يشهدُ اتفاقُ وقفِ إطلاقِ النار في غزّة، الذي يستندُ إلى مبادرةٍ أمريكيةٍ، حالةً من الغموضِ والتعقيدِ، في ظلِّ تبايُنِ وجهاتِ النظر بين الأطرافِ المعنيّةِ حول آليّاتِ التنفيذِ ومستقبلِ القطاع، وتزايدِ القلقِ الأمريكي من أنَّ رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يعملُ على تقويضِ الجهودِ الراميةِ إلى إنهاءِ الصراع وتتجلّى هذه التعقيداتُ في الزياراتِ المكوكيّة التي يقومُ بها كبارُ المسؤولين الأمريكيين إلى تل أبيب، في محاولةٍ للحفاظ على مسارِ الاتفاقِ الهشّ والدفعِ نحو تطبيقِ الخطةِ المقترحة. وفي هذا السياق، نقلت صحيفةُ “نيويورك تايمز” عن مصادرَ أمريكيةٍ وجودَ قلقٍ حقيقي داخل الإدارة الأمريكية من احتمالِ انسحابِ نتنياهو من الاتفاق، مشيرةً إلى أنَّ الاستراتيجيةَ الحاليةَ ترتكزُ على منعهِ من استئنافِ العملياتِ العسكرية واسعةِ النطاق. ورغم أنَّ المرحلةَ الأولى من الخطةِ، المتعلّقة بتبادلِ الأسرى، تسيرُ ببطءٍ وحذرٍ، إلّا أنها لم تكن بمنأى عن الانتهاكاتِ الإسرائيلية، فيما تبرزُ عقباتٌ جديدةٌ تعترضُ الانتقالَ إلى المراحلِ التالية، خاصةً في ظلِّ غيابِ رؤيةٍ موحّدةٍ لـ “اليوم التالي” للحرب؛ ليس فقط بين حماس وإسرائيل، بل أيضاً بين الشركاءِ الدوليين والعرب الذين يُنتظرُ منهم تولّي ملفِّ إعادةِ الإعمار. تقفُ الخطةُ أمام تحدّي إقناعِ الدولِ المانحة بتمويلِ مشاريعِ بناءٍ في منطقةٍ خاضعةٍ للسيطرةِ العسكرية الإسرائيلية، وسطَ مخاوفَ من تحوّلِ هذا الوضعِ “المؤقت” إلى وضعٍ “دائم” مَن يحكم؟ ومَن يمول؟ تلقي صحيفةُ “هآرتس” الضوء على ما تصفُه بـ “تقاعس” واشنطن عن وضعِ تصوّرٍ عمليٍّ لمستقبلِ غزّة، حيث بدأت الإدارةُ الأمريكية الآن فقط في محاولةِ تشكيلِ رؤيةٍ واضحة، وسطَ يقينٍ بأنَّ القطاعَ سيظلُّ بلا أفقٍ سياسي في المدى المنظور. وتضيفُ الصحيفةُ أنَّ الهدفَ الأمريكيَّ الأوحدَ حتى الآن كان محصوراً في إنهاءِ القتالِ وإعادةِ الأسرى الإسرائيليين، مع تأجيلِ مناقشةِ الملفاتِ الشائكةِ الأخرى.وعلى الرغم من تسارعِ المحادثات، فإنها لا تزالُ بعيدةً كلَّ البعد عن بلورةِ خطةِ عملٍ متكاملة تُجيب عن التساؤلاتِ الأساسية:“من سيتولّى الإدارة؟ ومن سيموّل إعادة الإعمار؟ ومن سيؤمّن الأمن؟” وتزيدُ الشروطُ الإسرائيليةُ من تعقيدِ المشهد، حيث نشرت صحيفةُ “معاريف”، نقلاً عن مصدرٍ دبلوماسي، أنَّ إسرائيلَ أبلغت واشنطن بإصرارِها على نزعِ سلاحِ حركةِ حماس كشرطٍ لا غنى عنه لبدءِ أي عمليةِ إعمارٍ في القطاع. كما تشترطُ تل أبيب أن تُنفَّذَ مشاريعُ إعادةِ البناء عبرَ جهاتٍ “غيرِ معاديةٍ” لها. في المقابل، يتمسّكُ الشركاءُ العرب بمواقفِهم. فقد نقلت القناةُ 12 العبرية عن مصادرٍ قولها إنَّ الولاياتِ المتحدة حاولت إقناعَ السعوديةِ والإمارات بالمشاركةِ في إعادةِ إعمارِ غزّة والإشرافِ على إدارتها، لكنّ الدولتين رفضتا العرض ما لم تكن السلطةُ الفلسطينية جزءاً أساسياً من الترتيباتِ المستقبلية.وأكد المصدرُ أنَّه “من دونِ السلطة الفلسطينية، لن تتدخّل السعودية لا بشكلٍ مباشرٍ ولا غير مباشر”. تقسيم غزة في ظلِّ هذه التجاذبات، كشفت صحيفةُ “وول ستريت جورنال” عن خطةٍ بديلةٍ تبحثُها الولاياتُ المتحدةُ مع إسرائيل، تقومُ على تقسيمِ قطاعِ غزّة إلى منطقتين منفصلتين.تقضي الخطةُ، التي يدفع بها جاريد كوشنر، صهرُ الرئيسِ الأمريكي السابق ترامب، بأن تخضعَ المنطقةُ الأولى لسيطرةِ الجيش الإسرائيلي وتستفيدَ من مشاريع الإعمار والدعم الدولي، بينما تبقى المنطقةُ الثانية تحت حكمِ حركةِ حماس معزولةً اقتصاديّاً، حتى “نزعِ سلاحها”. وينسجمُ هذا المخططُ مع دعواتٍ سابقةٍ داخل المؤسسةِ الأمنيةِ الإسرائيلية لتحويلِ أجزاءٍ من غزّة إلى ما يشبه “المنطقة ب” في الضفةِ الغربية؛ أي مناطقَ خاضعةٍ لسيطرةٍ مدنيةٍ فلسطينيةٍ شكلية، ولكن تحت إدارةٍ عسكريّةٍ إسرائيليةٍ كاملة.إلا أنَّ هذه الخطة تصطدمُ بعقباتٍ كبرى: القبول الدولي والعربي تواجهُ الخطةُ معضلةً حقيقيةً في الحصولِ على تأييدٍ عربيٍّ ودوليٍّ لفكرةِ ترسيخِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ لأكثر من نصفِ مساحةِ القطاع. المخاوف الأمنية الإسرائيلية:بحسب “هآرتس”، يخشى الجيشُ الإسرائيليُّ من الاحتكاكِ المباشر مع السكّان الفلسطينيين، وقد أوصى بعدمِ السماحِ بعودتِهم إلى المناطق الخاضعةِ لسيطرته. كما يعتقدُ الجيشُ أنَّ أيَّ قوةٍ دوليةٍ لن تكونَ قادرةً على تدميرِ شبكةِ الأنفاق المتبقية، مما يشكّلُ تهديداً عملياتياً مستقبلياً. تمويل الإعمار:تقفُ الخطةُ أمام تحدّي إقناعِ الدولِ المانحة بتمويلِ مشاريعِ بناءٍ في منطقةٍ خاضعةٍ للسيطرةِ العسكرية الإسرائيلية، وسطَ مخاوفَ من تحوّلِ هذا الوضعِ “المؤقت” إلى وضعٍ “دائم”. سيناريو إسرائيليٌّ… وانتظارٌ لا ينتهي من جهته، يرى تقريرٌ لمعهدِ دراساتِ الأمنِ القوميِّ الإسرائيلي أن على إسرائيل التعاملَ مع الخطةِ الإطاريةِ بمرونة، مع ضمانِ الحفاظِ على نفوذِها الأمني وحريةِ عملِها العسكري، والسيطرةِ على مسارِ إعادةِ الإعمار.ويقترحُ التقريرُ أن تعملَ إسرائيل على تهيئةِ الظروف لتشكيلِ حكومةِ تكنوقراطٍ وقوةِ استقرارٍ دولية، على أن يقتصرَ عملُها على المناطقِ التي لا وجودَ لحماسَ فيها، معتبراً أن نجاحَ هذا الطرح يعتمدُ على استعدادِ تل أبيب للتواصلِ مع السلطةِ الفلسطينية والمشاركةِ في تهيئةِ الظروفِ لإقامةِ دولةٍ فلسطينية. في نهايةِ المطاف، يسودُ التشاؤمُ أوساطَ المحللين. فالقناةُ 12 العبريةُ تتوقعُ أن يدركَ العالمُ سريعاً أنَّ الحكومةَ الإسرائيليةَ الحالية “متطرفةٌ وغيرُ عقلانية، ولا تسعى إلا للحرب وضمِّ الأراضي وتدميرِ السلطة الفلسطينية”. وهكذا، بينما تتحدثُ واشنطن عن "غزّة الجديدة"، يواصلُ الواقعُ إنتاجَ "غزّة القديمة"، ولكن — كما تصفها "هآرتس" — "مع قدرٍ أقلّ من الأملِ ومزيدٍ من التعب"، في ظلِّ روتينٍ جديدٍ من المساعداتِ الإنسانية التي تُبقي القطاعَ على قيدِ الحياة، ولكن بلا أفقٍ سياسيٍّ أو سيادةٍ حقيقية.
السرُّ ليس كلماتٍ تُقال، بل مساحةٌ مُقدَّسة بين عقلَين يتبادلان الصمتَ أكثر مما يتبادلان الكلام. كلما اتّسعت هذه المساحة، ضاق احتمالُ الخيانة، وكلما امتلأت بالضجيج، صار السرُّ مادّةً في نشرةِ المساء. لكنّ الإنسان المعاصر، في لحظةٍ من الغرور الرقمي، صار يُلقي أسرارَه كما يُلقي أحدُهم خبزاً لطيورٍ غريبة، طمعاً في تفاعلٍ أو إعجابٍ عابر. وهكذا تحوّل الاعترافُ إلى محتوى، والبوحُ إلى عرضٍ حيّ أمام جمهورٍ لا يعرف الرحمة. ليس الشخص بل الظاهرة حين نقول: لا تُسرّ لترامب، فإننا لا نُحذّر من رجلٍ بعينه، بل من ظاهرةٍ تجسّد عصراً بأكمله؛ عصراً جعل من كلِّ شيءٍ قابلاً للتسويق… حتى الأسرار.ترامب لم يعُد مجردَ سياسي؛ بل صار تجسيداً للرأسمالية المتلفزة، التي تخلط بين السلطة والمسرح، بين الحقيقة والمشهد، بين الدولة والعرض التجاري. منذ اتفاق شرم الشيخ الأخير، بدا ترامب في صورتِه الأوضح: ملكُ العالم الجديد.يقف في المنتصف كما لو أنّه يوقّع باسم الحضارات لا باسم دولة، بعينَين تتحدّثان بلغة المخرج لا الدبلوماسي، وبحضورٍ يفرض نفسه كأنّ التاريخ مجرّد ديكورٍ في برنامجه العالمي الطويل.لقد أدرك ترامب ما لم يُدركه غيره: أنّ الكاميرا أقوى من الجيوش، وأنّ المشهد أهمّ من المعنى، وأنّ العالم لا يحكمه اليوم مَن يملك الحقيقة، بل مَن يملك المنصّة. الأسرارُ عملةً في السوق في عالم ترامب، لا وجود لكلمة سرّ.كلّ ما يُقال يُختزَن في ذاكرةٍ إعلامية بانتظار اللحظة المناسبة للبيع.لا يوجد صديق، بل مشاهد محتمل.ولا يوجد وفاء، بل ترند قادم. مَن يبوح لترامب، كأنّه يوقّع عقداً غير مكتوب، يسمح بتفكيك ذاته في أوّل خلاف.هو لا يخونك لأنّه شرير، بل لأنّه نتاجُ نظامٍ لا يعرف إلا لغة الصفقة.حتى الصدق عنده يُقاس بمدى قابليته للبثّ، والموقف الأخلاقي يُحدَّد بعدد المشاهدات. في عالم ترامب، لا وجود لكلمة سرّ. كلّ ما يُقال يُختزَن في ذاكرةٍ إعلامية بانتظار اللحظة المناسبة للبيع شرم الشيخ… السلامُ مشهداً ما بدا للعالم اتفاقاً لوقف النار في غزّة، كان في عمق الصورة عرضاً جديداً لإعادة إنتاج النفوذ الأميركي بلغة المسرح لا السياسة.ترامب في الوسط، يبتسم بثقة المخرج لا الوسيط، والزعماء إلى جانبه مجرّد كومبارسٍ في مشهدٍ مُعَدٍّ مسبقاً. السلام بدا كإعلانٍ تسويقيّ بلونٍ إنجيليٍّ وابتسامةٍ جمهورية، لا كتحوّلٍ حقيقيّ في ميزان القوى.لقد أصبحنا نعيش في زمنٍ تُستبدَل فيه الثقة بالمشاهدات، والمروءة بالفرجة، والخصوصية بالتفاعل. لم تعُد الأسرار تُحفَظ، بل تُؤرشَف في ذاكرة السوق الكبرى، بانتظار أن تُستخرَج عند الحاجة.مَن يثق بترامب المعاصر — سواء كان صديقاً أو إعلاماً أو منصّة رقمية — يضع رأسه في فم السوق، ويظن أنّ الوحش سيتحوّل إلى ناصحٍ أمين.لكن الوحش لا يُروَّض… بل يُتابَع ويُصفَّق له. في عالمٍ يحكمه الضوءُ لا الضمير، أصبحت الثقة رفاهيةً أخلاقية لا يملكها إلا مَن قرّر الصمت. احكِ لنفسك، لا للعالم. فالعالمُ اليوم لا يُنصِت ليحمي ما يسمع، بل ليسوّقَه. وما لم تفهم هذه القاعدة، ستجد نفسك جزءاً من العرض… لا من الحقيقة. Click here
لم تكن نارُ غزّة لتهدأ، لو لم تَعُد مصر، من خلال قمة شرم الشيخ للسلام 2025، التي انعقدت برئاسةِ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتؤكِّد ما يحاول البعضُ نسيانَه أو تجاهلَه: أن لا تسويةَ حقيقية في المشرق، وأن لا تهدئةَ ممكنة على حدود فلسطين المحتلّة، دون المرور عبر القاهرة لم يكن في هذه العودة، التي تلاقي إعلان نيويورك الذي قادته المملكة العربية السعودية وفرنسا، أيُّ صدفة، بل استعادةٌ لدورٍ أصيلٍ تحكمه الجغرافيا، ويثبِّته التاريخ، وتديره مؤسّساتٌ تعرف متى تَصمت، ومتى تتحرّك، ومتى تتكامل مع أشقائها العرب. الدبلوماسيةُ الهادئةُ والقوةُ الصامتةُ منذ اندلاع الحرب الأخيرة في غزّة، انتهجت مصر مساراً هادئاً، بعيداً عن الصخب الإعلامي الذي يُرافق تحرّكات بعض القوى الإقليمية. عملت وزارةُ الخارجية المصرية وأجهزتُها الأمنية عبر قنواتٍ مزدوجة ـ علنيةٍ وسرّية ـ لتأمين ممرّاتٍ إنسانية، وضمان تدفّق المساعدات، ودفع الأطراف نحو وقف إطلاق النار. لكنّ الأهم أن مصر أعادت تفعيل آليّتِها التقليدية في الوساطة: الجمع بين الحوار الأمني الميداني والضغط السياسي المتدرّج. فبينما انشغلت العواصم الغربية بلغة البيانات، كانت القاهرة تجلس مع وفودٍ من “حماس” ومن إسرائيل، تستمع وتضغط، وتعيد صياغة الشروط بطريقةٍ تحفظ لكل طرفٍ ما يمكن تسويقه لجمهوره. وما لم يُعلَن كثيراً، هو أن مصر لم تكتفِ بالدبلوماسية. ففي الأسابيع الأخيرة، لوحظت تحرّكات عسكرية مصرية منسَّقة في المنطقة المنزوعة السلاح في شمال سيناء، ضمن الحدود التي رسمها اتفاق السلام مع إسرائيل. هذه التحرّكات لم تكن استفزازاً، بل رسالةً مضبوطةَ الإيقاع: أن مصر قادرة على فرض الأمن في نطاقها الحيوي، وأن استقرار سيناء خطٌّ أحمر، وأنها الضامن الموثوق لأي ترتيباتٍ ما بعد الحرب، سواء في غزّة أو على المعابر. فالدور المصري ليس خياراً تكتيكياً في أزمة غزّة، بل ضرورةٌ بنيويةٌ لحفظ توازن الإقليم، وضمان أن الحرب مهما اشتعلت ستنتهي على طاولةٍ تعرف القاهرة كيف تُديرها فعندما تتعقّد الملفات وتختنق القنوات، تعود القاهرة لتضع بصمتها، فتتحرّك الأبواب المغلقة. غيابٌ مقصودٌ وعودةٌ مقرّرةٌ تبدو مصر أحياناً كأنها تنسحب من المسرح الإقليمي، منشغلةً بأولوياتها الداخلية أو متريّثةً أمام زخم القوى الجديدة في المنطقة. لكنّ هذا الغياب غالباً ما يكون استراتيجياً لا عجزاً. فعندما تتعقّد الملفات وتختنق القنوات، تعود القاهرة لتضع بصمتها، فتتحرّك الأبواب المغلقة. إنها سياسة “الصمت الفعّال” التي تميّز المدرسة المصرية في إدارة الأزمات: ترك الآخرين يتقدّمون ويستهلكون أوراقهم، ثم الدخول في اللحظة المناسبة، بالثقل المؤسّسي والأمني الذي لا يملكه أحدٌ سواها. وفي كل مرّة، يتذكّر الجميع أن مصر ليست مجرّد “جارٍ لغزّة”، بل الركيزةُ الأمنية والسياسية للمنطقة بأكملها. وراء هذه الحركة المتقنة تقف المؤسّسة الأمنية المصرية ـ من الجيش إلى المخابرات العامة ـ التي تُدير المشهد بعقلٍ باردٍ وتوازنٍ دقيقٍ بين الأمن والسياسة. هذه المؤسّسة، التي خرجت من حروبٍ وصراعاتٍ طويلة، تعرف طبيعة الخصوم، وتفهم حدود الردع والاحتواء. وبينما يتغيّر الخطاب السياسي في الإقليم، تبقى المؤسّسة المصرية ثابتةً في رؤيتها: لا أمنَ في غزّة دون دورٍ مصري، ولا استقرارَ في إسرائيل دون تنسيقٍ مصري، ولا مستقبلَ للفلسطينيين دون غطاءٍ مصريٍّ عربيٍّ شرعي. تُثبت التجربة مجدّداً أن مصر قد تغيب، لكنها لا تُغاب. حين تسكت، تُحسب خطواتُها، وحين تعود، تعود بثقلها التاريخي وموقعها الجيوسياسي الممتدّ بين المتوسّط والبحر الأحمر، وبين العالم العربي وإفريقيا. فالدور المصري ليس خياراً تكتيكياً في أزمة غزّة، بل ضرورةٌ بنيويةٌ لحفظ توازن الإقليم، وضمان أن الحرب ـ مهما اشتعلت ـ ستنتهي على طاولةٍ تعرف القاهرة كيف تُديرها. من إعلان نيويورك إلى قمة شرم الشيخ للسلام، تحرّكت جمهوريةُ مصر العربية اليوم، كما المملكة العربية السعودية، على إيقاعٍ يعرفه كلُّ من خبرهما: إيقاعُ الدول التي لا تحتاج إلى إعلان نياتها لتُدرَك نتائجُها. * الأمين العام ل"تيّار المستقبل"