تحميل

إبحث

رجال ونساء صيدا

عندما يكون الذكاء الاصطناعي رفاهية والرفاهية ضرورة

شارك

في عالم يتسابق فيه الجميع نحو المستقبل، ترفع الصين شعار “الاستثمار في العقل قبل العضلات”، بينما نحن، في أمتنا العربية، نبدو وكأننا نصرّ على أن العضلات وتحديدًا تلك التي تركل الكرة هي الاستثمار الأهم.

قبل أيام، أعلنت الصين عن إنفاق 6 ملايين دولار على تطوير نموذج جديد للذكاء الاصطناعي، في خطوة تضاف إلى سجلها الحافل في استغلال العقول لصياغة الغد. أما في أحد أركان منطقتنا العربية، فقد دفعنا 90 مليون دولار من أجل أن يركل نيمار الكرة سبع مرات، ويحرز هدفًا واحدًا. الهدف الذي لم يكن في الشباك، بل في قلوب أولئك الذين يحلمون بمستقبل لا تُستهلك فيه ثرواتنا على الترفيه وحده، بينما تبقى المعامل والمختبرات تبحث عن فتات التمويل.

لا عيب في الاستثمار في الرياضة، ولا غضاضة في تقدير النجوم، لكن السؤال هنا: متى سننفق ذات المبالغ – أو حتى عُشرها – على نجمٍ من نوع آخر، على عالمٍ أو باحثٍ أو مبتكرٍ قادرٍ على تغيير مجرى التاريخ؟

في الغرب والشرق، أصبحت مراكز البحث العلمي مصانع المستقبل، بينما نحن نصرّ على أن تكون ملاعبنا مصانع الأحلام. أحلامٌ تستهلك المليارات لكنها لا تصنع اقتصادًا معرفيًا، ولا تحل مشكلة الطاقة، ولا تعالج السرطان، ولا تطور لقاحات، ولا تنتج معالجات أو تقنيات قادرة على جعلنا أمةً مستقلة علميًا وتقنيًا.

في الصين، 6 ملايين دولار تكفي لبناء نموذج ذكاء اصطناعي قد يحل محل آلاف الموظفين، ويرتقي بقدرات البشر، ويسهم في بناء اقتصاد متكامل. أما في منطقتنا، فقد بات الأمر واضحًا: نحن نستثمر في كل شيء، إلا في العقل.

قد يقول البعض إن الاستثمار في الترفيه ضرورة اقتصادية، لكنه لن يكون أكثر ضرورة من الاستثمار في العقول. الفرق بيننا وبين الأمم المتقدمة ليس المال، فلدينا من المال ما يمكن أن يجعلنا في صدارة المشهد العلمي والتقني، لكنه الإنفاق الذكي الذي نفتقده. الفرق بيننا وبينهم أنهم يتعاملون مع العقول كأصول، بينما نتعامل معها كأعباء، نغدق الأموال على الكماليات ونبخل على الأساسيات.
لو أنفقت أمتنا العربية نصف ما أنفقته على عقود اللاعبين والمهرجانات والفعاليات على البحث العلمي، لربما كنا نحن من يطور نماذج الذكاء الاصطناعي التي يخشاها العالم، بدلًا من أن نكون مجرد مستهلكين لها.

في النهاية، نيمار سيلعب، وسيحصد الملايين، وسيسجل هدفًا أو اثنين، وسيغادر. أما الصين، فستمضي قدمًا نحو الهيمنة التكنولوجية، بأموالٍ أقل، لكن بعقولٍ أكثر.

عدد المقاعد
0
نسبة الاقتراع
عدد المقترعين 57%
والسؤال الذي يبقى معلقًا: متى ندرك أن أكبر نجم يمكن أن نوقع معه عقدًا هو "العقل العربي"؟ ومتى نبدأ بتسديد الأهداف، ليس في المرمى، بل في مستقبل أمتنا؟
نادر صباغ
رئيس التحرير
العلامات

يعجبك ايضاً