تحميل

إبحث

في الصميم

“البرتغاليون” يتحكَّمون باقتصاد صيدا

portuguese_soldiers_sidon_streets

قبل سنواتٍ خلت، كان أقصى طموح أحدهم أن يحمل هويةً تتوسَّطها الأرزة، علَّها تكون حلاً لكثير من المشاكل التي يواجهونها باعتبارهم يحملون صفة “لاجئين” في بلدٍ لم يمنحهم حقوقهم الإنسانية الطبيعية، لا في العمل الحر ولا في التملُّك أو التوريث…
اليوم بات “أثرياء فلسطين” في صيدا “عُصبةً” تتحكَّم باقتصاد المدينة وتلعب أدواراً تتخطَّى حجمها الفعلي، وتتنامى في رسم حاضرها ومستقبلها على أكثر من صعيد. فما هو تأثير هذه الظاهرة على مدينةٍ تتفلَّت تدريجياً من بين أيدي أهلها؟

 

separator

الأمن المجتمعي
“أغنياء صيدا الفلسطينيون”، ظاهرةٌ نشأت في المدينة منذ سنوات، لكنها فرضت نفسها بسرعةٍ بحكم “الأمر المفروض” في الفترة الأخيرة بعد سيطرة مجموعة من “حديثي الثراء” بشكلٍ تدريجي على قطاعاتٍ أساسية في المدينة، يُصنَّف بعضها بحسب المعايير الدولية ضمن “استراتيجيات الأمن المجتمعي”، لما لها من تأثير مباشر وغير مباشر على حياة الناس وسلوكياتهم وقراراتهم، والتي لا يمكن أن تُترك بأيدي من هم من “غير الأهلية” لذلك.
ولأن صيدا “قريةٌ كبيرة”، والكل يعرف بعضه، طرحت هذه الظاهرة الكثير من الأسئلة التي تُقال سراً وعلانية، برضى أو بسخط، أبرزها طبعاً: من أين لكم هذا؟

صعودٌ مريب
فشابٌ يعمل سائقاً على شاحنة نقل صغيرة، يتحوَّل في سنين قليلة إلى واحدٍ من أكبر رجال الأعمال الذين يتحكَّمون بقطاع إنتاج الكهرباء، بل ويحتكره في مناطق وأحياء، محمياً بعلاقات مشبوهة وبمجموعةٍ من “المرتزقة” غبّ الطلب للدفاع عن المكتسبات.
متعهد ورشٍ صحيّة يصبح بين ليلةٍ وضحاها من كبار تجار البناء والعقارات، يناقش في تصاميم زها حديد المعمارية، ويطرح أرقاماً فلكية للاستحواذ على أراضٍ جديدة بنهمٍ لا يُشبع.
ومن محلِّ بقالةٍ داخل مخيم عين الحلوة، إلى رقمٍ صعب في مسألة الأمن الغذائي للمدينة ومحيطها، عبر سلسلةٍ من كبرى السوبرماركات والمحلات والمطاعم والمقاهي التي يتداخل فيها الحمص بالطحينة مع السيجار الكوبي والتبغ المهرَّب.
أمّا قطاع المحروقات ومجموعة المحطات المنتشرة في مختلف الأنحاء، ومحاولات الاستحواذ المتواصلة على محطاتٍ جديدة، فيمكن القول إن من الصعب تصديق أن البدايات كانت من صهريج مازوتٍ للمستشفى الحكومي في المدينة.

لا يُزايدن أحدٌ على صيدا..."جارة عكا" التاريخية، وما قدمته المدينة لفلسطين وأهلها والقضية حتى قبل ولادتكم
لأن صيدا "بتعرف بعضها منيح"

بعض التواضع والمسؤولية الاجتماعية
ليس الهدف من تناول الموضوع التقليل من أهمية قصص نجاحٍ محققة في وجدان أصحابها وعلى الواقع، بقدر ما هو دعوةٌ إلى قليلٍ من العقل والتروي وبعضٍ من الحكمة في مقاربة الأمور، مصحوبةٍ ببعض التواضع في مقاربة الأمور.
فلصيدا فضلٌ علينا وعليكم جميعاً، خاصةً “الضيوف”، وحين يكون الحديث عنها من غير المقبول في مجالسكم المغلقة، أو حتى بينكم وبين أنفسكم، أن تنسبوا الفضل فيما وصلتم إليه لشطارتكم وتوفيقٍ من الله ورضوانه. فلكلٍّ منكم قصته التي ستُروى يوماً، للعبرة والاتعاظ، من شراكات رجالات “فتح” السابقين في المدينة وتشغيل أموال “حماس” والاغتراب الفلسطيني الكادح، وليس وصولاً إلى جمعيات تُفرِّخ هنا وهناك لا تنتهي قصصها في “باشاك شهير” بإسطنبول.
ولأن صيدا “بتعرف بعضها منيح”، تجد من الصعوبة بمكان أن تمر هذه الظاهرة دون أن تترك أثراً وندوباً في المجتمع الصيداوي الذي يتناولها بحسرة العاجز عن مواجهتها. ولا يُزايدن أحدٌ على “جارة عكا” التاريخية، وما قدمته المدينة لفلسطين وأهلها والقضية حتى قبل ولادتكم. فقليلٌ من العرفان يعني الالتفات إلى أوجاع أهل المدينة في ظروفهم الصعبة، لا التطلّع إلى مزيدٍ من الربحية والاغتناء، الذي لا يشفع له افتتاح مسجدٍ هنا أو دورةٍ صيفيةٍ هناك. فالعدل المحقَّق في تحصيل فاتورة كهرباء أبلغ وأعمق من صورة قصِّ شريطٍ وتوزيع إعاشات.

مع كل هذا، لا يقع الحق كلّه على “الحجّاج” (كلهم يتقاسمون لقب حاجّ)، فالمدينة مفتوحةٌ للمجتهدين والأفكار والجادين في العمل والتطوير، والحياة بطبعها تلفظ البلادة والهبل والبساطة، لكن من العدالة أن تكون شروط التنافس منصفة، لا أن تُقاتل بسلاح غيرك في معركةٍ تملك الأفضلية لتحقيق الفوز في حين لا تتوافر عند الآخرين. لكن الصيداويين في سباتٍ عميق.

 

مواطنون أوروبيون صالحون

قطع هؤلاء الأثرياء الفلسطينيون شوطاً طويلاً في مسار التحول إلى جنسيةٍ ثانية. أغلبهم اليوم تم تجنيسهم لبنانياً، بل إن غالبيتهم يحملون الجنسية التركية عبر التملك العقاري، وتفوّق بعضهم حتى على نفسه فأصبحوا اليوم "مواطنين أوروبيين صالحين" يحملون الجنسية البرتغالية من خلال مشاريع عقارية واستثمارية وودائع مصرفية في أفقر بلدان القارة العجوز. بل إن أحدهم بات يوزع إحدى الجنسيات على القادرين والمحظيين.

تغيُّر قواعد اللعبة
السؤال الذي يعرفه أصحابه مليّاً اليوم، لكنه قد يغيب عن بال كثيرين: هل ستتأثر ظاهرة "أثرياء فلسطين" في المدينة بالمتغيرات الكثيرة التي يشهدها البلد والمنطقة؟ بمعنى أدق، ما سيكون انعكاس تضييق الخناق على المسارات المالية لحزب الله وحلفائه على هؤلاء، بشكلٍ مباشر وغير مباشر، وكيف سينعكس ذلك على المال الوافد من الاغتراب، خاصة بعد التغييرات التي تشهدها الساحة الفلسطينية على المستوى المحلي بعد قرارات "أبو مازن" ولواحقها... الأيام ستجيب، لكن الأكيد أن ما كان قائماً لسنوات لن يكون ليستمر على ما هو عليه، حتى لو ظن أصحابه أنهم امتلكوا مفاتيح الأمر... من قبل ومن بعد.
العلامات

يعجبك ايضاً

أترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تفعيل التنبيهات نعم كلا