بعدَ الأوهامِ والمعارك الخيالية التي نُسِجَت في مُخَيَّلة بعضِ السياسيين والعاملين في الشأنِ العام، والتي انطَلَت أيضًا على كثيرٍ من الناس، يبدو أنّ الملفّ القضائيّ الذي كان يُحضَّر بحقّ معملِ النفايات في صيدا وتجاوزاته ومخالفاته قد طَلَعَ فارغًا… بمعنى آخر “فاشوش”. فقد عَلِمَت “البوست” من مصادرَ متابعةٍ أنّ شخصيةً صيداويةً “آملةً” كلَّفَت أحدَ مكاتبِ المحاماة في صيدا لدراسةِ عقودِ ومستندات المعمل، والتشعّبِ في كلّ ما له علاقةٌ بعمله، والبحثِ عن مخالفاته. وأنّ هذه الشخصية الغائبة/الحاضرة قد تَكفَّلَت أيضًا بتكاليفِ دراسةِ الملفّ القانونيّ الذي لم يحتج إلى كثيرٍ من الوقت ليتبيّنَ للمعنيّين أنّ هناك بعضَ الثُّغَراتِ القانونية التي تمّ النَّفاذُ منها، والتي أفضت إلى تكريسِ الواقعِ الحاليّ القائمِ في المعمل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تَبَيَّن أنّ المعملَ قد تَقَدَّمَ بطلبِ ترخيصٍ من وزارةِ الصناعة باعتباره منشأةً صناعية، وقد تَحصَّل على وصلٍ بذلك يتمّ تجديدُه سنويًا، ما يُعطيه شرعيةَ كيانِه كمعملٍ صناعيّ، لا كما قال أحد سياسيي المدينة في أكثر من مناسبة. أما في موضوعِ ملكيةِ المعمل تعود لسعوديين، فقد تَبَيَّن أنّ هناك مادةً قانونيةً تُجيز أن تكونَ أغلبيةُ مالكي الأسهم من غيرِ اللبنانيين. وهكذا انقضى تنظيرٌ طال الحديثُ عنهُ بفاتورةٍ لم تتعدَّ قيمتُها 20.000 دولار دُفِعَت لمكتبِ المحاماة، وآمالٍ انتخابيةٍ عطَّلت تحصيلَ حقوقِ الناس وعلى حساب صحتهم وبيئتهم… إلى حين.
    
          يُشكّل قانون الإيجارات غير السكنية الجديد الإطار التشريعي الذي ينظّم عقود إيجار الأماكن ذات الاستخدام التجاري أو المهني في لبنان، من محال ومكاتب ومؤسسات. وقد جاء هذا القانون ليضع قواعد واضحة لتحديد بدلات الإيجار ورفعها تدريجيًا، مع اعتماد آلية قضائية وخبرات تخمينية للفصل في النزاعات. يقوم القانون على مبدأ “بدل المِثل”، أي القيمة الإيجارية السنوية العادلة للعقار، والتي يحددها خبير محلّف آخذًا في الاعتبار الموقع والمساحة والحالة العامة للعقار وظروف السوق. هذا المعيار بات المرجع الأساسي لتسعير الإيجارات بعد سنوات من الجدل حول البدلات القديمة. المسار التشريعي مرّ القانون بمراحل متسارعة حتى استقر بصيغته النهائية: 12 حزيران/يونيو 2025: دخول القانون رقم 11/2025 حيّز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية. 22 تموز/يوليو 2025: ردّ المجلس الدستوري الطعن المقدم، مكتفيًا بإبطال الفقرة “د” من المادة 10. 31 تموز/يوليو 2025: إقرار تعديلات نيابية أُعلنت رسميًا في 21 آب/أغسطس بموجب القانون رقم 24/2025. وبهذه المراحل، تكرّس الإطار التشريعي الجديد الذي ينهي تدريجيًا عقود الإيجار “القديمة” وفق قواعد ملزمة. أبرز التعديلات خفض معيار الاحتساب: حُدِّد بدل المثل بما يعادل نحو 5% من القيمة السوقية السنوية للعقار، بعدما كان أعلى في الصيغة الأولى. إلغاء التحرير السريع: أُسقط الخيار الذي يتيح للمالك تحرير المأجور فورًا مقابل تجميد البدل لعامين، واستُبدل بمسار تدريجي إلزامي. مرحلة انتقالية أطول: تمتد بين 5 و8 سنوات بحسب الفئات، مع زيادات مرحلية محددة بجدول واضح. تصنيف المستأجرين قسّم القانون المستأجرين إلى أربع فئات، تختلف مدد حمايتهم ومراحل زياداتهم: الفئة الوصف مدة التمديد مسار الزيادات (من بدل المثل)1 من دون دفع “خلو” 5 سنوات 30%، 40%، 50% ثم البدل الكامل2 دفعوا “خلو” قبل 2015 6 سنوات 30%، 40%، 50% ثم البدل الكامل3 دفعوا “خلو” بعد 2015 7 سنوات 30%، 40%، 50%، 60% ثم البدل الكامل4 إدارات عامة ومهن منظَّمة 8 سنوات 30%، 40%، 50%، 60% ثم البدل الكامل أحدث القانون انقسامًا بين المالكين والمستأجرين: المالكون اعتبروا أن القانون أنصفهم بعد عقود من بدلات زهيدة لا تغطي حتى تكاليف الصيانة والضرائب. ورأوا أن “بدل المثل” معيار عادل، والمرحلة الانتقالية ضمانة عملية للتوازن. المستأجرون أبدوا تخوفهم من أن تشكّل الزيادات عبئًا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، خصوصًا في الأسواق الشعبية. وطالبوا بدعم حكومي ورسوم مخففة وتسهيلات لتجنب الإقفال. يسعى القانون إلى تحقيق توازن بين حق المالك في عائد عادل وحق المستأجر في استمرارية عمله. ويتحقق ذلك عبر: اعتماد بدل المثل وفق خبرة قضائية شفافة. احترام المهل الانتقالية (5–8 سنوات) وجدولة الزيادات دون قفزات مفاجئة. تشجيع الاتفاقات الرضائية لتجنب النزاعات القضائية. بهذا، يُفترض أن يمهّد القانون لانتقال تدريجي من بدلات تاريخية متدنية إلى أخرى أقرب إلى القيمة السوقية، بما يحفظ استمرارية المؤسسات ويعزز عدالة السوق العقارية في لبنان.