بعد عامين من الحربِ المفتوحةِ والعدوانِ المُجرَمِ على قطاعِ غزّة، لم يَعُدِ السؤال: مَن الذي أطلقَ النارَ أوّلًا، بل مَن الذي بقيَ واقفًا في النهاية.فالحربُ التي وعدتْ فيها إسرائيلُ شعبَها بـ«القضاءِ على حماس» تحوّلتْ إلى مأزقٍ تاريخيٍّ يُهدّد كيانَها من الداخل، ويُقلِبُ معادلاتِ القوّةِ التي أرستْها لعقود منذ اليوم الأوّل، بدتِ العمليةُ أكبرَ من مجرّدِ معركةٍ عسكريّة؛ كانت محاولةً لإعادةِ صياغةِ الشرقِ الأوسط عبرَ كسرِ إرادةِ غزّة، لكنها انتهتْ بانكسارِ المشروعِ الإسرائيليِّ نفسِه أمامَ صلابةِ خصمِه. الميدانِ وسقوطٌ المعنويّات على مدى عامين، استنزفتِ الحربُ جيشَ الاحتلالِ في معاركِ المدنِ والأنفاق، فانهارتْ أسطورةُ “الجيشِ الذي لا يُقهَر” على أبوابِ غزّة.لم يَعُد التفوّقُ التكنولوجيُّ قادرًا على حَسمِ المواجهة، إذ واجهَ الجنودُ مقاومةً مرِنةً، تتحرّك من تحتِ الأرضِ وتضرِبُ في كلِّ اتجاه.الآلافُ من القتلى والجرحى والمُعاقين تركوا ندبةً عميقةً في الوعي الإسرائيلي، ومعَهم تلاشتْ الثقةُ بين المؤسّسةِ العسكريّةِ والجمهورِ الذي اكتشفَ أنَّ الحربَ لم تحمِه، بل زادتْ من خوفِه.المجتمعُ الإسرائيليُّ اليومَ أكثرُ انقسامًا من أيِّ وقتٍ مضى، تتنازعُه الصراعاتُ السياسيّةُ والدينيّة، ويعيشُ حالةَ قلقٍ جماعيٍّ حولَ معنى “الأمن” في دولةٍ لم تَعُد قادرةً على حمايةِ نفسِها من الداخل. انهيارٌ اقتصاديٌّ وسياسيّ اقتصاديًّا، دفعتْ إسرائيلُ ثمنًا باهظًا تجاوز 150 مليار دولار خلال عامين، وسطَ تراجعِ الاستثمارِ وهروبِ الشركاتِ وتقلّصِ احتياطيِّ النقد.ترافقَ ذلك مع تصاعدِ الهجرةِ المعاكسةِ لليهود، وتراجعٍ حادٍّ في معدّلاتِ الهجرةِ الوافدة، في مؤشِّرٍ واضحٍ على اهتزازِ الإيمانِ بمستقبلِ “الدولةِ الآمنة”.أمّا سياسيًّا، فقد تحوّلتِ الحربُ إلى عبءٍ ثقيلٍ على القيادةِ الإسرائيليّةِ التي تُواجهُ أزمةَ شرعيّةٍ غيرَ مسبوقة، وتراجعًا في ثقةِ الشارعِ بالحكومةِ والجيشِ معًا.تفكّكتِ الجبهةُ الداخليّة، وتحوّل الخطابُ من “الانتصارِ الحتميِّ” إلى “إدارةِ الخسائر”، فيما تآكلتْ صورةُ إسرائيلَ كقوّةٍ مستقرّةٍ تقودُ المنطقة. لم تُحدِّدِ الحربُ حدودًا جديدةً للأرض، بل حدودًا جديدةً للوعي: أنَّ القوّةَ بلا قضيّة تنهزم، وأنَّ الوطنَ حينَ يؤمنُ بنفسِه، لا يُهزَمُ أبدًا انكشافٌ دبلوماسيٌّ وعزلةٌ دوليّة لم تكتفِ الحربُ بإشعالِ الميدان، بل أشعلتْ غضبَ العالم.انهارتْ صورةُ إسرائيلَ في الرأيِ العامِّ الغربيّ، وامتلأتِ العواصمُ الأوروبيّةُ بالمظاهراتِ المُندِّدةِ بالدمارِ في غزّة.تراجعتْ علاقاتُها مع دولٍ كانت تُعَدّ ركائزَ في مشروعِ التطبيعِ الإقليميّ، وتعطّلتْ اتفاقاتٌ كانت تُسوَّقُ كـ”سلامٍ اقتصاديٍّ جديد”.حتى في الولاياتِ المتحدة، الحليفِ الأوثق، باتتْ إسرائيلُ تُواجهُ انتقاداتٍ علنيّةً من داخلِ الكونغرس والجامعاتِ والشارعِ الأميركيّ.لقد خسرتْ إسرائيلُ أكثرَ من دعمِ العالم، خسرتْ قدرتَها على تبريرِ أفعالِها. فشلُ تصفيةِ القضيّةِ الفلسطينيّة كانتِ الحربُ بالنسبةِ لإسرائيلَ فرصةً ذهبيّةً لتصفيةِ القضيّةِ الفلسطينيّةِ تحتَ غطاءِ “الأمنِ القوميّ”، لكنَّ النتيجةَ جاءتْ معاكسةً تمامًا.عاد الصوتُ الفلسطينيُّ إلى واجهةِ العالم، وتحوّلتْ غزّةُ من منطقةٍ محاصَرةٍ إلى رمزٍ عالميٍّ للمقاومةِ والصمود.المنابرُ الدوليّة، والمنظّماتُ الإنسانيّة، وحتى الرأيُ العامُّ الغربيّ، وجّهوا البوصلةَ مُجدّدًا نحو أصلِ الصراع: الاحتلال.بهذا المعنى، لم تفشلْ إسرائيلُ في القضاءِ على حركة، بل فشلتْ في طَمسِ قضيّة. وعلى الرغمِ من الدمارِ الهائلِ والمعاناة، خرجتْ حماسُ من الحربِ بعد عامين وهي ما زالت واقفةً، تُديرُ الميدانَ وتفرضُ معادلةً جديدةً للردع.لم يكن انتصارُها عسكريًّا تقليديًّا، بل سياسيًّا ومعنويًّا، إذ استطاعتْ أن تُبقي جذوةَ المقاومةِ حيّةً، وتمنعَ إسرائيلَ من إعلانِ أيِّ نصرٍ واضح.حماسُ لم تربحِ الحربَ بالمعنى الكلاسيكيّ، لكنها انتصرتْ بمعنى الاستمرار، وهذا وحدَه كافٍ لتغييرِ ميزانِ الردعِ في المنطقة. هزيمةُ المشروعِ لا المعركة الخسارةُ الإسرائيليّةُ لم تكن فقط في الميدان، بل في جوهرِ مشروعِها القائمِ على الردعِ والتفوّقِ والسيطرة.فقدتْ إسرائيلُ هيبتَها، وتصدّعتْ صورتُها كقوّةٍ قادرةٍ على فرضِ واقعٍ جديد، وأصبحتْ مثالًا حيًّا على أنَّ التكنولوجيا لا تحسمُ معركةً حينَ تفتقدُ الرؤية.الحربُ التي استمرّتْ عامين أنهكتْ جيشًا بأكمله، وعرّتْ بنيةً سياسيّةً متآكلة، وطرحتْ على المجتمعِ الإسرائيليِّ سؤالًا وجوديًّا غيرَ مسبوق:هل ما زالتْ هذه الدولةُ قادرةً على البقاءِ وسطَ بحرٍ من المقاومة؟ بعد عامين من النار، لم تنتصرْ إسرائيلُ رغمَ تفوّقِها، ولم تُهزَمْ غزّةُ رغمَ جراحِها. النتيجةُ الأوضح أنَّ الردعَ الإسرائيليَّ سقط، وأنَّ الوعيَ الفلسطينيَّ انتصر. رَبِحتْ غزّةُ المعنى والكرامةَ والحقَّ في البقاء، فيما خسرتْ إسرائيلُ روايتَها وهيبتَها، وربّما آخرَ أوراقِها في معركةِ الصورةِ أمامَ العالم. وهكذا، لم تُحدِّدِ الحربُ حدودًا جديدةً للأرض، بل حدودًا جديدةً للوعي: أنَّ القوّةَ بلا قضيّة تنهزم، وأنَّ الوطنَ حينَ يؤمنُ بنفسِه، لا يُهزَمُ أبدًا.
تؤكد مصادر سياسية مطّلعة لـ”البوست” أنّ إحدى السفارات الإقليمية النافذة في الشأن اللبناني دخلت على خطّ الانتخابات المقبلة من الباب العريض، إذ كلّفت شركة محليّة بارزة في مجال استطلاعات الرأي بإجراء دراسة ميدانية “سرّية” لقياس المزاج الشعبي تجاه ثلاث شخصيات سنيّة حاضرة في الندوة البرلمانية.. المصادر نفسها تشير إلى أنّ إحدى هذه الشخصيات هي شخصية صيداوية معروفة، تتعاطى العمل بالشأن العام والسياسة المحلية، وتشهد منذ فترة حالة من التقارب المتنامي مع هذه الدولة الإقليمية التي تُفضّل الاطمئنان إلى قوّة حلفائها قبل أن تشتعل المعركة الانتخابية. وتوضح المعلومات أنّ هدف الاستطلاع يتخطّى حدود الأرقام الجافة، ليُشكّل بوصلة سياسية لتحديد حجم التأييد الشعبي، واكتشاف مكامن الخلل أو الضعف التي قد تُهدّد حظوظ المرشحين في الاستحقاق النيابي المقبل. وبينما تلتزم الأطراف المعنية صمتًا تامًا حول النتائج الأوّلية، يطرح المتابعون أكثر من علامة استفهام: هل تعكس هذه الخطوة خشية إقليمية من تراجع نفوذ الحلفاء، أم أنها مجرد استباق انتخابي لضمان الإمساك بالمفاتيح السنيّة في مدينة صيدا وغيرها؟ قراءة في المشهد الصيداوي المتابعون للمشهد الانتخابي في صيدا يرون أنّ دخول العامل الإقليمي عبر الاستطلاعات الميدانية يضيف طبقة جديدة من التعقيد على خريطة التحالفات. فالتوازنات المحلية التي تحكمها حساسيات شخصية وطائفية قد تتبدّل بسرعة إذا ما أظهرت النتائج تفاوتًا واضحًا في الشعبية بين المرشحين الثلاثة. بين حسابات الداخل وضغوط الخارج تبدو صيدا مقبلة على معركة انتخابية ليست محصورة في صناديق الاقتراع، بل مرسومة أيضًا في مكاتب السفارات وغرف الاستطلاعات المغلقة. وهو ما يجعل من هذا الاستحقاق المقبل اختبارًا مزدوجًا: إرادة الناخب الصيداوي من جهة، وحسابات العواصم الإقليمية من جهة أخرى.
متضررون لليوم الثاني على التوالي، يواصل العاملون في بلدية صيدا، من موظفين وأجراء، إضرابهم المفتوح الذي بدأ صباح الأربعاء، 8 تشرين الأول، للمطالبة بحقوق يعتبرونها مكتسبة ومشروعة. يتمسك المضربون بمطلبين أساسيين: شمولهم بـ “تعويض المثابرة” بمفعول رجعي، ومنحهم ثلاث درجات استثنائية منذ عام 2017، أسوة بزملائهم في القطاع العام وبعض البلديات الأخرى.يأتي هذا التحرك في وقت حرج، حيث تقع أعباء خدمة أكثر من 200 ألف مواطن في ثالث كبرى مدن لبنان على عاتق 14 موظفاً و46 أجيراً فقط. هذا العدد الضئيل هو نتيجة طبيعية لسياسة وقف التوظيف التي أدت إلى تناقص الكادر الوظيفي بشكل حاد، بعد أن كان يضم 105 موظفين، إما بسبب التقاعد أو الاستقالة، مما فاقم من الضغط على العاملين الحاليين.ما يزيد الوضع تعقيداً، أن الأجراء في البلدية يعانون من غياب تام للتغطية الصحية، فهم غير مشمولين بأي نظام ضمان صحي أو استشفائي، سواء من جهة رسمية أو خاصة، مما يتركهم وعائلاتهم في مواجهة مصير مجهول. لا يأتي هذا الإضراب من فراغ، بل يستند إلى قرارات رسمية لم تجد طريقها إلى التنفيذ في البلديات. فقرار مجلس الوزراء رقم (1) الصادر في 28 شباط 2024، نص صراحةً في بنده الثالث على منح “تعويض مثابرة” للعاملين في الإدارة العامة، كما سمح التعميم رقم 13/2024 للمؤسسات العامة الإدارية بتطبيق القرار ذاته. في حديث ل”البوست” يتسأل أحد الموظفين المضربين بمرارة: “لماذا تُستثنى البلديات، وهي المؤسسات الأكثر احتكاكاً بالمواطنين وخدماتهم اليومية؟ ليس من العدل أن يتقاضى موظف من الفئة الثانية في البلدية راتباً يعادل راتب موظف من الفئة الثالثة في أي إدارة عامة أخرى”. يضيف موظف آخر: “الحل يكمن في إصدار وزارة الداخلية والبلديات تعميماً مماثلاً لتعميم رئاسة مجلس الوزراء، يمنحنا حقنا في تعويض المثابرة”. يُذكر أن رئيس بلدية صيدا السابق، حازم بديع، كان قد خاطب وزير الداخلية والبلديات بهذا الشأن في كتاب رسمي بتاريخ 16 نيسان 2025، لكن دون جدوى. وحتى اليوم، لا يزال العاملون ينتظرون تحويل الوعود المتكررة من المسؤولين إلى خطوات عملية وجادة، بينما تبقى مصالح المواطنين معلقة.