تحميل

إبحث

في الصميم

هل شعرَ أحدٌ ببهاء؟

Bahaa eating fish

مُنذُ آخِرِ مَرَّةٍ شوهد فيها يأكُلُ السَّمَكَ في أَحدِ مَطاعِمِ طرابلس، بينما كانَ الحُضورُ يأكُلونَ الدَّجاجَ على مَضَض، لم نَسمَعْ كثيرًا عن بَهاء الحريريّ، وعَودَتِه المُفترَضَة مع تأسيسِ تيارٍ وطنيٍّ عابرٍ للطوائفِ والاصطفافاتِ، يُمثِّلُ حِقبةً جديدةً في تاريخِ البلدِ والمشرِقِ العربيِّ

بعد هذه الحادثةِ تحديدًا، والفشلِ الهائلِ للزيارةِ التي كان من المُفترَضِ أن تكونَ “تاريخيَّة/تأسيسيَّة”، كان حَرِيًّا بالابنِ البِكرِ لرفيقِ الحريريِّ، الطامحِ لمواصلةِ المسيرةِ والعملِ في الشأنِ العامِّ، ولو كانَ يمتلكُ بديهياتِ شروطِ النجاحِ اللازمةِ للعملِ السياسيِّ، أن يَطرُدَ دونَ أيِّ تردُّدٍ فريقَ العملِ بالكاملِ، مهما تَكُنْ درجةُ التِفافِهم حولَ عنقِه.

فالغَباءُ أن تَفعلَ الشيءَ نفسَهُ مرارًا وتِكرارًا وتَتوقَّعَ نَتائجَ مُختلِفَة. وهوَ ما يَحصُلُ مع بهاء، للأسفِ، في كلِّ مَرَّةٍ، وكلِّ مُحاوَلَةٍ جديدةٍ بينَ الحينِ والآخَر.

أين هو؟

لم يَلحَظْ أحدٌ له أو لأزلامِه وُجودًا، لا بالمباشرِ ولا من تحتِ الطاولةِ في الانتخاباتِ البلديةِ الأخيرةِ، في أيٍّ من المُدُنِ والمناطقِ ولا حتى البلداتِ. غريبٌ، أين يَختفي هذا الرَّجُلُ وكيف يَظهر؟ مَفهومُه للعملِ السياسيِّ والشأنِ العامِّ غيرُ مَفهوم.

قد يكونُ اليومَ في أيِّ مكانٍ، في مدينةٍ أوروبيَّةٍ هادئةٍ، أو في عاصمةٍ عربيَّةٍ نشطةٍ يعملُ على إدارةِ أعمالِه التجاريةِ والاستثماريةِ، أو ربَّما يَشغلُ وقتَهُ في تأسيسِ وإدارةِ “مُؤسسةٍ فكريَّةٍ” تُعنى بشؤونِ التنميةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والإعلاميةِ في الشرقِ الأوسطِ.

لعلَّه يُفضلُ الابتعادَ عن الظُّهورِ الإعلاميِّ، لدراسةِ الوضعِ اللبنانيِّ عن بُعدٍ، مُحاولاً إيجادَ فُرصةٍ أو ظرفٍ مُناسبٍ للعودةِ إلى البلدِ بمشروعٍ مُتكامِلٍ، بعيدًا عن الاصطفافاتِ القائمَة. أو قد يكونُ يَنتظرُ ترخيصًا من وزارةِ الداخليَّةِ لتيَّارِه الناشئِ (مَعقولةٌ أن يَنتظرَ أحدٌ ترخيصًا للعملِ السياسيِّ في لبنان؟!).

رُبَّما يكونُ هذا الابتعادُ مَقصودًا بانتظارِ الظُّروفِ المُناسِبَةِ للدُّخولِ في “اللُّعبةِ”، لكنَّ المكتوبَ يُقرَأُ من عنوانِه، و”بعدَّةِ الشُّغلِ” الحاليَّةِ، النَّتائجُ كما هي… كارثيَّةٌ.

على بهاء أن يَسألَ نفسَه: إذا كان الفراغُ في الزعامةِ السُّنيَّةِ في لبنانَ (كما يُقالُ ويُقالُ) لم يَملأْهُ أحدٌ بعدَ انسحابِ “تيارِ الحريريِّ” من المشهدِ العامِّ، فلِماذا لم يَتلقَّفْ هذا الفراغَ عَودَةُ واحدٍ منهم؟

لم يَظهر بهاء في انتخاباتِ البلديةِ الأخيرةِ، وصيدا تحديدًا، بالمعنى الفعليِّ المُؤثِّر. علاقتُه بعمَّته بهيَّةَ يمكنُ وصفُها بالعائليَّةِ المُتوازنةِ، يَغلِبُ عليها الاحترامُ المُتبادلُ دونَ الانخراطِ في تنسيقٍ سياسيٍّ وثيقٍ. يَسعى كلٌّ منهما للمُحافظةِ على مَسافةٍ آمنةٍ بينهما في السياسةِ، مع بقاءِ خُطوطِ الاتصالِ مفتوحةً على أكثرَ من مِحوَرٍ عائليٍّ وغيرِ عائليٍّ، لكن مع تَجَنُّبِ التَّقارُبِ أو التَّحالُفِ المُباشرِ في ظلِّ الأوضاعِ الراهنةِ.

من الناحيةِ النفسيةِ، تَتَّسِمُ شخصيةُ بهاء بالهدوءِ الظاهريِّ، والتأرجُحِ الداخليِّ، وتميلُ إلى التفكيرِ بعيدِ المدى أكثرَ من ردودِ الفعلِ الآنيةِ والانخراطِ السياسيِّ اليوميِّ، وهو أكثرُ ميلًا إلى الحلولِ المُستدامةِ والتخطيطِ النَّظريِّ منهُ إلى لُغةِ الشارعِ والجمهورِ. مَلَكةٌ لا يُمكنهُ أن يَفعلَ حيالَها شيئًا، ومعَ بُلوغِه هذا السِّنِّ تُصبِحُ الأمورُ أَصعَبَ.

يرتبط بهاء الحريري بعلاقات متباينة مع الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في المشهد اللبناني، ومع ذلك لم يسجل له إيصال مختار حي لمنصبه
separator

بانتظار “فنعة” جديدة 

يَبقَى مكانُ بهاء الحريريِّ ودورُهُ المُستقبليُّ سؤالًا مفتوحًا يُثيرُ الاهتمامَ والفضولَ بينَ الفينةِ والأخرى، ورُبَّما الأيامُ القادمةُ تَكشِفُ مزيدًا من التَّفاصيلِ عن الوجهةِ التي اختارَها، والطريقِ الذي قرَّر أن يَسيرَ عليه، عسى ألا تكون فصلا جديدا من فيلم شهدناه تكراراً من قبل…

العلامات

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا