أحمد الأَسير… الثَّورةُ الَّتي لم تَكتمل والفِكرة الَّتي لم تُفهم

وفي الذِّكرى الـ١٢ لاستمرارِ المظلَمة…
قد يكونُ أكثرَنا حُريَّةً، أو قد لا يكونونَ جديرينَ بك… فأبعَدَكَ عنهُم
إنَّهُ الخوفُ
مَنعكمُ الخوفُ مِن “حِزبِ الله” وسطوتِهِ وهَيمَنتِه.
مَنعكمُ الخوفُ مِن الأجهِزةِ الأمنيَّةِ، وعَذاباتِ السُّجونِ، ورواياتِ العَسَسِ عن ظَلامِ الأقبيةِ وصَرخاتِها، وأنينِها المكتوم.
مَنعكمُ الخوفُ أن يُقالَ عنكم إرهابيين، داعشيين، رَجعيين، أُصوليين، سَلفيين…
مَنعكمُ الخوفُ أن يُحسبَ تَعاطُفُكم تُهمةً تُلاحقكم حتّى في مَناماتِكم، وإنْ كان أكثركم يُوافقُهُ في جُلِّ ما قال. حينَ كنتُم صاغِرين، صامتين… كُلُّكم… حتّى أقواكم عددًا وعُدَّةً ومالًا ونُفوذًا اليوم، كان يومئُ برأسِهِ ولا يَرفعُه.
مَنعكمُ الخوفُ أن يُؤثِّرَ تَعاطُفُكم معه على حساباتِ دُنياكم الفانية.
مَنعكمُ الخوفُ مِن تقاريرِ سَفاراتٍ، وتأشيراتِ دخولٍ، وحساباتٍ مصرفيَّةٍ قد تتأثَّر، حتّى لو بنشرِ كلمةٍ أو صورة…
مَنعكمُ الخوفُ مِن جَهلِكم بفِكرةٍ لم تَفهموها، ولم تُريدوا أن تَتدبَّروها، مع أنَّها الحَلُّ لِكُلِّ ما تَتطلَّعونَ إليه، وتَحلُمونَ به لكم، ولأولادِكم، ولِلقادِمِ من أيّامِكم.
وَحَّدَكمُ الخوفُ تُجاهَ ما لم تَعهَدوهُ في نَمطيّاتِكم المُتَكرِّرةِ حدودِ المَللِ والفَشلِ والزَّبائنيَّة.
وَحَّدَكمُ الخوفُ ضدَّ ما تَجهلون، لأنَّ الإنسانَ عَدوُّ ما يَجهَل.
وحدَهُ الحُرُّ يَقتحِمُ الظَّلامَ باحِثًا عن النُّور… لكِنَّها لُغةٌ لا يَفهَمُها العبيدُ.
الخوفُ في الداخلِ كخَليلةٍ سريَّةٍ… لا يَعلَمُ بها إلّا صاحِبُها، لكنَّهُ كالماءِ، يَجِدُ دومًا طريقَهُ إلى الخارج.
مِن مكانٍ آخر
أحمدُ الأَسيرُ لم يَكن يُشبهُ أحدًا منكم، لذلك حارَبتُموه، في الشَّكلِ قبلَ المضمون.
لذلك تَوَحَّدتُم في مِقصلته، ليَضيعَ دمُه بينَ القبائل. كُلُّكم تَشاركتم في مُحاربتِه، كُلُّكم سَجَّانوه اليوم.
كما المُجدِّدينَ على رأسِ كُلِّ قرن، لم يُفهَمْ أحمدُ الأَسيرُ على بَساطةِ ما طَرَحَه. من الأقربينَ كما من الأبعدينَ الناظرينَ إلى “الظاهرة” الّتي ملأتِ الدنيا وشغلتِ الناسَ في غفلةٍ من الزمن. كلٌّ رآهُ بحسبِ ما يَهوى.
أحمدُ الأَسيرُ كان ثَورةً مِن مكانٍ آخر، على كُلِّ ما هو سائدٌ في عالَمِنا اليوم. ثورةٌ حقيقيّةٌ كان لها أن تكونَ خَطًّا تَغييريًّا حقيقيًّا للطّامحينَ من كلِّ الأماكن.
قد يكونُ أكثرَ ما تَعرَّض له الشَّيخُ الحُسينيُّ من ظُلمٍ إنزالَه إلى زواريبَ وتَفاصيلَ تَجعله شَبَهًا لأنماطٍ مَوجودةٍ لكِنَّهُ لا يُشبهُها. أكبرُ ظُلمٍ تَعرَّض له الرّجلُ هو إسقاطُه على لحظةٍ سياسيَّةٍ ما تُقزِّمُ من عِظَمِ ما كان يَدعو له على مدى سنين.
قِلَّةٌ هي التي فَهِمَت ما قدَّم الرَّجُلُ خلالَ مَسيرةٍ من العطاءِ المُتنوِّعِ والمُتدرِّج. قِلَّةٌ قليلةٌ سَمِعَت الكثيرَ ممّا قالَه، الأغلبُ سَمِعوا ما قيلَ عنه في أواخرِ مَسيرةٍ يَأملُ الكثيرون، حتّى من أبناءِ جلدَته، أن تَنتهي اليوم قبلَ الغد. لكنَّ للهِ في خَلقِه شُؤونًا…
طائفةٌ أضعفُ مِن بوقٍ فارغ
لو أنَّ لأحمدَ الأَسيرِ بوقًا كـوئام وهّاب. وئامُ وهّاب فَحسْب، لكانَ الوضعُ مُختلفًا.
هل مِن الممكن أن تَتَصوَّر أن يَسكُت عن اعتقالِ شيخٍ بِشروالٍ ودَكّة؟ لَكانَتِ الدُّنيا قامَت ولم تَقعُد.
لكنَّ أكثرَ مِن مليونٍ ونصفِ سُنِّيٍّ في لبنان لا يَستطيعونَ أن يَتَفَوَّهوا بما قد يَقولُه وهّاب، غيرَ عابئٍ بتداعياتِ ما قد يَحصُل له، حتّى بعدَ اندِحارِ الأسدِ وتراجُعِ نُفوذِ حزبِ الله الحامي.
لكنّنا طائفةٌ أوهَنُ من بوقٍ مُدَّعى… لا يُعوَّلُ عليها.
سُنَّةُ لبنانَ اليوم، مُجتمعين، لا يُعادِلونَ وئامَ وهّاب وحدَه. وإلّا، ما التَّفسيرُ لاستمرارِ الظُّلمِ عن “مؤامرةٍ” معروفةِ الأسبابِ وطريقةِ التنفيذِ وسَيرِ المحاكمات؟
الهُروبُ من العَجز
أَهونُ ما يكونُ أن يَهربَ المرءُ من عَجزِه، باحثًا عن أَهونِ الأسبابِ لِيُريحَ ضميرَه.
هُنا تَظهَرُ عِباراتٌ مَمجوجةٌ كالسِّلاحِ والتَّهَوُّرِ ودَمِ الجيشِ والنَّعراتِ الطائفيَّة…
لقد قَتلتِ الرُّموزُ السياسيّةُ الّتي تَعتلي عُروشَ النِّظامِ اللبنانيِّ اليومَ من اللبنانيّين، مواطنينَ وجُنودًا، أكثرَ ممّا قتل أعداءُ الوطنِ والطّامعينَ ببلادِ الأرز. لكنَّنا في لبنان، حيثُ العَدلُ ليسَ أساسًا للمُلك. لذا فإنَّهم يَعتلونَ المَنابرَ وأقواسَ المحاكم، يُحاضرونَ في عكسِ ما يَدَّعون، ويُطلِقونَ الأحكامَ باعتبارِهم الضَّحيَّةَ لا الجلّاد.
ليست مُشكلةُ أحمدَ الأَسيرِ عَسكرةَ حركتِه واندِلاعَ المُواجَهاتِ المُسلَّحةِ الّتي تَلت كَمينًا مُحكمًا أُعدَّ في ليلٍ.
مُشكلةُ الأَسيرِ أنَّهُ قالَ ما هو أكبرُ من البَلد. قدَّمَ فِكرًا بحجمِ أُمَّة، فاقَ قُدرةَ الأكثريَّةِ على الفَهمِ والهَضم.
بَساطةُ الطَّرحِ كانت تَفوقُ عُمقَه. كانَ سابِقًا لِزَمانِه، قِيلَ فيه الكثير، لكنَّ ما يَجبُ أن يُقالَ عنهُ لم يُقَل. وهذهِ هي المَظلَمةُ الكُبرى التي تَفوقُ سَجنَهُ الحالي.
كُلُّكمُ اليومَ… لا أَستثني منكم أحدًا، سَجّانونَ لحُرٍّ، لكنّكم السُّجناء.
العَدلُ واقِعٌ لا مَحالَة، وليستِ القضيَّةُ إلّا مَسألةَ وقتٍ، حتّى يَقضيَ اللهُ أَمرًا كانَ مَفعولًا… ولو بِخِلافِ ما تَـرغَبون…
