تحميل

إبحث

في الصميم

إسرائيل والدروز…”حلف الدم” والمصلحة والاستغلال

لماذا تدافع إسرائيل عن الدروز في سوريا اليوم؟ سؤال كبير يتردد بقوة. تُعد العلاقة بين إسرائيل والطائفة الدرزية في الشرق الأوسط واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا وتفردًا، تتداخل فيها الأبعاد الدينية والاجتماعية مع المصالح السياسية والأمنية. منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948، وجد الدروز، وهم أقلية دينية تتوزع في سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل، أنفسهم في مواجهة تحديات ترتبط بالهوية والولاء والمصير، ضمن سياقات جيوسياسية متغيرة

يشكل الدروز في إسرائيل حوالي 7.6% من المواطنين العرب، ويقطنون أساسًا في شمال البلاد، في 19 بلدة تقع على قمم الجبال في الجليل والكرمل والجولان. حصل دروز الجليل وحيفا على الجنسية الإسرائيلية تلقائيًا عام 1948، بينما مُنح دروز الجولان إقامة دائمة بعد احتلال المنطقة عام 1967 وضمها لاحقًا عام 1981، ورفض معظمهم التجنيس الإسرائيلي.

في عام 1956، فرضت إسرائيل الخدمة العسكرية الإلزامية على الدروز الذكور، فيما استُثنيت بقية الأقليات العربية، وذلك في إطار ما سُمي لاحقًا بـ”حلف الدم”. ومنذ ذلك الحين، تبوأ عدد من أبناء الطائفة مناصب عسكرية وأمنية حساسة. ومع أن بعضهم انخرط في مؤسسات الدولة، ظل آخرون متمسكين بهويتهم العربية، وشاركوا في النضال الفلسطيني أو انتقدوا السياسات الإسرائيلية، لا سيما بعد قانون القومية عام 2018 الذي كرّس الطابع اليهودي للدولة.

يقطن في هضبة الجولان المحتلة حوالي 21 ألف درزي، يعيشون في أربع قرى رئيسية أبرزها مجدل شمس. رغم ضم إسرائيل للجولان، ما تزال الغالبية العظمى من دروزه يحتفظون بالجنسية السورية، ويرفضون التجنيس الإسرائيلي. ومع ذلك، يحق لمن يتقدم بطلب للجنسية الإسرائيلية التصويت والتمتع بالحقوق المدنية، بينما يُمنح الرافضون جوازات مرور ويُصنفون كـ”سكان مرتفعات الجولان”.

سر الاهتمام الإسرائيلي بالدروز

اهتمام إسرائيل بالدروز لا ينبع فقط من دوافع إنسانية أو رمزية، بل يرتبط بجملة اعتبارات استراتيجية:

الفصل والتمييز: عملت إسرائيل على فصل الدروز عن سائر العرب داخل أراضيها، عبر تصنيفهم كمجموعة “غير عربية” رغم لغتهم وثقافتهم المشتركة، لمنع أي تماهي قومي مع الفلسطينيين أو السوريين.

الاستفادة الأمنية والعسكرية: يمثل الدروز عنصرًا مهمًا داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية. وقد رسّخ ذلك علاقة تعاونية جزئية تقوم على المصالح المتبادلة والتمييز المؤسساتي.

المصالح الإقليمية: تدرك إسرائيل أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الدروز في سوريا كمصدر استقرار في الجنوب السوري، خاصة في مواجهة الجماعات المتطرفة، وفي ظل انهيار الدولة السورية في مناطق متعددة.

 

في بداية الاحتلال الاسرائلي لفلسطين، صُنف الدروز "عربًا غير مسلمين"، وفي عام 1962 مُنحوا ما يعرف بـ"الجنسية المميزة" وأصبح وصفهم الرسمي "غير عرب" رغم تحدثهم اللغة العربية

المصالح الجيوسياسية والأمنية

يتجاوز اهتمام إسرائيل بالدروز حدودها ليشمل الدروز في سوريا، خاصة في ظل الصراع السوري. ترى إسرائيل أن الدفاع عن الدروز السوريين يصب في مصلحتها الاستراتيجية، وذلك لعدة أسباب:

إبعاد خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة: تعتبر إسرائيل الجماعات الإسلامية المتطرفة تهديدًا لأمنها، وقد سعت إلى إبعاد قواتهم المسلحة عن المناطق القريبة من حدودها، مثل محافظة السويداء التي يشكل الدروز غالبية سكانها فوجود منطقة درزية مستقرة وغير خاضعة لسيطرة هذه الجماعات يمثل حاجزًا أمنيًا لإسرائيل.

الحفاظ على “العلاقة الخاصة” مع الدروز في إسرائيل: ترى إسرائيل أنها ملزمة بمساعدة الدروز نظرًا “لعلاقتها الخاصة” بالسكان الدروز لديها. فدعم الدروز في سوريا يعزز من ولاء الدروز في إسرائيل ويقوي الروابط بينهم وبين الدولة، خاصة بعد التوترات التي شهدتها هذه العلاقة بسبب قانون القومية عام 2018.

الاستفادة من الدروز كعنصر استقرار: بناء علاقات مع دروز سوريا الذين يعيشون على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود يمكن أن يساعد في ضمان عدم نمو “الوحش الإسلامي” قرب حدود إسرائيل. فالدروز، بحكم طبيعتهم المسالمة وسعيهم للحفاظ على استقلاليتهم، يمكن أن يشكلوا عنصر استقرار في منطقة مضطربة، وهو ما يخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية.

اهتمام إسرائيل بالدروز هو مزيج من المصالح الداخلية المتعلقة بالتحكم في الأقليات، والمصالح الأمنية والعسكرية، والمصالح الجيوسياسية التي تهدف إلى الحفاظ على استقرار حدودها وإبعاد التهديدات المحتملة.

صراع اليوم: السويداء والمصير المشترك

يشكل الدروز في سوريا حوالي 700,000 نسمة، ويتمركزون أساسًا في محافظة السويداء. وخلال سنوات الصراع السوري، بقيت السويداء نسبيًا بمنأى عن المعارك المباشرة، إلا أنها شهدت تدهورًا اقتصاديًا وأمنيًا دفع السكان للاحتجاج مرارًا. تعرضت الطائفة لاعتداءات من جماعات مثل داعش، ما عزز شعورها بالخطر الوجودي.

في هذا السياق، عبّر دروز إسرائيل عن تضامنهم مع دروز سوريا، من خلال مساعدات مالية وطبية، وضغوط إعلامية وسياسية على الحكومة الإسرائيلية للتدخل. وتفيد تقارير أن إسرائيل قدمت دعمًا غير مباشر للدروز في سوريا، عبر التنسيق الأمني أو شن غارات تحذيرية ضد تهديدات محتملة.

 

تجسد العلاقة بين إسرائيل والدروز نموذجًا معقدًا من التحالفات الظرفية والمصالح المتبادلة. فإسرائيل ترى في الدروز عنصرًا يمكن أن يحقق لها أهدافًا أمنية داخل حدودها وفي الجوار السوري، بينما ينقسم الدروز أنفسهم بين مسارات متضاربة من الاندماج، والحذر، والحياد، والرفض. ستبقى هذه العلاقة رهينة تطورات الصراع السوري، وتحولات الداخل الإسرائيلي، وموقع الدروز بين خيار الحفاظ على الخصوصية الطائفية أو الانخراط في صراعات أكبر لا تصب دائمًا في مصلحتهم. إن دفاع إسرائيل عن دروز سوريا ليس مسألة إنسانية فحسب، بل جزء من بنية استراتيجية إقليمية متشابكة، تستند إلى تاريخ طويل من "حلف الدم"، ومصالح أمنية تدفع تل أبيب لحماية حدودها من أي فوضى محتملة. أما موقف دروز سوريا، فسيبقى محكومًا بمبدأ الحذر السياسي، والمراوحة بين الانفتاح والانغلاق، في منطقة تتغير معالمها باستمرار.
al-Post

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا