منذ أكثر من أسبوع، يعيش الصيداويون على وقع أزمة “اللحم المجهول”. فالمسلخ البلدي في المدينة أقفل بقرار من محافظ الجنوب، بعد أن تبيّن أنّه لا يلبّي الحدّ الأدنى من الشروط الصحية والفنية والسلامة العامة، إذ كشف تقرير المعاينة عن انتشار الجرذان والحشرات داخله بشكل يهدّد الصحة العامة. لكن السؤال البديهي الذي يفرض نفسه: إذا كان المسلخ الرسمي مقفلاً، فمن أين تأتي اللحوم التي تُباع في صيدا اليوم؟ وبأي شروط صحية وشرعية وغذائية يجري استهلاكها؟
في اجتماعٍ “نُخبويّ” لعددٍ من “المهندسين الخبراء” عُقد في بلدية صيدا قبل أيّام، وتمّت الدعوة إليه على “الطريقة الصيداويّة”، أي عبر تواصل رئيس البلدية مصطفى حجازي مع عددٍ من المهندسين المدعوّين تحت عنوان “عقارات البلدية”، بينما أخبر عضو المجلس البلدي محمد الدندشلي آخرين دعاهم بأنّ الاجتماع مخصّص لبحث مستقبل “الواجهة البحريّة لصيدا” عقارات الواجهة البحرية في هذا اللقاء، الذي فاض تنظيراً وإعادةً للكلام الممجوج نفسه الذي يسمعه الصيداويون منذ سنين، جرت مناقشة موضوعٍ بالغ الأهميّة لحاضر ومستقبل المدينة. إنّه موضوع العقارات الأربعة الرئيسة الواقعة على الواجهة البحريّة الشماليّة للمدينة (الممتدّة من الملعب البلدي حتى تخوم المسبح الشعبي الحالي)، وهو موضوع قديم/جديد يطفو على السطح بين فترةٍ وأخرى ثم يختفي، من دون أن يفهم أحد لماذا يحصل ذلك. مشروع الفندق المثير للجدل في الاجتماع الذي حضره “المهندسون الخبراء”، تمّ البحث في طرق الاستفادة من هذه العقارات التي تُعَدّ من أملاك البلدية. وقد بدا واضحاً توجّهٌ يتّسم بالخفة والاستسهال المفرط من قِبَل أحد الأعضاء الجدد في المجلس إذ تحدّث عن وجود مستثمر “متحمّس وجاهز” يرغب ببناء فندق يضمّ كلّ المرافق المرافقة من مسابح ومطاعم ومقاهٍ وتوابعها، مقدّماً بعض الصور عن مخطّطٍ توجيهي للمشروع عرضها أمام الحاضرين. هذا الطرح، إن تمّ بالشكل المعروض، يعني انتقال استثمار الملكيّة إلى قطاعٍ خاص لن يراعي إلّا مصالحه الربحيّة والتجاريّة في استثمار أيّ دولار سينفقه. وهذا بدوره يعني –بحكم المنطق– أنّ البلدية لن تمتلك القدرة على فرض شروطها عليه، وإلّا فلن يرغب أحد بالاستثمار من دون عوائد مجزية، خصوصاً في الظروف التي يعيشها البلد حالياً. وعليه، فإنّ وجود فندق يُدار من قِبَل شركةٍ خاصة يعني حكماً وجود مسابح و”بيكيني” ومطاعم تقدّم الخمور، وصولاً إلى صالات ميسر على الساحل الشرقي للبحر المتوسّط. لُوحظ في اللقاء غَزَلٌ واضح بين “الغريمَين” حجازي والدندشلي، فبينما كان الثاني يخاطبه بـ”الريس”، كان الأوّل يبادله بـ”شيخ المهندسين” من الصعب أن تفهم مَن زرع في رؤوس القيّمين على "تطوير" المدينة أنّ المنافسة السياحيّة لا تكون إلّا على خُطى البترون وجونية والكسليك. ففي عالم اليوم بات التخصّص سِمَة النجاح، ولصيدا ميزاتٌ كثيرة غير "التعري"، ولو أُحسن استثمارها لكانت قيمةً سياحية مضافة، ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على صعيد المنطقة بأكملها. هناك كمية هائلة من الأفكار التي من ممكن بحسن إدارة وقليل من الفطنة والنية الحسنة أن تنتج دورة اقتصادية فعلية في شرايين المدينة بشكل مستدام. وليس ترقيعا أو تقليدا أعمى لجهات ومناطق لن تستطيع صيدا الحالية منافستها، إلا إن تحولت إلي صيدا أخرى…وهو احتمال غير منطقي في الوقت الراهن!
بعد معركة قانونية استمرت أكثر من خمس سنوات، أصدرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قراراً تاريخياً يُلزم بلدية الصالحية بالكشف عن حساباتها المالية، مما يطرح سؤالاً جوهرياً حول مدى التزام الإدارات المحلية بمبدأ الشفافية وسلطة القانون.