِ وقال: «اليومَ لن أهاجمَ الحزبَ، فكلّنا في مَعرَكةٍ ضدّ العدوّ الصهيونيّ».لكنّكم تَعَوَّدتم أنّ لا يخالفَكم أحدٌ، وأنّي “أُريكم ما أرى”. وفي الوقتِ الذي اعترضَ فيه الجميعُ على “شِبهَ الحربِ” التي أطلَقْتُمُوها (فإمّا حربٌ كاملةٌ أو دعاء)، بدأتم تُوزّعون اتهاماتِ العَمالَةِ على الناسِ. وكانَ أكثرُ مَن قادَ حملاتِكُم هذه عملاءٌ… لكنّكم تَعَوَّدتم أنّ لا يخالفَكم أحدٌ، وأنّي “أُريكم ما أرى”. وفي الوقتِ الذي اعترضَ فيه الجميعُ على “شِبهَ الحربِ” التي أطلَقْتُمُوها، بدأتم تُوزّعون اتهاماتِ العَمالَةِ على الناسِ تَمَهَّلْ… تَمَهَّلْ يا “بَرّو”أسامةُ سعدُ المعروفُ بمواقِفِه الوطنيّةِ أبًا عن جدٍّ، أو من تريدُ أن تَستخدمَهم كأمثلةَ، هم لبنانيّونَ، ليسوا أطفالًا في السّياسةِ. قد أختَلِفُ معهم، وقد تكونُ زواياهم ضيّقةً، لكنَّ لديهمَ الحدَّ الأدنى من القُدرةِ على التّفريقِ بين النارِ والماء، بين ما يُحَرِّقُ البلدَ وما قد يُخدِمُ مصلحتَهُم الشّخصيّةَ أو مصلحةَ الوطن. تَمَهَّلْ… فالحربُ مع العدوّ الصهيونيّ لَم تَنتهِ. بيوتُ أهلِنا في طرابلسَ، الطّريقِ الجديدةِ، الجبلِ، وصيدا ما زالتْ مفتوحةً رغمَ الجِراحِ.وصيدا المَجروحةُ بشبابِها وعائلاتِها من الاستفزازاتِ — أو أقلّها معركتُكم مع الشيخِ أحمدِ الأسير — ستبقى مدينةً تَتعاملُ بأَصلِها، لا بالعَنجهيّةِ والاسْتكبارِ وفرضِ أمرٍ واقِعٍ تَبَيّنَ أنّه مجرّدُ وَهْمٍ. لمشاهدة المقابلة إضغط على الزر أدناه: Click here