في عالمنا المعاصر، أدى التدفق الهائل للأخبار والمعلومات إلى جعلنا شهودًا على عدد غير مسبوق من الصراعات والأزمات العالمية. لقد تجاوز هذا الكم من المعلومات قدرة الإنسان على الاستيعاب والمتابعة، حيث إن التعرض المستمر لصور الفظائع وقصصها ومقاطعها المصورة، خلق لدينا شعورًا بأننا نعيش في زمن من العنف الاستثنائي. لكن الحقيقة ليست في ازدياد النزاعات، بل في مدى بروزها وانتشار أخبارها تراجع العنف رغم ضجيج الإعلام على عكس ما قد توحي به وسائل الإعلام، تشير الدراسات إلى أن المجتمعات البشرية اليوم أكثر أمانًا من أي وقت مضى. فقد شهدت القرون الماضية تراجعًا كبيرًا في منسوب العنف، وذلك بفضل تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية. من أبرز هذه التطورات ظهور الدولة الحديثة التي احتكرت استخدام القوة، وترسيخ سيادة القانون، ونمو التبادل التجاري الذي جعل حياة الأفراد أكثر قيمة. كما أدت الثورة التكنولوجية، خاصة في قطاع الاتصالات، إلى إضعاف السلوك العنيف وتغيير حسابات الإرادة السياسية التي تقف وراءه، مما يبشر بمزيد من الانحسار للعنف مستقبلًا. سلاح ذو حدين على الرغم من هذا التوجه الإيجابي، ستبقى النزاعات والحروب سمة من سمات المشهد البشري لأجيال قادمة، وإن تغيرت أشكالها لتتكيف مع عصر الذكاء الاصطناعي. لقد كُتب الكثير عن دور التكنولوجيا في تفكيك المجتمعات، ولكن ماذا عن دورها في إعادة توحيدها وإعمارها بعد الصراعات؟ من المؤكد أن إعادة البناء ليست مهمة سهلة تُنجز بمجرد حشد الإمكانات أو إطلاق الحملات الإعلامية. فتكنولوجيا الاتصال وحدها لا تستطيع إعادة بناء مجتمع مدمر، لكنها قادرة على تسريع وتحسين كافة الجهود السياسية والاقتصادية والأمنية المبذولة. الأدوات التي نستخدمها اليوم للترفيه قد يكون لها دور حيوي ومستقبلي في المجتمعات التي مزقتها الأزمات. الأدوات التي نستخدمها اليوم للترفيه قد يكون لها دور حيوي ومستقبلي في المجتمعات التي مزقتها الأزمات إعادة الإعمار الذكية مع توفر المعلومات كقوة في أيدي المجتمعات، ستصبح مشاريع إعادة الإعمار أكثر ابتكارًا وشمولية وفعالية. نلاحظ اليوم أن الدول الخارجة من النزاعات تركز بشكل أساسي على بناء شبكات الاتصالات، كما نشهد في بيروت من خلال تمديد شبكات الألياف الضوئية، باعتبار هذا القطاع أساسًا للتعافي الاقتصادي. لكن هذا التطور يفرض تحديًا جديدًا: حماية البيانات. فمع توافر شبكات الاتصال، يصبح تأمين الملكية الفكرية والخصوصية ضرورة قصوى. البيانات الضخمة (Big Data) التي ستنتج عن ذلك ستكون مصدرًا هائلاً للقوة ومدخلاً لمشاريع لا حصر لها. لذا، يجب الإسراع في سن قوانين وتشريعات قادرة على حماية هذه البيانات وإدارتها بحكمة، لأنها تمثل موردًا استراتيجيًا تسعى الدول الكبرى والشركات العالمية للسيطرة عليه بهدف تعزيز هيمنتها. المعرفة أولًا وأخيرًا المعرفة أولًا وأخيرًا إن عالم تكنولوجيا المعلومات والتواصل يزخر بالفرص والتحديات والتهديدات الخطيرة في آن واحد. يمكننا استثمار إمكانياته الهائلة في إعادة الإعمار، ولكن ذلك يتطلب فهمًا عميقًا ودراية واسعة. وكما قيل قديمًا: “المعرفة قوة”. لنمضي إذًا في امتلاك المعرفة، لنمتلك القوة اللازمة لبناء مستقبل أفضل.