تشهدُ قضيّةُ معالجةِ النفاياتِ في مدينةِ صيدا فصلًا جديدًا من التطورات، حيثُ يستعدُّ المجلسُ البلديُّ لمناقشةِ ملفٍّ شائكٍ في جلستِه المقرّرة يومَ الخميسِ السابعِ من آب الجاري، وذلك في حالِ انعقادِها. تكتسبُ هذه الجلسةُ أهميّةً خاصّة، كونَها الثالثةَ فقط منذ الانتخاباتِ البلديّةِ الأخيرة، ما يضعُها تحتَ المجهرِ كاختبارٍ حقيقيٍّ لجدّيّةِ المجلسِ الجديدِ في التعاملِ مع الملفاتِ الحيويّة. على جدولِ أعمالِ هذه الجلسةِ الحسّاسة، يبرزُ موضوعٌ محوريٌّ يتعلّقُ بكيفيّةِ التواصلِ مع اختصاصيّينَ ومستشارينَ تقنيّينَ دوليّين مؤهّلينَ لمراقبةِ أداءِ معملِ معالجةِ النفاياتِ من الناحيتينِ التقنيّةِ والعلميّة. هذا المعملُ الذي وُصف بأنّه “علامةٌ فارقةٌ في معالجةِ النفاياتِ عبرَ اللامعالجة”. مطالبُ المديرِ العامّ جاءت هذه المبادرةُ بناءً على “تمنٍّ” للمديرِ العامِّ للمعملِ أحمد السيّد، وفقًا لما تضمّنَه البيانُ الصادرُ يومَ الجمعةِ الأوّلِ من آب 2025. هذا البيانُ، الذي صدرَ بعد مرورِ تسعةِ أيّامٍ كاملةٍ على انعقادِ اجتماعَين مهمَّين – أحدُهما في بلديّةِ صيدا والآخر في إدارةِ معملِ المعالجة – يطرحُ تساؤلاتٍ جدّيّةً حولَ التوقيتِ والدوافع. لكنّ ما يثيرُ الانتباهَ أكثر هو التفسيرُ المحتملُ لهذا “التمنّي” الذي قد يكشفُ عن حقيقةٍ مؤلمة: أنَّ أعضاءَ اللجنةِ من الجانبِ البلديِّ قد لا يملكونَ المستوى المطلوبَ من الخبرةِ التقنيّةِ لمواكبةِ ومتابعةِ خططِ “التطويرِ والتحديثِ” التي تدّعي إدارةُ المعملِ تنفيذَها، والتي تبدو حتى الآن مجرّدَ حبرٍ على ورق. دوّامةُ الاجتماعاتِ والوعودِ المتكرّرة تكشفُ الوثائقُ الرسميّةُ عن نمطٍ متكرّرٍ من الاجتماعاتِ والاستماعِ إلى خططِ التطويرِ دونَ تحقيقِ نتائجَ ملموسة. فبحسبِ بيانِ المكتبِ الإعلاميِّ لبلديّةِ صيدا، “استمعَ المجتمعونَ من إدارةِ المعملِ على مراحلِ تنفيذِ خطةِ التطوير”. لكنّ هذه ليستِ المرّةَ الأولى، وبالتأكيدِ لن تكونَ الأخيرة، التي يجدُ فيها أعضاءُ المجلسِ البلديِّ أنفسَهم في موقفِ المستمعِ لمثلِ هذه “المحاضرات”. يستمرُّ المجلسُ البلديُّ في مطالبِه المشروعة: جداولُ زمنيّةٌ واضحةٌ لحالةِ المعملِ وتشغيلُه بالقدرةِ الاستيعابيّةِ الكاملة، وخطةٌ محدّدةٌ لإزالةِ جبلِ النفاياتِ المتراكم، وتقاريرُ دوريّةٌ خاضعةٌ للرقابةِ والمساءلة. مطالبُ منطقيّةٌ وضروريّة، لكنها تبدو وكأنّها تصطدمُ بجدارٍ من المماطلةِ والوعودِ الفارغة. هذا الواقعُ يضعُنا أمامَ تفسيرَين لا ثالثَ لهما: إمّا أنّنا نتعاملُ مع أضغاثِ أحلامٍ من ذوي النيّاتِ الحسنةِ الذين يؤمنونَ بإمكانيّةِ التغييرِ رغمَ كلِّ الإخفاقاتِ السابقة، أو أنّنا أمامَ سياسةٍ محكمةٍ لكسبِ الوقتِ تُخفي وراءَها نهبًا منظّمًا للمالِ العامِّ من قِبَلِ ذوي النيّاتِ السيّئة. عامانِ من التوقّفِ وخططٌ لم تُنفّذ تكشفُ الأرقامُ والوقائعُ عن حجمِ الأزمةِ الحقيقيّ. فمنذُ بدايةِ العامِ 2024، وبعدَ توقّفِ المعملِ عن المعالجةِ لمدةِ عامَينِ كاملَين – كما أقرَّ مديرُه العامُّ نفسُه – نشهدُ تتابعًا لخططِ التطويرِ التي لم تُنفّذ بالكامل. والأخطرُ من ذلك أنَّ إدارةَ المعملِ تواصلُ قبضَ الأموالِ العامّةِ دونَ القيامِ بأيِّ عملٍ فعليّ، باستثناءِ نشاطٍ واحدٍ تبرعَت فيه: بناءُ جبالِ نفاياتٍ جديدةٍ تُضافُ إلى المشهدِ البيئيِّ المأساويِّ في المدينة. هذا الواقعُ المريرُ يطرحُ أسئلةً صعبةً حولَ المساءلةِ والشفافيّةِ في استخدامِ المالِ العام، خاصّةً في ظلِّ استمرارِ تدفّقِ الأموالِ إلى جهةٍ لا تُقدّمُ الخدمةَ المطلوبةَ منها، بل تُساهمُ في تفاقمِ المشكلةِ التي من المُفترَضِ أن تحلَّها. يكشفُ تصريح وزير المالية عن وجودِ ضغوطٍ سياسية ومحاولاتٍ للحصولِ على أموالٍ إضافيّةٍ، في الوقتِ الذي يُشكّكُ فيه أعلى مسؤولٍ ماليٍّ في البلاد بأداءِ المعملِ نفسِه يُثيرُ البيانُ الرسميُّ نقطةً مهمّةً غابتْ عن معظمِ المتابعين، وهي طبيعةُ دورِ وزارةِ البيئةِ في مراقبةِ أداءِ المعمل. فرغمَ الإشاراتِ المتكرّرةِ إلى دورِ الوزارةِ في المراقبة، إلا أنّ الحقيقةَ أنَّ دورَها استشاريٌّ محض، يقتصرُ على إعطاءِ الرأيِ والمشورةِ دونَ أيِّ صلاحيّاتٍ تنفيذيّةٍ حقيقيّة. هذا التوضيحُ يكشفُ عن فجوةٍ في المساءلةِ قد تُفسّرُ استمرارَ الوضعِ المتردّي دونَ تدخّلٍ فعّال. الماليّة وتساؤلاتٌ حولَ الرقابة في السياقِ ذاتِه، شهدَ تاريخُ 26 تمّوز 2025 اجتماعًا مهمًّا عقدَه اتحادُ بلديّاتِ صيدا – الزهراني مع وزيرِ الماليّةِ ياسين جابر، لبحثِ المستحقّاتِ الماليّةِ للشركةِ المتعهّدةِ جمعَ ونقلَ النفايات NTCC. وبحسبِ البيانِ الصادرِ عن المكتبِ الإعلاميِّ للبلديّة، تطرّقَ الاجتماعُ إلى وضعِ معملِ معالجةِ النفاياتِ وخطةِ التطويرِ المزعومةِ لتحسينِ الأداءِ وإزالةِ جبلِ النفايات. لكنَّ ما يلفتُ الانتباهَ هو غيابُ أيِّ إشارةٍ إلى دورِ اتحادِ البلديّاتِ في مراقبةِ أعمالِ الشركةِ المتعهّدةِ نفسِها. فأين الرقابةُ على التزامِ NTCC بشروطِ عقدِ التلزيم؟ وأين المتابعةُ لأوقاتِ الجمعِ وطرقِ النقلِ وصيانةِ الشاحناتِ والمعدّات؟ هذا الصمتُ حولَ الرقابةِ على المتعهّدِ يُثيرُ تساؤلاتٍ حولَ شموليّةِ النظرةِ إلى منظومةِ إدارةِ النفاياتِ في المدينة. موقفٌ حاسم جاءَ الردُّ الحاسمُ من وزيرِ الماليّةِ ياسين جابر في بيانٍ صادرٍ عن مكتبِه يومَ الثاني من آب 2025، حيثُ نفى بشكلٍ قاطعٍ موافقةَ وزارةِ الماليّةِ على صرفِ أموالٍ لمصلحةِ معملِ النفاياتِ في صيدا. وأكّد البيانُ أنَّ الوزيرَ جابر أبلغَ جميعَ المعنيّينَ في المدينة – من نوّابٍ وفعاليّاتٍ والمجلسِ البلدي – بقرارِه الواضح. الأمرُ الأكثرُ إثارةً للاهتمام هو إشارةُ الوزيرِ جابر إلى اتصالاتٍ تلقّاها من جهاتٍ في المدينة تطلبُ منه دفعَ مبالغَ ماليّةٍ إلى إدارةِ معملِ المعالجة، مؤكّدًا أنَّ لديه “ملاحظاتٍ عدّةً على أداءِ المعمل”. هذا التصريحُ يكشفُ عن وجودِ ضغوطٍ ماليّةٍ ومحاولاتٍ للحصولِ على أموالٍ إضافيّةٍ، في الوقتِ الذي يُشكّكُ فيه أعلى مسؤولٍ ماليٍّ في البلاد بأداءِ المعملِ نفسِه. بين النقدِ والإشادةِ المشبوهة على الرغمِ من كلّ هذه الملاحظاتِ والانتقاداتِ الموثّقة، يبقى الوضعُ في المجلسِ البلديِّ لمدينةِ صيدا مُحيّرًا ومثيرًا للجدل. فعلى الرغمِ من الأدلةِ الدامغةِ على فشلِ إدارةِ المعملِ في تحقيقِ أهدافِها، ما زالَ بعضُ أعضاءِ المجلسِ يُشيد بـ”إيجابيّةِ” إدارةِ المعملِ وما قد تُقدّمه من خدمات. هذه الإشادةُ، في ظلِّ الواقعِ المريرِ والأرقامِ الصادمة، لا يمكنُ وصفُها إلا بأنّها نوعٌ من “الرُّشى” المعنويّةِ أو الماديّةِ التي تهدفُ إلى تغطيةِ عمليّةِ نهبٍ منظّمةٍ للمالِ العام. فكيفَ يمكنُ الإشادةُ بأداءِ جهةٍ توقّفتْ عن العملِ لعامَينِ كاملَين وتواصلُ قبضَ الأموالِ العامّةِ دونَ مقابل؟ ما هو البديل؟ في خضمِّ هذا الواقعِ المعقّدِ والمُحبِط، قد يسألُ البعضُ بحقّ: “وماذا تريدون؟ وما هو البديل؟” هذا سؤالٌ مشروعٌ ومهمّ، والجوابُ عليه ليس معقّدًا كما قد يبدو للوهلةِ الأولى. الجوابُ جاهزٌ وواضح: دعونا نستخدمْ عقولَنا ونجدُ البديلَ الذي يُحافظُ على ثلاثةِ عناصرَ أساسيّةٍ لا يمكنُ التفريطُ بها: الصحّةُ العامّة، والبيئةُ السليمة، والمالُ العام. هذه ليستْ مطالبَ مستحيلةً أو خياليّة، بل هي حقوقٌ أساسيّةٌ لكلِّ مواطنٍ في صيدا وحولَها. البديلُ يبدأُ بالشفافيّةِ الكاملةِ في الأرقامِ والميزانيّات، ويَمرُّ بالمساءلةِ الحقيقيّةِ للمسؤولين، ويَصلُ إلى وضعِ خططٍ واقعيّةٍ قابلةٍ للتنفيذِ والقياس. البديلُ يتطلّبُ أيضًا إشراكًا حقيقيًّا للخبراءِ المستقلّين – محلّيًّا ودوليًّا – في تقييمِ الوضعِ ووضعِ الحلول، بعيدًا عن المصالحِ الضيّقةِ والحساباتِ السياسيّة. نقطةُ تحوّلٍ أم استمرارٌ للمأساة؟ تقفُ مدينةُ صيدا اليومَ أمامَ نقطةِ تحوّلٍ حقيقيّةٍ في ملفِّ معالجةِ النفايات. الجلسةُ المقرّرةُ للمجلسِ البلديِّ يومَ الخميسِ السابعِ من آب قد تكونُ فرصةً ذهبيّةً لوضعِ حدٍّ لسنواتٍ من الإهمالِ والمماطلة، أو قد تكونُ مجرّدَ حلقةٍ جديدةٍ في مسلسلِ الوعودِ الفارغة. الكرةُ الآن في ملعبِ المجلسِ البلديِّ الجديد، والمواطنونَ ينتظرونَ أفعالًا حقيقيّةً وليسَ مجرّدَ كلمات. فهل سيكونُ هذا المجلسُ على مستوى التحدّي؟ أم أنّه سيكتفي بدورِ المتفرّجِ على مأساةٍ بيئيّةٍ واقتصاديّةٍ تتفاقمُ يومًا بعد يوم؟ الوقتُ وحده كفيلٌ بالإجابة، لكنَّ المؤكّدَ أنَّ صبرَ المواطنينَ بدأ ينفد، وأنَّ الحلولَ الجذريّةَ باتتْ ضرورةً حتميّةً لا يمكنُ تأجيلُها أكثرَ من ذلك.
عندما تتحوّلُ الجنّةُ إلى كابوسٍ إداريّ! في قلب البحر الأبيض المتوسط، تقبعُ جزيرةٌ صغيرةٌ تُلقّبُ بـ”مالديف لبنان”، لكن خلف هذا الوصف الشاعريّ تختبئُ فضيحةٌ إداريّةٌ تكشفُ عن تجاوزاتٍ صارخةٍ وإهمالٍ خطيرٍ يُهدّدُ سلامةَ المواطنين جزيرةُ “الزيرة” في صيدا، التي يصفُها كتابُ “الإنجازات” الصادرُ عن بلديّة المدينة بأنّها “مالديف لبنان”، تشهدُ اليومَ واقعاً مريراً يتناقضُ تماماً مع هذا الوصف الحالم. فبين المُخالفات القانونيّة الصارخة والإهمال الإداريّ المُفضوح، تحوّلت هذه الجنّةُ الطبيعيّةُ إلى مسرحٍ لفضيحةٍ حقيقيّةٍ تورّطت فيها بلديّةُ صيدا. الإنقاذُ مجرّدَ “دولاب هوائيّ”الصورةُ الأكثرُ إثارةً للصدمة تتجلّى في مشهدٍ مأساويٍّ وقع مؤخّراً على الشاطئ الشماليّ، حيث تعرّضت فتاةٌ للغرق وسط أمواجٍ عاتيةٍ، بينما “فريقُ الإنقاذ” المزعومُ لا يملكُ سوى دولاب سباحةٍ هوائيّ! يروي أحدُ الشهود العيان المشهدَ المروّعَ قائلاً: “مبارح لفتني مشهدٌ على المسبح الشعبيّ لمّا تعرّضت فتاةٌ للغرق بعيداً عن الشطّ بعض الشيء، حيث كانت هناك أمواجٌ وتيّاراتٌ لا بأس بها، وركض الشبابُ أعتقدُ أنّهم من فِرَق الإنقاذ، ولكنّ الشبابَ لا يملكون غيرَ دولاب سباحةٍ فقط!”هذا المشهدُ المأساويُّ يكشفُ عن حقيقةٍ صادمةٍ: كيف يُعقلُ أنّ فريقَ إنقاذٍ بحريٍّ لا يملكُ قارباً مطّاطيّاً أو “جيت سكي”، بل يعتمدُ على دولاب نفخٍ هوائيٍّ لإنقاذ الغرقى؟ تقاسُمُ الشاطئ بحسب الانتماء السياسيّفي مشهدٍ آخرَ يُثيرُ الاستياءَ، تتحوّلُ العقاراتُ المُحاذيةُ للشاطئ والتي تملكُها البلديّةُ إلى “كعكةٍ” يتقاسمُها أشخاصٌ ينتمون لقوىً سياسيّةٍ في المدينة، مقابلَ مبالغَ ماليّةٍ غيرِ قانونيّةٍ توصفُ زوراً بأنّها “لنقل النفايات من المسبح”. هذا الواقعُ المريرُ يكشفُ عن شبكةٍ معقّدةٍ من المصالح والمُحاصصة السياسيّة، حيث تتحوّلُ الطاولاتُ والكراسي على الشاطئ إلى “غنائمَ” توزّعُ بحسب الانتماء السياسيّ، بعيداً عن أيّ معاييرَ قانونيّةٍ أو شفافيّة. في اعترافٍ صادمٍ، يقولُ مسؤولُ اللجنة الإعلاميّة في البلديّة أحمد شعيب: نعيشُ في صيدا أمراً واقعاً مفروضاً علينا، ونحن لا نسعى للصدام مع أحدٍ، هناك قوىً أمرٍ واقعٍ فرضت نفسَها علينا وعودٌ جوفاءُ وخططٌ وهميّةمنذ سنواتٍ والمجلسُ البلديُّ يعدُ بإعداد خطّةٍ لتلزيم العقارات التي تملكُها البلديّةُ، وكلَّ عامٍ يجري تبريرُ عدم القيام بهذه المهمّة بحججٍ واهيةٍ تتراوحُ بين “شروط قانون الشراء العامّ” و”التأخّر في تقديم الطلبات”. وكلَّ عامٍ هناك وعدٌ جديدٌ للعام القادم، في مُسلسلٍ لا ينتهي من الوعود الجوفاء والخطط الوهميّة.الأمرُ الأكثرُ إثارةً للجدل يكمنُ في مُخالفةٍ صارخةٍ لقرار وزارة الأشغال العامّة والنقل رقم ١٢٤٥/ص، الذي حدّدَ شروطاً واضحةً لإدارة الجزيرة والشاطئ. فبينما ينصُّ القرارُ على شروطٍ محدّدةٍ وصارمةٍ، نجدُ أنّ الواقعَ على الأرض يتناقضُ تماماً مع هذه الشروط. الشروطُ المُخالفةُ بوقاحة:أوّلاً: بينما يشترطُ القرارُ عدمَ إقامة أيّ إنشاءاتٍ أو خيمٍ، نجدُ الجزيرةَ مليئةً بالإنشاءات والخيم المُقامة تحت نظر البلديّة وجمعيّة أصدقاء الزيرة.ثانياً: يسمحُ القرارُ بتركيز كوخٍ واحدٍ فقط لتأمين الخدمات الأساسيّة، لكنّ الواقعَ يشهدُ إقامةَ مطاعمَ ومقاهٍ متعدّدةٍ على الجزيرة.ثالثاً: يُلزمُ القرارُ البلديّةَ بتعيين حارسٍ أو أكثر، وهذا الشرطُ غيرُ مؤمّنٍ إطلاقاً.رابعاً: يُحدّدُ القرارُ أنّ العملَ يستمرُّ حتّى السادسة والنصف مساءً، لكنّ السهراتِ تُقامُ هناك بشكلٍ مُخالفٍ للقانون، وعندما اتّصلَ أحدُ أعضاء المجلس البلديّ بخفر السواحل، منعَ “هاتفٌ سياسيٌّ” خفرَ السواحل من التحرّك! جمعيّةُ أصدقاء الزيرة: شريكٌ أم شاهدٌ على المُخالفات؟في هذا المشهد المُعقّد، تبرزُ جمعيّةُ أصدقاء الزيرة كلاعبٍ أساسيٍّ في إدارة الجزيرة. يوضّحُ عضوُ المجلس البلديّ وعضوُ الجمعيّة رامي بشاشة الوضعَ قائلاً: “قبل عام ٢٠١٦، جرى حديثٌ بأنّ وزارةَ الأشغال العامّة تسعى إلى تحويل جزيرة الزيرة إلى مَحميّةٍ، وهذا يعني أنّ الوصولَ إليها وزيارتَها سيخضعُ إلى شروطٍ محدّدةٍ.”يُضيفُ بشاشة: “بسبب الحرب الأخيرة وتداعياتِها تأخّرنا كجمعيّة أصدقاء الزيرة بالطلب من البلديّة تكليفَنا بإدارة الجزيرة، وبعد الانتخابات زُرنا الجزيرةَ وتبيّنَ أنّ كُلفةَ الإشراف عليها تصلُ إلى نحو ٢٥٠٠ دولارٍ أميركيٍّ شهريّاً.” اعترافاتٌ صادمةٌ من داخل البلديّةفي اعترافٍ صادمٍ، يقولُ مسؤولُ اللجنة الإعلاميّة والشفافيّة في المجلس البلديّ أحمد شعيب: “نعيشُ في صيدا أمراً واقعاً مفروضاً علينا، ونحن لا نسعى للصدام مع أحدٍ، هناك قوىً أمرٍ واقعٍ فرضت نفسَها علينا.”يُضيفُ شعيب في تصريحٍ يكشفُ عن عجز البلديّة: “لقد وصلنا إلى المجلس البلديّ متأخّرين، ولا أعتقدُ أنّنا نستطيعُ إجراءَ أيّ تغييرٍ هذا العام، لكن علينا العملُ لتأمين شروط التغيير في العام القادم.”هذا الاعترافُ يكشفُ عن حقيقةٍ مرّةٍ: بلديّةٌ تُديرُ أهمَّ المواقع السياحيّة في المدينة وهي عاجزةٌ عن فرض القانون أو تطبيق الشروط الأساسيّة للسلامة العامّة.يكشفُ شعيب عن كُلفةٍ باهظةٍ لتنظيف الجزيرة ونقل النفايات تبلغُ أكثرَ من ٨٠٠٠ دولارٍ خلال الموسم السياحيّ، مؤكّداً أنّ “البلديّةَ لا قدرةَ لها على تحمّل هذه الكُلفة.”هذا الرقمُ الصادمُ يطرحُ تساؤلاتٍ جدّيّةً حول جدوى استمرار البلديّة في إدارة موقعٍ لا تستطيعُ تحمّلَ كُلفة تنظيفه الأساسيّة، فكيف بتأمين معايير السلامة والخدمات المطلوبة؟ مصدر – تعليق بيانُ البلديّة: محاولةٌ يائسةٌ لتبرير الفشلفي محاولةٍ يائسةٍ لتبرير الفشل الذريع في إدارة الموقع، أصدرت بلديّةُ صيدا بياناً بعد حوادث الغرق المُتكرّرة، تُحاولُ فيه إلقاءَ اللوم على المواطنين بدلاً من الاعتراف بالتقصير الفادح في تأمين معايير السلامة.يقولُ البيانُ: “نظراً لحالة البحر غير الصالحة للسباحة يومَي السبت والأحد، طلبَ المُنقذون على شاطئ صيدا من الرُوّاد عدمَ السباحة، لكن للأسف بعضُهم أصرّ على ذلك.”هذا البيانُ يكشفُ عن منطقٍ مقلوبٍ: بدلاً من تحمّل المسؤوليّة عن عدم توفير معدّات الإنقاذ المُناسبة أو تطبيق شروط السلامة، تُلقي البلديّةُ اللومَ على المواطنين الذين يُمارسون حقّهم الطبيعيّ في السباحة! بلديّةٌ تطلبُ مسؤوليّاتٍ لا تستطيعُ تحمّلَهافي خُلاصة هذه الفضيحة المُدوّية، نجدُ أنفسَنا أمام بلديّةٍ تطلبُ من الوزارة تكليفَها بمهامٍ لا تستطيعُ القيامَ بها، ولا تستطيعُ تأمينَ شروط سلامة المواطنين، وتُغطّي على مُخالفاتٍ قانونيّةٍ ليست مُضطرّةً إليها.السؤالُ الذي يطرحُ نفسَه بقوّةٍ: لماذا تُصرُّ بلديّةُ صيدا على طلب تحمّل مسؤوليّاتٍ تفوقُ قُدراتِها الماليّةَ والإداريّةَ؟ وما هي المصالحُ الخفيّةُ وراء هذا الإصرار على إدارة موقعٍ بهذا الشكل المُخالف للقانون؟ الجوابُ واضحٌ: نحن أمام شبكةٍ معقّدةٍ من المصالح والمُحاصصة السياسيّة، حيث تتحوّلُ المواقعُ العامّةُ إلى "مزارعَ" خاصّةٍ يتقاسمُها النافذون، بعيداً عن أيّ اعتباراتٍ قانونيّةٍ أو مصلحةٍ عامّة. في النهاية، يبقى المواطنُ هو الضحيّةُ الأكبرُ لهذه الفوضى الإداريّة، سواءً كان سائحاً يبحثُ عن الاستجمام في "مالديف لبنان"، أو مواطناً يُواجهُ خطرَ الغرق بسبب غياب معدّات الإنقاذ المُناسبة.
يرى بهاء الحريري في نفسه أنه من طينة مختلفة عن السياسيين في لبنان. يرى أنه أهم من أخيه وأقوى وقادر أن يكون “المخلص”. على واقعيته في عالم “البزنس”، يعاني الرجل من “لوثة” مستدامة وافتقار للعمق الفكري، محروماً بالمقابل من الكاريزما الشعبوية التي يمكن أن تعوض النقص في هكذا مواضع.