لَم نَعُد نَفهَمُ ما يَحصُلُ في مَدينَتِنا صَيدا.مُنذُ فَترَةٍ، فَقَدنَا بوصَلَتَنا وإحساسَنا، بَل أَصبَحنا نَنزَعِجُ مِمَّن لَم يَفقِد إحساسَهُ بَعدُ، حتّى نَكونَ جَميعًا شُركاءَ في هذا الخُسرانِ. فَرِحنَا كَثيرًا بِأَنَّ المَهرجاناتِ والمُناسَباتِ والاحتفالاتِ، وسِواها مِنَ الأَعمالِ والنَّشاطاتِ الظرفيَّةِ الَّتي لا تَدعَمُ حَلًّا جِدِّيًّا لِمُشكِلاتِنا الكَثيرةِ في المَدينَةِ، والَّتي لا تُؤدِّي إِلى خُروجٍ فِعليٍّ مِنَ الأَزماتِ الكَثيرةِ الَّتي نَتخبَّطُ بِها، قَدِ انتَهَت. استَبشرنَا خَيرًا أَنَّ المُشكِلاتِ سَلَكَت طَريقَها إِلى الحُلولِ الصَّحيحةِ، وأَنَّ الأَزماتِ الَّتي عِشنَاها كَصَيداويِّينَ أَصبَحَت خَلفَنا، وتَوَقَّعنَا، بَل وتأمَّلنَا، أَنَّ المُعنيِّينَ سَيُبادِرونَ بِالتَّخطيطِ لإِنقاذِ البَلَدِ، والتَّحضيرِ لِبَلسَمَةِ الأَوجاعِ. وأَقَلُّها أَن نَبدَأَ بِتَنظيفِ شَوارِعِنا كَجُهدٍ مَحلِّيٍّ وَفقًا لِأبسَطِ أُصولِ الحَياةِ الإنسانيَّةِ الحَضاريَّةِ، لكِن سُرعانَ ما فُوجِئنَا بِإعادَةِ استِئنافِ الوَلائمِ والمآدِبِ، بِسَببٍ وبِدونِه. نَختَرِعُ المُناسَباتِ لِنَجمَعَ عَددًا، ويَتَجمهرُ عَلَيها كِبارُ السّاسةِ والشَّخصيّاتِ والفَاعليّاتِ، ومِن حَولِهِم بَطانَتُهُم والمُجامِلونَ ومَن يُحسَبونَ عَلَيهِم، ومِثلُهُم. لِتَعودَ “حَليمَةُ لِعادَتِها القَديمَةِ”، ويُنسَى النّاسُ والمَشاكِلُ والتَّحدّياتُ. فَتُنصَبُ الوَلائمُ مِن جَديدٍ في البَذخِ والتَّبذيرِ بِما لا يَنفَعُ المَدينَةَ وبِما لا يَخدِمُ أَهلَها. يَبدو وكَأَنَّ واقِعَنا المَرِيرَ الَّذي نَحنُ فيهِ أَصبَحَ مُتعمَّدًا أَن يَبقَى بِهذا الشَّكلِ. صِرتُ مُوقِنًا بِأَنَّ مُشكِلاتِنا هِيَ مِن صُنعِ أَنفُسِنا، والأَغرَبُ أَنَّ هُناكَ مَن يُدافِعُ عَن هذا الواقِعِ حتّى المَوتِ، ولا يَسمَحُ بِالمَساسِ بِه. أَمُحرَّمَةٌ هذِهِ الأَموالُ عَلى تَحقيقِ المَشاريعِ المُنتِجَةِ والتَّنمِيَةِ المُستَدامَةِ لِصَيدا والصَّيداويِّينَ؟ بارَكَ اللهُ لَكُم بِأَموالِكُم، ولكِن مِن حَقِّ المَدينَةِ وأَهلِها أَن يَسأَلوا: أَمُحرَّمَةٌ هذِهِ الأَموالُ عَلى تَحقيقِ المَشاريعِ المُنتِجَةِ والتَّنمِيَةِ المُستَدامَةِ لِصَيدا والصَّيداويِّينَ؟ أَهِيَ حَلالٌ عَلى بُطونٍ مُتخَمَةٍ، وحَرامٌ عَلى البُطونِ الجائِعَةِ، المُتعطِّشَةِ لِليسيرِ لِتَغييرِ مَجرَى حَياةِ الآلافِ؟ فَكِّروا بِأَنفُسِكُم وبِغَيرِكُم، فَكُلُّنَا نَتشارَكُ الكَثيرَ لِنُعطِيَهُ. كُلُّ ما تَقَدَّمَ هُوَ نَصيحَةٌ لي ولِلجَميعٍ. اتَّقوا اللهَ، وأَنفِقوا بَعضًا مِن هذا المالِ، أَقَلَّه لِتَنظيفِ بَلدِكُم والشوارع، وتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ مَعَ كُلِّ قادِرٍ لِتَرفَعوا مِن شَأنِ مَدينَتِكُم بِما يَليقُ بِماضيها وحاضِرِها ومُستَقبَلِها، وفَعِّلوا أَيَّ مَشروعٍ يَعودُ بِالمَنفَعَةِ عَلَيها طالَما عِندَكُم المالُ الَّذي لا يَظهَرُ إِلّا عَلى أَطباقِ المَوائدِ وصُوَرِ المَلابِسِ وتَزيينِ المُناسَباتِ… وهُنا يَخطُرُني سُؤالٌ مُبرَّرٌ، ونَحنُ عَلى أَبوابِ شَهرِ رَمَضانَ المُبارَكِ: هَل يَحِقُّ لِلقَطاعاتِ أَن تَطلُبَ التَّبرّعاتِ بَعدَ هذا الإِنفاقِ غَيرِ الضَّروريِّ؟ فَاعلَموا أَنَّهُ عِندَما تَكسَبونَ مَرضاةَ اللهِ تَعالى، تَتحصَّلونَ عَلى رِضاهُ ورِضى عِبادِه. فاعمَلوا لِكَسبِ مَرضاتِه لا مَرضاةَ مَن لا يَنفَعُ ولا يَضُرُّ إِلّا بِإذنِه. مِن حَقِّكُم عَلى كُلِّ مَسؤولٍ أَن يُؤدِّيَ دَورَهُ ووَاجِبَهُ عَلى أَحسَنِ وَجهٍ في مَوقعِه وإِدارتِه لِبَلدِنا، وتَوفيرِ العَيشِ الكَريمِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا طالَما قَبِلَ بِتَحمُّلِ هذِهِ المَسؤوليَّةِ وهذِهِ المُهِمَّةِ. وخِتامًا، لا داعيَ لِلإِكثارِ مِنَ الكَلامِ، ولكِنَّها النَّصيحَةُ: سَيَأتي قَريبًا اليَومُ الَّذي سَيَسأَلُنا فيهِ رَبُّنا سُبحانَهُ وتَعالى عَن أَحوالِنا وأَعمالِنا… ونَصيحَتي – وأُذكِّرُ أَيضًا – لِكُلِّ مَن لَبِسَ أَجمَلَ ما عِندَهُ في هذِهِ اللِّقاءاتِ، أَن يَكونَ لِباسُهُ جَميلًا أَيضًا عِندَ دُخولِهِ المَساجِدَ، حَيثُ يَكونُ في ضِيافَةِ اللهِ، ولاسِيَّما وَقتَ صَلاةِ الجُمُعَةِ. يبدو وكأنّ واقعنا الذي نحن فيه أصبح مُتعمَّدًا أن يكون بهذا الشكل المأساوي والمنحرف. مشاكلنا هي من صنع أنفسنا لا مجرد ابتلاء من الله تعالى، والأغرب أننا ندافع عنها حتى الموت، ولا نسمح بمسّها أحيانا كثيرة… * رئيس مجموعة الكيلاني
في اجتماعٍ “نُخبويّ” لعددٍ من “المهندسين الخبراء” عُقد في بلدية صيدا قبل أيّام، وتمّت الدعوة إليه على “الطريقة الصيداويّة”، أي عبر تواصل رئيس البلدية مصطفى حجازي مع عددٍ من المهندسين المدعوّين تحت عنوان “عقارات البلدية”، بينما أخبر عضو المجلس البلدي محمد الدندشلي آخرين دعاهم بأنّ الاجتماع مخصّص لبحث مستقبل “الواجهة البحريّة لصيدا” عقارات الواجهة البحرية في هذا اللقاء، الذي فاض تنظيراً وإعادةً للكلام الممجوج نفسه الذي يسمعه الصيداويون منذ سنين، جرت مناقشة موضوعٍ بالغ الأهميّة لحاضر ومستقبل المدينة. إنّه موضوع العقارات الأربعة الرئيسة الواقعة على الواجهة البحريّة الشماليّة للمدينة (الممتدّة من الملعب البلدي حتى تخوم المسبح الشعبي الحالي)، وهو موضوع قديم/جديد يطفو على السطح بين فترةٍ وأخرى ثم يختفي، من دون أن يفهم أحد لماذا يحصل ذلك. مشروع الفندق المثير للجدل في الاجتماع الذي حضره “المهندسون الخبراء”، تمّ البحث في طرق الاستفادة من هذه العقارات التي تُعَدّ من أملاك البلدية. وقد بدا واضحاً توجّهٌ يتّسم بالخفة والاستسهال المفرط من قِبَل أحد الأعضاء الجدد في المجلس إذ تحدّث عن وجود مستثمر “متحمّس وجاهز” يرغب ببناء فندق يضمّ كلّ المرافق المرافقة من مسابح ومطاعم ومقاهٍ وتوابعها، مقدّماً بعض الصور عن مخطّطٍ توجيهي للمشروع عرضها أمام الحاضرين. هذا الطرح، إن تمّ بالشكل المعروض، يعني انتقال استثمار الملكيّة إلى قطاعٍ خاص لن يراعي إلّا مصالحه الربحيّة والتجاريّة في استثمار أيّ دولار سينفقه. وهذا بدوره يعني –بحكم المنطق– أنّ البلدية لن تمتلك القدرة على فرض شروطها عليه، وإلّا فلن يرغب أحد بالاستثمار من دون عوائد مجزية، خصوصاً في الظروف التي يعيشها البلد حالياً. وعليه، فإنّ وجود فندق يُدار من قِبَل شركةٍ خاصة يعني حكماً وجود مسابح و”بيكيني” ومطاعم تقدّم الخمور، وصولاً إلى صالات ميسر على الساحل الشرقي للبحر المتوسّط. لُوحظ في اللقاء غَزَلٌ واضح بين “الغريمَين” حجازي والدندشلي، فبينما كان الثاني يخاطبه بـ”الريس”، كان الأوّل يبادله بـ”شيخ المهندسين” من الصعب أن تفهم مَن زرع في رؤوس القيّمين على "تطوير" المدينة أنّ المنافسة السياحيّة لا تكون إلّا على خُطى البترون وجونية والكسليك. ففي عالم اليوم بات التخصّص سِمَة النجاح، ولصيدا ميزاتٌ كثيرة غير "التعري"، ولو أُحسن استثمارها لكانت قيمةً سياحية مضافة، ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على صعيد المنطقة بأكملها. هناك كمية هائلة من الأفكار التي من ممكن بحسن إدارة وقليل من الفطنة والنية الحسنة أن تنتج دورة اقتصادية فعلية في شرايين المدينة بشكل مستدام. وليس ترقيعا أو تقليدا أعمى لجهات ومناطق لن تستطيع صيدا الحالية منافستها، إلا إن تحولت إلي صيدا أخرى…وهو احتمال غير منطقي في الوقت الراهن!