يقول الحكماء: عليك أن تحقن نفسك كل يوم بالقليل من الخيال حتى لا تموت من الواقع… ولكن في لبنان، يبدو أن السياسيين قرروا استبدال “القليل” بـ “الجرعة الزائدة”، فصار الخيال بديلاً عن الكهرباء، والمثالية بديلاً عن المصارف، والأمل بديلاً عن الأمل نفسه!
ومن أحدث ابتكارات هذا الخيال العجيب: تكليف نواف سلام برئاسة الحكومة ومحاولة تطبيق القرار 1701! وهنا، لا بد من التوقف للحظة وتقدير هذا المستوى من الإبداع، لأن مجرد التفكير في تنفيذ هذا القرار في لبنان اليوم يشبه محاولة إقناع شوفير “فان رقم 4” بالالتزام بإشارة المرور… أو مطالبة زعيم ميليشيا بدفع فاتورة اشتراك المولد!
نواف سلام: رجل القوانين في غابة “الزعران”
يتمتع نواف سلام بسيرة ذاتية محترمة، فهو قاضٍ ودبلوماسي يعرف القانون الدولي أكثر مما يعرف بعض سياسيينا مواقع منازلهم بعد منتصف الليل. لكن المشكلة ليست في “سلام”، بل في الواقع الذي يحتاج إلى “سلامة نية” مفرطة ليصدق أن الحكومة في لبنان يمكنها تطبيق القرار 1701 بسلام!
فالقرار المذكور، لمن نسي أو يتناسى، يدعو إلى إخلاء الجنوب من السلاح غير الشرعي، وحصر القوة العسكرية بيد الدولة اللبنانية. والخيال هنا مطلوب، لأن تطبيق هذا القرار يتطلب جيشًا من المفاوضين الذين يتمتعون بمناعة ضد “السندويشات” في مرجعيون، ويمتلكون قدرة سحرية على إقناع المسلحين بأن السلاح غير ضروري في بلد يحصل فيه المواطن على حقوقه كاملة، بدءًا من الكهرباء وليس انتهاءً براتب يكفيه لأكثر من خمسة أيام!
الحكومة المنتظرة: “القاضية غادة” في منصب وزير العدل؟
التحديات التي تنتظر نواف سلام تتجاوز القرار 1701، فهناك تحدي تشكيل الحكومة نفسها. ولا تستغربوا إذا بدأنا نسمع عن مفاوضات على طريقة “الخيال السياسي اللبناني”، مثل:
- توزير القاضية غادة عون لحقيبة العدل، كنوع من التقدير لـ”حروبها الصليبية” على الفساد (إلا إذا قررت مداهمة السراي الحكومي بنفسها بعد التعيين).
- إسناد وزارة الطاقة إلى شخص لا يعرف الفرق بين الـ”كهربا” والـ”أديسون”، بشرط أن يكون مستعدًا لإنفاق ما تبقى من الاحتياطي على “خطط الإنقاذ” التي تنقذ الجميع… ما عدا المواطن.
- جعل حقيبة الدفاع بيد شخصية يمكنها تحييد لبنان عن الصراعات، شرط أن يكون معها تطبيق “ويز” لمعرفة الطرق غير المقطوعة أثناء التفاوض.
الواقع اللبناني: نحتاج إلى “مورفين سياسي”
من الواضح أن الحديث عن حكومة إصلاحية وتطبيق القرار 1701 في لبنان يشبه النقاش حول إمكانية إرسال بعثة من الصرف الصحي إلى المريخ. ولكن، ولأننا بلد الإبداع والمرونة، قد يكون الحل في تطوير “مورفين سياسي” يخفف من ألم الواقع، بحيث يعتقد المواطن اللبناني أن:
1. الدولة تحترم القوانين، حتى عندما يتم إقرار قانون على قياس أحدهم قبل يومين من تعيينه.
2. المصارف “تحمي الودائع”، بشرط أن تضع نظارتك الشمسية لترى الأصفار الإضافية التي تآكلت منها.
3. الكهرباء “موجودة” ولكنها في مكان سري لا يستطيع أحد الوصول إليه.
الخيال أفضل من الانفصال عن الواقع
إذا كان المطلوب اليوم هو حقن أنفسنا بجرعة من الخيال، فإن المشهد اللبناني يكاد يفرض علينا مغذّياً وريدياً من الأوهام حتى نستطيع الاستمرار دون أن يصيبنا انهيار عصبي جماعي!
ففي انتظار أن نرى كيف سيحاول نواف سلام تطبيق القرار 1701 وسط كل هذا الخيال السياسي، يبقى الحل الوحيد للمواطن اللبناني: إما الضحك على الواقع، أو انتظار الكهرباء لتعود حتى نضحك عليه في العتمة!